الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أحمد حبشي: العرض المسرحي "لافيراي" يكشف متلاشيات في الأفكار والتصوّرات!

 
أحمد حبشي
 
"لافيراي" هو مكان خاص بالمتلاشيات، الأشياء التي لم تعد صالحة كليا أو جزئيا في الاستعمال، هكذا هي في التداول العام. وعندما تُستعار كعنوان لعرض مسرحي، تثير الانتباه والفضول الفني، للوقوف على ما يميز عملا إبداعيا في تداوله لقضايا مجتمعية.
 
مسرحية "لافيراي"
 
مسرحية "لافيراي" لكاتبها أنس العاقل ومن توقيع الممثّل والمخرج المسرحي ياسين أحجام، ستعانق الجمهور المغربي، من جديد، يوم الجمعة 29 سبتمبر 2023، في المسرح الوطني محمد الخامس في الرباط، فيما العرض الأول الرسمي للمسرحية كان يوم الجمعة 22 سبتمبر، في المسرح الكبير بنمسيك، في الدارالبيضاء.
الأدوار الرئيسية في هذا العمل المسرحي المتميز أسندت إلى كل من قدس جندل ومنصف القبري ورضا بنعيم ويونس شارا وزهير آيت بنجدي، فيما يعود تصميم الملابس والسينوغرافيا إلى نورا إسماعيل، والإنارة لياسين الزاوي والتدبير الإداري لمحمد رضا الجعفري والمحافظة العامة لوديع حامين والعلاقات العامة والتواصل لعبد الله عدوي.

للوهلة الأولى، يتبادر إلى الدهن أن "لافيراي" سيوظف كفضاء لعرض قضايا المهمّشين، ولمن يتخذونه مكانا للعيش والاستقرار أو موردا لتدبير متطلبات الحياة... غير أن ما اعتمده أنس العاقل، مُعدّ النص، وأراد أن يثير الانتباه إليه، هو وجود متلاشيات من مستوى آخر في المجتمع، لابد أن تعرف طريقها إلى "لافيراي". فهي لم تعد صالحة ولا تتناسب ومتطلبات العصر، هي أفكار وتصورات تُتداول بأشكال مختلفة، لم تعد تستقيم وما انتهت إليه البشرية من تطور في العلاقات الاجتماعية، وما أصاب الروابط المجتمعية من تفكك، أو تحول يتناسب ومتطلبات الفعل الاجتماعي المستجيب لمقتضيات الحياة وتمتين الروابط.

تناول العرض، بكل جرأة، أهم القضايا المجتمعية المثيرة للجدل، وفي جوهرها العلاقة بين المرآة والرجل، وما يلفها من إشكالات في مختلف مستوياتها، والإيحاء بضرورة تجاوز آثارها السلبية. وهو ما عَكَس، بشكل صريح، جوانب مما عُقدت من أجله ندوات ورُفعت بشأنه شعارات تدعو إلى التغيير، أو التحريض على التجاوز الفعلي لما أصبح، في الاعتقاد، معيقا للتطور، والحد من فعاليات كل المكونات المجتمعية على المستوى النفسي والمجتمعي.
 
لقد توفق العرض، بالمستوى الرفيع للأداء المسرحي والحركية السينوغرافية، إلى جانب الانسجام الكامل بين الممثلين، في شد انتباه عموم الجمهور، وتحقيق تفاعل إيجابي مع أغلب فتراته، وذلك في عرض مشاهد متلاحقة ووقائع متباينة تحيل على ما يعيشه الناس في تواصلهم وتفاعلهم مع مختلف الأحداث. شخصيات يجمعها الجوار وتتباين آراؤها على مستوى الفعل المجتمعي المباشر، خمس حيوات بشرية تحكي بعضًا من مسار تجربتها وما اعتبرته شكلا معيقا في تحقيق بعضٍ من مآربها، أعراف مسنودة بتأويلات وأحكام لا تصمد أمام الحقائق المجتمعية وما تتطلبه دواعي الحياة ومستلزماتها، تصبح على الهامش المعاش اليومي، ككل المتلاشيات، التي يقتضي التخلص منها وضعها في ما يشبه "لافيراي"...
 
لكل ذلك، كان لابد من عرض تفاصيل حياة كل شخصية على حدة، وما اكتسبته في تقابل ممارساتها ومختلف تفاعلات محيطها المجتمعي في ممارسة اختياراته وتقبل ردود فعلها.. تقابل يؤكد أطروحة ضرورة التخلص من كل ما أصبح يعيق تثبيت المساواة، وكشف زيف كل الادعاءات التي تستغل المشترك وإخضاعه لتأويلات خاصة لتحقيق مآرب وأهداف. وكذا التأكيد على الحقوق الفردية والجماعية وتجاوز كل تمييز على أساس الجنس أو المعتقد. خلاصات أبرزها العرض، وأكد من خلالها ما يمكن أن يضيفه المسرح كمجال التعبير الثقافي والفني، في عرض القضايا المطروحة على المجتمع والانخراط المباشر والفعلي في توسيع دائرة النقاش المجتمعي وتعميم أشكال إطاراته.

شتنبر 2023