الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

باحث يستعيد تاريخ الاستعمار الاقتصادي ويدعو إلى اعتماد صناعة محلية وبناء اقتصاد تكاملي مع الجيران

تغطية: علي بنساعود
 

 
عاب الأستاذ محمد أوبنعل على النموذج الاقتصادي المغربي الحالي أنه مرتبط فقط بتلبية الحاجيات الأجنبية، سواء في مجال الفلاحة أو الصناعة، ورغم ما لهذا النموذج من مزايا، تتمثل في ارتفاع رقم معاملاته، وتوفيره لفرص شغل مهمة، فإن الخطير فيه، حسب هذا الباحث، هو أنه مستعد لأن يرحل إلى أي منطقة توفر له شروطا أفضل...
جاء هذا خلال تفاعل الأستاذ محمد أوبنعل، وهو باحث في علم الاجتماع بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مع متتبعي عرض قدمه ضمن فعاليات "حلقات أكورا للثقافة والفكر"، التي دأبت جمعية أكورا للثقافة والفنون على تنظيمها منذ بداية الحجر الصحي، وكان محورها: "تأملات في التاريخ والثقافة لفهم اقتصادنا"، وذلك، مساء الأربعاء 22 يوليوز الحالي، ابتداء من الساعة 8 مساء، مباشرة، عبر منصة زوم...
واعتبر أوبنعل أن الأهم، راهنا، هو أن تكون لدينا صناعة أو صناعة فلاحية مرتبطة بالاستهلاك المحلي، وباستهلاك من هم أقرب إلينا، ومن يمكن أن يكونوا حلفاءنا، وأن نفكر بجد ووعي ومسؤولية في بناء اقتصاد تكاملي مع جيراننا في الدول المغاربية، لأن اقتصاد هذه الدول يمكن أن يشكل سوقا مشتركة ذات أهمية، متى اعتُمدت سياسة اقتصادية مشتركة، كما حث المتدخل على التفكير بشكل عادل في العلاقة مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، أي أن نعطي الأولوية للبعد المحلي، ثم المغاربي، ثم للدول الإفريقية جنوب الصحراء، دون تجاهل العلاقات الموجودة مع أوروبا بشكل عام.
وأضاف الباحث أنه لابد من خلق صناعات مرتبطة بالواقع المحلي، وبالبحث العلمي المحلي، وبنظام إيكولوجي مرتبط بالمنتوجات المحلية المتوفرة لدينا، فلاحية كانت أو معدنية، وبموارد بشرية محلية، وخبرة محلية، وربما لغات وثقافات محلية، وتطويرها، أي لابد من بلورة سياسة صناعية متجذرة محليا في واقعنا المغربي.
 
 
حكومة عبد الله إبراهيم-بوعبيد التي تم تشكيلها بقيادة يسار الحركة الوطنية استهدفت استعادة الاستقلال الاقتصادي وكانت تعتبر التصنيع من صميم عملية إنهاء الاستعمار الاقتصادي
 
 
كما دعا أوبنعل إلى التفكير في أن يكون البدء بالزراعة المستدامة التي تستجيب للحاجيات المحلية والوطنية قبل الخارجية، وبالصناعات الفلاحية، والطاقات المتجددة على أن تكون مستلزمات هذه الصناعات من إنتاج محلي أيضا، والشيء نفسه يُراعى في مجال السياحة، بحيث تكون الأولوية للسياحة الوطنية ثم المجالية المرتبطة بالمغرب الكبير، وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء، وأن تكون هذه السياحة متنوعة ثقافيا وبيئيا... مع تدبير عقلاني للموارد المائية وتطوير صناعة الفرجة الشعبية وتصديرها...
في عرضه هذا، أكد الأستاذ محمد أوبنعل أن حكومة عبد الله إبراهيم-بوعبيد، واجهت عداء شديدا من المصالح الأجنبية بالمغرب، وتعرضت لهجومات شرسة من القصر ومن مُلاك الأراضي والبرجوازية الحضرية ممثلة في حزب الاستقلال، وذلك لأنها جعلت التصنيع من أولوياتها الوطنية، إلى جانب الإصلاح الزراعي وتكوين الأطر...
ومعلوم أن هذه الحكومة، التي تم تشكيلها بقيادة يسار الحركة الوطنية، عامين بعد انتهاء الحماية الفرنسية، كان من بين أهدافها استعادة الاستقلال الاقتصادي للبلاد، وكانت تعتبر التصنيع من صميم عملية إنهاء الاستعمار الاقتصادي، كما جاء في مخططها الخماسي (1960-1964).
وأضاف الأستاذ أوبنعل أن هذا المخطط كانت له ثلاثة أهداف في المجال الصناعي، هي: تطوير الصناعات الأساسية، والاستخدام الأقصى للمواد الخام المحلية، واستبدال، قدر الإمكان، واردات المنتجات المصنعة عن طريق الإنتاج المحلي.
ولهذا الغرض، يواصل الباحث، تم إنشاء مكتب الدراسات والمساهمات الصناعية، كأداة رئيسية لهذا التوجه، الذي دخل في شراكة مع مستثمرين أجانب لإنشاء مشاريع صناعية كبرى منها: الشركة المغربية لتصنيع السيارات (صوماكا)، بشراكة مع سيمكا وفياط، ومصنع للعجلات بتعاون مع جنرال تاير. وتحالف مع (ENI) إحدى أكبر الشركات الإيطالية المتخصصة في الطاقة لتأسيس لاسمير كما أنشأ مصنع بيرليي بالمغرب...
واقتناعا منها بالدور القيادي للدولة في التحول الهيكلي للاقتصاد، قامت هذه الحكومة بتشكيل القطاع المالي العام وتوحيده. وهكذا، شهد عام 1959 إنشاء البنك الوطني للتنمية الاقتصادية والبنك المغربي للتجارة الخارجية وصندوق الإيداع والتدبير...
لكل ذلك، تمت إقالة هذه الحكومة عام 1960، وحل محلها فريق حكومي برئاسة رئيس الدولة (محمد الخامس)، غير أن ولي العهد، آنذاك، (الحسن)، هو في الواقع من كان يتحكم في زمام الأمور. وأحدث هذا الفريق منعطفا "ليبراليا" باعتماد قانون استثمار أكثر مرونة، متخليا عن التوجهات العامة للمخطط الخماسي وتعليق عمل BEPI.
وأضاف أوبنعل أن المفاوضات مع البنك الدولي أسفرت عن قرض في عام 1962 وعن دخول البنك في رأس مال البنك الوطني للتنمية الاقتصادية من خلال فرعه شركة التمويل العالمية. وقد فرض على البنك الوطني للتنمية الاقتصادية تخصيص الجزء الأكبر من موارده للشركات الخاصة، وبعد تدخل مؤسسات (برايتون وودز) في أعقاب الأزمة المالية لعام 1964، تم رسميا التخلي عن الخيار الصناعي، لأن المخطط الثلاثي لسنوات (1965-1967) أعطي الأولوية للزراعة وتكوين الأطر والسياحة عوض الصناعة.
وأدى ارتفاع أسعار النفط، بعد أزمته الثانية، نهاية السبعينات، وانخفاض أسعار الفوسفاط في الأسواق الدولية، وتعاقب سنوات الجفاف، وزيادة الإنفاق العسكري المغربي المرتبط بالحرب في الصحراء، إلى تدهور الوضع وخلق العجز المزدوج وزيادة الدين العام.
وللتخفيف من حدة الأزمة المالية، بدأ المسؤولون الحكوميون عام 1978 في تقليص الواردات والنفقات، لكن المغرب كان وصل حافة الإفلاس.
لذلك، سارعت الدولة إلى التفاوض مع الهيئات والمقرضين الماليين الدوليين لإعادة جدولة الديون، والحصول على قروض جديدة، خلص إلى توقيع برنامج التقويم الهيكلي عام 1983.
وعام 1987، حصلت الدولة على قرض لإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، ومثل ذلك نقطة تحول في منطق تدخل الدولة في المجال الاقتصادي. فقد وقع البنك الدولي اتفاقا مع المغرب للحصول على قرض بنحو 240 مليون دولار لتنفيذ تدابير لترشيد المؤسسات العامة، ولكن أحد الأهداف الثلاثة لبرنامج القرض لإعادة هيكلة المؤسسات العمومية هو ضمان فك ارتباط الدولة بالقطاعات الإنتاجية التي يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص بشكل أكثر فاعلية. لذلك، أوصي البنك الدولي بوضع جرد لمساهمات الدولة لتحديد الشركات التي ستتم إعادة هيكلتها، وتلك التي يجب بيعها. وكانت استراتيجية الخوصصة موجهة منذ البداية نحو القطاع الصناعي والشركات القابضة التابعة للقطاع العام مثل صندوق الإيداع والتدبير.
بعدها، أبرز المتدخل أهم التحولات التي عرفها المغرب بعد برامج التقويم الهيكلي والخوصصة، وذلك من خلال وقوفه عند تطور البنية المالية للرأسمالية المغربية بين سنتي 1977 و2016، حيث أبرز، من خلال جداول عرضها، مجموعة من المعطيات منها أن نسبة الشركات التي يتحكم فيها القطاع العام تقلصت نسبتها من 15,31% سنة 1977 إلى 12,2% سنة 2016، أما نسبة الشركات التي يتحكم فيها الرأسمال الخارجي، فاانتقلت من 30% إلى 34%، بينما نسبة ما يمتلكه الرأسمال الخاص المغربي من شركات انتقلت من 41% إلى 48%، أما الشركات التي يتحكم فيها القطاع العام والرأسمال المغربي والرأسمال الأجنبي فتقلصت نسبتها من 13% إلى 4%...
وحين التدقيق في هذه الأرقام، لاحظ الباحث أن الشركات الصناعية الكبرى التي كان يملكها القطاع العام تقلصت من 16 شركة سنة 1977 إلى شركة واحدة سنة 2016، هي المكتب الشريف للفوسفاط، أما الشركات الصناعية التي يملكها القطاع الخاص المغربي، فلاحظ أن نسبتها ازدادت، إذ انتقلت من 43% إلى 59% في الفترة نفسها، وهنا لاحظ أن هذا التطور شمل قطاع التجارة بالأساس، أما الرأسمال الأجنبي فشهد أيضا نموا إذ انتقل من 37% إلى 55%...
قبل هذا، توقف الباحث عند بداية التوغل الاقتصادي الأوروبي وأثره محليا، وأبرز كيف أن احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 أدى إلى تحويل تجارة القوافل نحو محورها الغربي الذي يؤدي إلى موانئ طنجة والصويرة، وكيف أن ذلك شجع الصادرات، إلا أنه سرعان ما عادت المنتجات المستوردة لاختراق الأسواق المغربية. كما أشار إلى أن المخزن سعى إلى الحد من آثار تحرير التجارة على الهياكل الاجتماعية والاقتصادية، من خلال احتكار بعض المنتجات، ومنح امتياز المتاجرة فيها لتجار كبار كانوا مرتبطين به.
وأضاف أوبنعل أن المعاهدة التي أبرمت مع بريطانيا عام 1856 شكلت نقطة تحول في السياسة التجارية المغربية خلال القرن 19، إذ حددت معدل 10٪ على الرسوم الجمركية المفروضة على كل الواردات، وأن هذا أسس لتحرير التجارة، وأعطى للتجار البريطانيين دورًا متميزا. وأدت زيادة واردات القطن والشاي والسكر إلى إحداث أثر كبير على طبيعة لباس المغاربة وأكلهم، حيث أصبح الشاي هو المشروب المفضل لدى سكان المدن ثم البوادي في نهاية ق.19، حيث زادت واردات الشاي من 2326 كلغ عام 1854 إلى إلى 420.000 كيلوغرام عام 1886. وبفضل واردات شاي رديء الجودة تمكن التجار البريطانيون من تقديم منتوج بسعر مناسب، أغرقوا به أسواق البوادي، فتحول بذلك من منتوج نخبوي نادر إلى مشروب مرافق للوجبات الشعبية، يُستهلك عدة مرات في اليوم.
كما أدت زيادة الطاقة الإنتاجية للأوربيين الذين كانوا يسعون إلى بيع هذا الفائض في الأسواق الخارجية إلى ارتفاع سريع في الواردات. فدخلت الحكومات الأوربية في منافسة بينها، من خلال دعم صناعاتها بتحفيزات للتصدير، ما أدى إلى انخفاض سعر السكر في المغرب ليصبح في المتناول.
وبلغت الحرب الفرنسية المغربية ذروتها حين قصفت السفن الفرنسية الصويرة وطنجة عام 1844 تلاها احتلال إسبانيا لتطوان في 1859-1860، وتوجت المفاوضات بإخلاء جيش إسبانيا مقابل غرامة كبيرة أثقلت كاهل مالية المخزن...
ولضمان سداد الغرامة، وضع الإسبان مراقبين في الموانئ المغربية، لأخذ نصف عائدات الجمارك من المصدر، وهذا ما فرض قيودا كبيرة على التجار المحليين وعزز هيمنة التجار البريطانيين.
وأضاف الباحث أن الوضع المالي الصعب دفع المخزن إلى زيادة الضرائب على المنتجات المعروضة للبيع في أسواق المدن، لكن ازدهار نظام المحميين قوض هذا الإصلاح، وزاد من التهرب الضريبي للتجار والقياد الأغنياء ومن الضغط الضريبي على القبائل بالبوادي.
كما شهد العقد الأول من القرن العشرين فشل محاولة إصلاح النظام الضريبي وحدوث إضطرابات كبرى (تمرد بوحمارة، الصراع بين القوى العزيزية والحفيظية) ما أدى إلى توقيع معاهدة الحماية في 1912.
بعدها، انتقل الأستاذ أوبنعل للحديث عن الميكانيزمات التي اعتمدها الاستعمار لتحويل الاقتصاد، ومنها أنه اعتمد سياستين: أولاهما للمغرب النافع، والثانية للمغرب العميق.
تمثلت الأولى في: بناء مدينة الدارالبيضاء، وتدفق رأس المال نحوها، وبناء الميناء، وأولى الشركات الصناعية والكهربائية، ومشروع السكك الحديدية، علاوة على تنمية الاستيطان الزراعي في المناطق الخصبة، وسياسة الإمداد بالمياه، وإعداد الأراضي للفلاحة، إضافة إلى أنشطة المعادن كاستغلال الفوسفاط من قبل المستعمر، واستخراج المعادن وتوجيهها نحو التصدير...
أما سياسة المغرب العميق، فاختزلها في "المراقبة والمعاقبة"، إذ عند احتلاله لأراضي القبائل المنتفضة، عمل على تأمين الطرق لتشجيع دخول منتجاته بأقل تكلفة، وأدى ذلك إلى قطع جزء هام من موارد القبائل التي كانت تستخلصها من "النزالات". كما عمل على بناء طرق حديثة، خاصة بين محور الدار البيضاء- فاس، وتم تأجيل مشاريع الطرق وعمليات التزويد بالمياه في الجبال النائية، وهذا ما أدى إلى تنمية متفاوتة بالمغرب.
وخلال هذه الفترة، ازدهرت التبعية الاقتصادية، ومن تجلياتها: الإدخال المكثف لزراعات لا تلبي الاحتياجات المحلية ومنها: زراعة التبغ، الذي يستجيب أكثر للاحتياجات المتزايدة للمراكز الحضرية، وزراعات تلبي حاجيات المستعمر، كزيت الخروع لإنتاج زيوت تشحيم محركات الطائرات العسكرية الفرنسية...
وقبل هذا وذاك، قدم الباحث جردا تاريخيا دقيقا تناول فيه ما أسماه "اقتصاد الإمبراطوريات (المرابطون والموحدون)" أوضح فيه أنه عند مجيء المرابطين، قاموا بتأمين الطرق، وسيطروا على آبار الملح لاستبداله بالذهب والعبيد، وألغوا الضرائب التي كانوا يعتبرونها مخالفة للإسلام، ما جذب التجار إليهم، ناهيك عن إصدارهم لوحدة نقدية ساعدت على تبادل السلع.
أما إمبراطورية الموحدين، فأوضح أوبنعل أنها امتدت نحو شرق شمال إفريقيا، وساعدتها مدينة سبتة في الانفتاح على التجار المسيحيين الإيطاليين.
وبخصوص السعديين، أوضح المتدخل أن حركتهم ظهرت في سياق استرجاع الممالك المسيحية لشبه الجزيرة الإيبيرية، واحتلالها لثغور بسواحل شمال إفريقيا، وأن السعديين أدركوا، منذ بداية حركتهم، أهمية الانفتاح البحري الأطلسي لتصدير البضائع الآتية من صناعة السكر المحلية، ومن المعادن بسوس، ومن تطوير نشاط التجارة العابرة للصحراء. كما أوضح أن حاكم سوس الذي سيطر لاحقًا على كامل الأراضي عند الانتصار على الوطاسيين، طور مزارع قصب السكر القديمة، وقام بتحديثها بتجنيده للتجار الفارين من الأندلس والذين وضعوا أنفسهم في خدمته.
وكانت صناعة السكر، بالنسبة للسعديين، عنصرا مركزياً في الموارد المالية، يتم تصديرها إلى الأسواق الأجنبية...
ويؤكد المؤرخون أن وحدات إنتاج السكر في عهد السعديين كانت من أهم الوحدات الصناعية لإنتاج السكر في ذلك الوقت. وكان يمتلكها السلطان، ويمنح امتياز المتاجرة فيها لليهود المحليين أو للمسيحيين الإنجليز والفرنسيين.
ولأن هذه المزارع احتلت أجود الأراضي، وتسببت في منع السكان من الرعي، ولأنها كانت تستهلك المياه، وفرض العمل فيها على السكان المحليين لبناء قنوات وأحواض المياه، فقد اعتمدت السلطة على وحدات عسكرية لحمايتها من ثورات القبائل، غير أنه، في سنة 1589، أغرقت البرازيل السوق الدولية بكميات كبيرة من السكر بأسعار تنافسية، أدت إلى إفلاس التجار المغاربة.
وعرفت نهاية القرن 16 اضطرابات قوية، وانخفاض عدد السكان المحليين جراء الطاعون، وحروبا بين أبناء المنصور بعد وفاته عام 1603، فأصبحت الطرق بين تارودانت وأكادير، التي تمكن من تصدير السكر وغيره من البضائع، غير سالكة بسبب السرقة، وتم تدمير مزارع قصب السكر في سوس بالكامل، أو التخلي عنها خلال النصف الأول من ق. 17.
بعدها، توقف الباحث عند تجربة الإمارة التجارية لإيليغ التي أدى صعودها السياسي إلى تركيز حيازاتها على الأراضي. إذ بمجرد ما توطدت السيادة السياسية لأميرها بودميعة، سنة 1640، أصبح يمتلك نسبة 94.75٪ من حدائق تيغاغ بعدما لم تكن تتجاوز هذه النسبة 7,55٪ سنة 1608.
وامتدت إمارة إيليغ من ساحل أكادير إلى الصحراء، وكانت إمارة تجارية تسيطر على تجارة القوافل بين بلاد السودان وموانئ منطقة سوس، ما خول لها الحصول على جزء من الأرباح إثر بيع البضائع الآتية من الصحراء (الذهب، العبيد...)، ومن خلال تطوير أسواقها ومواسمها التجارية التي تجلب رسوم الدخول، ومن فرض الضرائب الجمركية على السفن التي ترسو على سواحلها، ومن خلال تنظيمها للقوافل أو مشاركتها فيها، وعن طريق فدية الأسرى الأوروبيين العالقين على سواحلها...