رسالة سانشيز للملك محمد السادس.. متغير استراتيجي بحجم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
حدث بالغ الأهمية ستنتج عنه معطيات وتطورات ديبلوماسية وغيرها غير مسبوقة في العلاقة بين الجارين: المغرب وإسبانيا، من شأنها أن تغير الكثير من الأمور سواء في العلاقات المغربية-الإسبانية أو في مسار حل النزاع الإقليمي الذي يؤججه نظام الجنرالات في الجزائر عبثا، وإيجاد الحل المناسب الذي يؤكد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية...
ذلك ما يمكن قوله بشأن رسالة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى الملك محمد السادس، التي كُشف عنها النقاب في بلاغ للقصر الملكي، وفي بلاغ وزارة الخارجية المغربية، ثم في بلاغ الحكومة الإسبانية، الذي اكد ما جاء في بلاغي القصر الملكي ووزارة الخارجية المغربية، وأعلن عن زيارتين قريبتين لكل من وزير الخارجية الإسباني، ثم رئيس الحكومة الإسبانية، إلى المغرب بغرض وضع خارطة طريق للعلاقات المستقبلية بين المغرب وإسبانيا.
تأكيد الدولة الإسبانية على اعتبار مخطط الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب هو الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل نزاع الصحراء يعتبر متغيرا استراتيجيا، في حجم الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء واعتبار الولايات المتحدة مخطط الحكم الذاتي الأساس لأي حل ممكن للنزاع، الذي جاءت نائبة كاتب الدولة الأمريكي، ويندي شيرمان، لتؤكده بصريح العبارة، رفعا لكل لبس أو تأويل خاطئ، لدى زيارتها للمغرب والجزائر، يوم الثلاثاء 8 مارس 2022، وأكده التقرير المُرفق للميزانية الأمريكية، التي أشر عليها الرئيس جو بايدن، يوم الثلاثاء 15 مارس 2022، حيث تُعد الميزانية في الولايات المتحدة من طرف الكونغريس وليس من طرف الحكومة، وللرئيس حق التأشير والقبول أو الفيتو فقط.
وتكمن أهمية الموقف الإسباني هذا، الذي عبر عنه، بشكل ضمني، الملك الإسباني فيليب السادس، يوم الاثنين 17 يناير 2022، خلال حفل الاستقبال التقليدي للسفراء الأجانب المعتمدين بمدريد، في ظل غياب سفيرة المغرب كريمة بنيعيش، وعبّر عنه سياسيون إسبانيون عقلاء ذوو نظرة بعيدة، ومن ضمنهم رئيسا الحكومة السابقين الاشتراكيين فيليبي غونساليس وخوسي لويس رودريغيز ساباتيرو، تكمن في كونه يصدر عن المستعمر السابق للأقاليم الجنوبية المغربية، الذي يعرف حقائق المنطقة وتاريخها، ويعرف أن المشروع الانفصالي، الذي ورثه جنرالات الجزائر كما ورثوا منطق الجزائر الفرنسية الاستعماري، هو في الأصل مشروع إسباني، ويعرف كذلك أن الرجوع إلى الوراء وفصل المغرب عن صحرائه أو الصحراء عن مغربها من المستحيلات، وأن التطورات الجارية إقليميا ودوليا تجعل ذلك المشروع الانفصالي يتجه نحو الانحدار النهائي والاختفاء، وأن الجزائر نفسها، التي حاولت أن تستعمل ذلك المشروع كحجرة في حذاء المغرب، لعرقلة تنميته وازدهاره وللحيلولة دون مطالبته بالأراضي التي ألحقها الاستعمار الفرنسي قهرا بالجزائر، قد صارت رهينة لهذا المشروع، الذي بات يهددها داخليا في استقرارها ووحدتها وسمعتها الدولية، خصوصا مع هذا القدر من الجنون، الذي ظهر منذ تولّي الجنرال شنقريحة لقيادة نظام الجنرالات في السلوك السياسي والديبلوماسي للجزائر المتمحور اليوم حصريا حول حقده على المغرب، وهو الذي بيّنت المعلومات التي تم الكشف عنها أنه كان على علاقة بمهربي المخدرات به لزمن طويل.
الموقف الإسباني يأتي مطابقا في جوانب منه للموقف الفرنسي، الذي اقتربت منه أيضا ألمانيا بعد الأزمة السابقة، وللموقف الأمريكي في جوانب أخرى، وصيغة الحرص على الوحدة الترابية للبلدين الواردة في رسالة سانشيز لها دلالة مكملة لدعم مخطط الحكم الذاتي، المستوحى أصلا من إسبانيا، ومن شأنه أن يخلق آثارا ذات أهمية كبيرة على مسار الأحداث مستقبلا، ليس فقط على المستوى الديبلوماسي، بل وأيضا على الأرض، لأن لإسبانيا تأثيرًا مستمرا على الانفصاليين، الذين استفادوا طويلا من دعمها المادي والمعنوي، وحاز عدد كبير منهم جنسيتها، وقاموا بمختلف الممارسات العدائية ضد المغرب فوق ترابها، وصولا إلى العنف ضد التمثيليات الديبلوماسية والأشخاص.
ذلك أن هذا الموقف الصريح والواضح، الذي ترافقه مجموعة من الالتزامات، يدق مسمارا آخر في نعش المشروع الانفصالي، ويجعل رعاته ومستخدميه والمراهنين على أثره على المغرب وعلى التوازنات الإقليمية والمعطيات الجيوسياسية، التي تنفلت منهم وتتقدم بعيدا عنهم، يدخلون مرحلة يأس مطلقة لن تستطيع السلوكات الهستيرية التي ستتفاقم والتصريحات الغبية، التي لا تليق بمسؤولي الدول، أن تخفيها عن أنظار الشعب الجزائري الشقيق، الذي لا يفوّت فرصة كي يؤكد أنه ضاق درعا بهذا العبث المتواصل...