الملك يهاتف والديه معزيا.. وفاة الطفل ريان تفجع المغاربة وتصدم العالم
الكاتب :
"الغد 24"
أعرب الملك محمد السادس، اليوم الجمعة 5 فبراير 2022، عن أحر تعازيه لوالدي الطفل ريان، في وفاة ابنهما، الذي كان يتابع، عن كثب، تطوّرات الحادث المأساوي، منذ سقوطه في البئر والشروع في أعمال الإنقاذ.
وقال بلاغ من الديوان الملكي إنه على إثر الحادث المفجع، الذي أودى بحياة الطفل ريان أورام، أجرى الملك محمد السادس اتصالا هاتفيا مع كل من خالد أورام ووسيمة خرشيش، والدي الطفل الفقيد، الذي وافته المنية، بعد سقوطه في بئر.
وبهذه المناسبة المحزنة، يضيف البلاغ ذاته، أعرب الملك عن "أحر تعازيه وأصدق مواساته لكافة أفراد أسرة الفقيد في هذا المصاب الأليم، الذي لا راد لقضاء الله فيه، داعيا الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنانه، وأن يلهم ذويه جميل الصبر وحسن العزاء، في فقدان فلذة كبدهم".
وأفاد المصدر ذاته أن الملك أكد أنه "كان يتابع، عن كثب، تطورات هذا الحادث المأساوي، حيث أصدر تعليماته السامية لكل السلطات المعنية، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة، وبذل أقصى الجهود لإنقاذ حياة الفقيد، إلا أن إرادة الله تعالى شاءت أن يلبي داعي ربه راضيا مرضيا".
كما عبّر الملك، يقول بلاغ الديوان الملكي، عن تقديره للجهود الدؤوبة التي بذلتها مختلف السلطات والقوات العمومية، والفعاليات الجمعوية، وللتضامن القوي، والتعاطف الواسع، الذي حظيت به أسرة الفقيد، من مختلف الفئات والأسر المغربية، في هذا الظرف الأليم.
وفي الختام، أكد الملك لأسرة الفقيد "سابغ عطفه وموصول عنايته".
وكان الطفل ريان، البالغ من العمر خمس سنوات، قد سقط في بئر على عمق 32 مترا، في بئر بقرية إغران بجماعة تمروت بإقليم شفشاون، يوم الثلاثاء 1 فبراير 2022. وتواصلت من وقوع هذا الحادث جهود الإغاثة والانقاذ على قدم وساق ودون توقف من أجل إنقاذه، وتابعها المغاربة بتأثر كبير، قبل أن تنتقل موجة التضامن القوي إلى الشعوب المغاربية والعربية، ثم تحوّلت إلى موجة تضامن دولي في القارات الخمس...
وأخرج هذا الحادثُ المنطقةَ من عزلة فرضتها التضاريس الوعرة لسلسلة جبال الريف ليلقي بها في صدارة اهتمام الرأي العام الوطني والدولي. وتنامى التعاطف الكبير بعدما قضى الطفل يومه الثاني في قعر ثقب مائي حُفر على حين غرة، ثم تُرك مفتوحا دون احتياطات ولا حواجز للسلامة.
وتناقلت مختلف وسائل الإعلام الوطنية والعربية تصريحات لوالدي ريان وهما يتحدثان عن طفلهما بكثير من الحرقة، وأيضا بكثير من الأمل في نجاح جهود الإنقاذ في استعادة ابنهما سليما معافى، ليعاود ملء ردهات البيت شغبا ولعبا طفوليا.
يقول الوالدان إنه، بعد ظهر يوم الثلاثاء فاتح فبراير، تفقّد أفراد الأسرة الطفل ولم يجدوا له أثرا، وكأنما انشقت الأرض وابتلعت جسده الغض. بحث أفراد الأسرة هنا وهناك، ليتناهى إلى سمعهم آهات قادمة من أديم الأرض، ربطوا هاتفا بحبل وأنزلوه في غيابات الجب، فرأوه هناك يستجدي الغوث.
قضى الطفل ليلته الأولى في قعر الجب وهو يقاوم العطش ونقص الأوكسيجين، تؤنسه نداءات الوالدين والأقارب، وتدفئه محبة أسبغها عليه المغاربة قاطبة، بحس من التضامن والتعاطف، قبل أن تصل الجهود الأولى لغوث ريان، من عناصر الوقاية المدنية والسلطات المحلية والدرك، مؤازرين بالعشرات من شباب المنطقة، وبإشراف من السلطات الإقليمية.
صباح اليوم الموالي، الأربعاء، أنشئت لجنة لليقظة لتنسيق جهود الإنقاذ، ووضعت في البدء خطة انتشاله من فتحة الجب، لكن بسبب ضيق قطر البئر، والذي يصل إلى حوالي 30 سنتمترا في بعض مقاطعه، فشلت كل المحاولات الأولى لانتشاله من حيث سقط.
ثم وضعت خطة ثانية تقضي باستعمال آليات ثقيلة للحفر بشكل متوازي ومائل مع الثقب المائي، بحذر واحتياط كبيرين، مخافة أن تتسبب عمليات الجرف في انهيار البئر، تواصلت طيلة الأربعاء عمليات الحفر، لكن المهمة ليست سهلة بالتأكيد، فعمق 32 مترا يعادل علو بناية من 10 طوابق أو يزيد، مع فارق أن التربة، هنا، هشة، وأي خطأ في الحساب تكون نتيجته الهدم والانهيار.
بالموازاة مع ذلك، عملت الوقاية المدنية على إنزال كاميرا تُستعمل في مهام الغوث للتأكد من الوضع الصحي للطفل ريان وللتواصل معه لإبقائه واعيا، كما تم إنزال أنبوبي ماء وأوكسجين، وتم تزويده بهاذين المادتين الحيويتين لإطالة صموده في انتظار انتشاله حيا.
وجرت محاولتان جديدتان لانتشاله من فتحة البئر بمشاركة متطوعين من جمعية شفشاون لهواة الاستغوار، لكن ضيق قطر البئر حال، مرة أخرى، دون نجاح العملية.
ويقوم السيناريو الذي اعتمدته لجنة القيادة بعين المكان، بعد فشل الانتشال من فتحة البئر، على إحداث حفرة موازية بنفس عمق المكان الذي علق فيه ريان، أي حفر عمودي، ثم إحداث فجوة في البئر لانتشاله، أي حفر أفقي. وهذا ما انكبّت عليه فرق الإنقاذ، طوال أيام الخميس والجمعة إلى اليوم السبت، من الحفر المتواصل، مع الحرص على إحاشة جوانب الحفرة لتفادي أي انهيار محتمل يفاقم الوضع سوءا، كما حلت بعين المكان مروحية طبيعة تابعة للدرك الملكي لنقل الطفل بمجرد انتشاله من البئر إلى أقرب مستشفى لتلقي العناية الطبية اللازمة، وتم وضع سيارة إسعاف بطاقم طبي متخصص في الإنعاش على أهبة الانطلاق.
كانت عمليات الحفر تواجه صعوبات كبيرة لعل أبرزها طبيعة التربة الرملية الهشة في بعض الطبقات والصخرية في طبقات أخرى، كما أن الجرافات تعمل على توسيع قطر الحفر وإحاشة الطبقات العليا مخافة انهيار الأتربة على المنقذين وعلى الطفل نفسه.
وكان الجميع يضعون أيديهم على قلوبهم، فقد كان المغاربة يتابعون بكثير من التعاطف عملية الإنقاذ المتواصلة، عبر وسائل الإعلام أو من خلال المواطنين الحاضرين في عين المكان، كما تقاطرت من المغرب ومن خارجه عبارات ودعوات ومبادرات التضامن مع ريان وعائلته، وأصبح الكل يردد هاشتاغ "أنقذوا الطفل ريان".
وفي عصر يوم أمس الجمعة، انتهت عملية الحفر العمودي للحفرة الموازية للثقب المائي، الذي سقط فيه الطفل ريان، بنحو 32 مترا، لتنطلق، دون انتظار، عملية الحفر الأفقي بمساعدة فريق من المختصين، ضم مهندسين طوبوغرافيين ومختصين من الوقاية المدنية أجروا دراسة تقنية ميدانية على مستوى الموقع الذي يحيط بالثقب المائي المعني ووضعية التربة للتأكد من صلابتها، حتى لا تعيق عملية الولوج في الحفرة الأفقية.
وفي الوقت نفسه، جرى إعداد فريق الإنقاذ، الذي سيلج الفجوة الأفقية، وتحديد نقطة بدء أشغال الحفرة الأفقية التي تؤدي إلى الموقع الذي علق فيه الطفل ريان ، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة الثقب المائي، وهو بئر قديم حفر قبل عدة سنوات.
واليوم السبت، انتقلت أشغال الحفر إلى مرحلة حساسة، فرضت مواصلة الحفر يدويا من طرف فريق مختص من الوقاية المدنية، وباستعمال أدوات خاصة، وبكثير من الحذر، مخافة التسبب في انهيار التربة بالثقب المائي، ولتفادي سقوط أي أتربة أو أحجار وتوفير أقصى ضمانات الحماية للطفل ريان، كما جرت الاستعانة بصهريج ضخم فُتح من الجانبين لدعم المنطقة التي يُحفر فيها، وبعد جهد جهيد، وصل فلايق الإنقاذ إلى الطفل ريان، حيث جرى انتشاله خارج البئر إلى سيارة الإسعاف، التي نقلته نحو مروحية طبية تابعة للدرك الملكي، معززة بطاقم طبي وتمريضي متخصص في الإنعاش، وسط فرحة عارمة من الجموع، قبل أن تتحوّل النهاية السعيدة المأمولة إلى مأثم، بعد ورود خبر وفاة الطفل ريان...
وفجعت الجموع، في كل مكان، من العالم، أما في المغرب، فقد أضحى حديث الفاجعة شغلا شاغلا في الحافلات والقطارات والمقاهي والبيوت والشوارع، الكبار والصغار، وفي خارج البيوت والمقاهي، في الدروب والمتاجر، كلما شوهد شخص يحمل المذياع يتقاطر عليه سؤال واحد في كل وقت من قبل المارة: "واش خرّجوا ريان؟"، إلى أن جاء نبأ الفاجعة ليلة هذا اليوم، لتنطفئ جذوة الأمل، وتُفجع الجموع، وكثيرون لم يتحرّجوا من إطلاق العنان للدموع...