الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك يتسلم أوراق اعتماد السفير الإماراتي العصري سعيد أحمد الظاهري

السفير الإماراتي لدى المغرب للمرة الثانية.. العصري سعيد أحمد الظاهري رجل المهمات الصعبة

 
عندما تَردّدتْ، أمس الاثنين 17 يناير 2022، أخبارُ استقبال الملك محمد السادس، في القصر الملكي في الرباط، لعدد من السفراء الأجانب، الذين قدموا لرئيس الدولة أوراق اعتمادهم كسفراء مفوضين فوق العادة لبلدانهم في المغرب، تردد معها اسمٌ ليس غريبا عن المغاربة، هو اسم سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، العصري سعيد أحمد الظاهري... والسبب؟ عاملان اثنان: الأول أن المغاربة يعرفون العصري، بعدما كان سفيرا في الرباط بين 2011 و2016، وفي عهده شهدت العلاقات الإماراتية المغربية تطورا كبيرا في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية... والثاني أن المغاربة كانوا "يشمّون فيه رائحة" أب الإمارات وأصدق وأعظم أصدقاء المغرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان...
 
ولم يُجانب المغاربة الصواب، إذ إن العصري سعيد أحمد الظاهري نشأ إلى جانب أبناء الشيخ زايد، وكان والده سعيد الظاهري من أقرب المقربين لمؤسس الإمارات، ورافقه خلال مرحلة تأسيس الدولة، وهي مرحلة حاسمة في تاريخ الإمارات العربية المتحدة...
 
والمثير في هذه النشأة، أنها أتاحتْ، خلال الحضور إلى مجالس الشيخ زايد، اكتشافَ نبوغ الشاب اليافع العصري سعيد الظاهري، وما كان يتمتع به من غزارة معارفه وهو مازال في سن صغيرة، إلى درجةٍ دفعت الشيخ زايد إلى أن يعين العصري سعيد الظاهري، وهو مازال في عمر 14 سنة، دبلوماسيا في وزارة الخارجية الإماراتية، وفي نفس الوقت، تابع العصري تعليمه إلى أن تبوأ أرقى المناصب الدبلوماسية في جنيف وواشنطن والمنامة والرياض والرباط، وبالنظر لأهمية هذه العواصم الحساسة، فإن التعيين فيها جعل من العصري سعيد الظاهري "رجل المهمات الصعبة"...
 
بعدها التحق العصري بأبوظبي مستشارا للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة...
 
المثير، أيضا، أن مختلف المحطات، التي يمر منها العصري، يترك آثارا جليلة لا تُنسى، يترك العمل والاجتهاد والخير والحب والتعاون والتعاضد والتضامن، وكان العصري الظاهري ومازال، قولا وفعلا، رجل المهمات الصعبة، يتمتع بقدرة هائلة على التفاوض، وبإدراك كبير للعلاقات الدولية وتدبير الأزمات...
 
والأجمل، أيضا، أن هذا المسؤول، الذي يلقى الإعجاب والاحترام في أي مكان، يُكنّ حبا وتقديرا كبيرين للملك محمد السادس وللمغرب وللشعب المغربي... ولذلك، فإن وجوده في الرباط يفتح آفاقا واعدة لمضاعفة الشراكة الاستراتيجية مع أبوظبي، ويعكس الأهمية، التي توليها أبوظبي للرباط، حين اختارت مرجعا أساسيا للدبلوماسية الإماراتية في عدد من الملفات والقضايا الكبرى ليكون سفير سلام وخير وتعاون وتضامن وبناء ونماء على الأرض المغربية...
 
هذا هو السفير العصري الظاهري، الذي سبق للكاتب اللبناني الكبير خيرالله خيرالله، أن تتبع سرّ نجاحه المغربي، ووصفه بـ"رجل دولة وفيّ لمدرسة القيم في الحكمة والتواصل"...
 
الملك يسلم  الوسام المحمدي من الدرجة الأولى للسفير العصري عام 2017
 
شغل العصري الظاهري، يكتب خيرالله، موقع سفير دولة الإمارات العربية المتّحدة في الرباط بين العامين 2011 و2016. كان يمكن أن يغادر العاصمة المغربية مثله مثل أيّ سفير آخر، أي بزيارة وداع بروتوكولية للعاهل المغربي. لكنّ محمّد السادس، الذي يتابع التفاصيل بدقّة ليس بعدها دقّة، أبى إلّا أن يكرّم العصري، أو "أبو أحمد" كما يسميه أصدقاؤه والمقرّبون منه. جاء تكريمه، بتقليده الوسام الأرفع في المغرب، بمثابة تكريم لدولة الإمارات التي عرفت باكرا أهمّية المغرب من جهة وأهمّية العلاقات الوثيقة بين البلدين من جهة أخرى.
 
صُنعُ الفارق
 
ويواصل الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله: أدرك العصري الظاهري باكرا ماذا تعني مهمّته في المغرب. وفّر له وجوده في المملكة المغربية مناسبة ليعبّر بالملموس عن فهمه لطبيعة العلاقات بين البلدين ولأهميّة المغرب نفسه وللدور الذي تستطيع الإمارات لعبه في مجال المساهمة في نجاح التجربة المغربية الفريدة من نوعها في عالمنا العربي.
 
يعود نجاح العصري الظاهري إلى التراكم في الخبرة لدى دبلوماسي عرف كيف يعلي شأن الموقع الذي هو فيه. صحيح أن هناك دبلوماسيين يشغلون مواقع في بلدان وعواصم ومدن مهمّة، لكنّ الصحيح أيضا أن هؤلاء لا يستفيدون من التجارب التي مرّوا بها، بالمقدار الكافي. هؤلاء يعتمدون على المنصب كي يعلو شأنهم، في حين أن آخرين مثل العصري يرفعون من شأن المنصب الذي هم فيه.
 
استطاع العصري الظاهري، الذي مر بجنيف كدبلوماسي مبتدئ ثم كرئيس للبعثة الدبلوماسية الإماراتية لدى مقرّ الأمم المتحدة في هذه المدينة السويسرية، أن يصنع فارقا. في النهاية لا شيء ينجح مثل النجاح. صنع فارقا أينما حلّ، أكان ذلك سفيرا في المنامة أو واشنطن أو الرياض.. وصولا إلى الرباط.
 
إيمان بمدرسة الشيخ زايد
 
لماذا نجح العصري الظاهري ولماذا استحقّ كلّ هذا التكريم المغربي؟ يكمن سرّ العصري الظاهري في أنّه عاشق لبلده ومؤمن بمدرسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وهي مدرسة، ذات طابع إنساني، قائمة على بناء جسور التعاون وبناء المصالح المشتركة. مدرسة تجمع بين الفكر السياسي العميق والتعبير عنه بأفكار بسيطة مرتبطة بالمنطق يستطيع المواطن العادي استيعابها...
 
ليس سرّا أنّ تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة كانت التعبير الأوّل عن رؤية الشيخ زايد التي ورثها عنه أبناؤه. فالإنجاز الاوّل الذي حقّقه الشيخ زايد كان إنجازا داخليا بتوحيده بين الإمارات السبع وتحويلها إلى دولة عصرية ذات تجربة متقدّمة في كلّ المجالات من دون أيّ عقدة من أيّ نوع كان. بنى مصالح مشتركة بين أبناء شعب واحد انصهر في دولة الإمارات أوّلا. انتقل بعد ذلك إلى محاولة تعميم هذه التجربة في كلّ العالم العربي.
 
كانت العلاقات الإماراتيةـ المغربية متطورة أصلا، خصوصا أنها بنيت على أسس سليمة بعيدا عن الشعارات والمزايدات. بناها رجلان واقعيان هما الشيخ زايد والملك الحسن الثاني، رحمهما الله. استمرّت هذه العلاقات في التطوّر في كلّ الاتجاهات في عهد محمد السادس وصولا إلى ما وصلت إليه بفضل بُعد النظر الذي يتمتع به محمّد السادس وأبناء الشيخ زايد، على رأسهم رئيس الدولة الشيخ خليفة، ووليّ العهد في أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد.
 
قريب من القيادة الإماراتية
 
جاء اختيار العصري الظاهري ليكون سفيرا في الرباط بمثابة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في المرحلة المناسبة وذلك في إطار يتجاوز العلاقة بين بلدين عربيين يستطيع كلّ منهما أن يلعب دورا مكملا للآخر...
 
ومن ميزات العصري الظاهري قربه من القيادة الإماراتية وتواضعه وقدرته على استيعاب الأمور المعقّدة. ساعده ذلك في تسهيل مهمّته، خصوصا أن عامل الثقة الآتية من القيادة الإماراتية في غاية الأهمّية لنجاح السفير، أيّ سفير. فكيف إذا كان عامل الثقة هذا مبنيا على التجربة العميقة التي تولدت من محطات جنيف وواشنطن والرياض والمنامة؟ لكل مدينة من المدن الأربع ما توفّره للسفير الذي يخدم فيها. لكلّ مدينة من المدن الأربع نكهة خاصة بها وعالمها.
 
تساعد جنيف في فهم كيف تعمل الأمم المتحدة عبر مقرّها الأوروبي وفي سبر أغوار كواليسها. وتساعد واشنطن في فهم كيف يُتّخذ القرار في عاصمة القوّة العظمى الوحيدة في العالم. وتساعد الرياض في معرفة الكثير، بما في ذلك مراقبة التجاذبات مع إيران، فضلا بالطبع عن الصعود والهبوط في العلاقات الأميركيةـالسعودية. وتساعد تجربة المنامة في استيعاب مدى خطورة المشروع التوسّعي الإيراني القائم على إثارة الغرائز المذهبية في المجتمعات الخليجية والعربية، يقول خيرالله...
 
نجاح إماراتي مغربي
 
العصري الظاهري يعود إلى الرباط، حاملا كلّ هذا التراكم في الخبرات والتجارب، أميركيا وأوروبيا وخليجيا وعربيا ومغربيا، ليبني نجاحا إضافيا جميلا، إذ لم يكن نجاحه، يوما وفي أي مكان، وليد الصدفة، واليوم، فإن تجديد ومضاعفة نجاحه في مهمّته المغربية الجديدة لن يكونا صدفة، لأنه سفير مؤهّل للنجاح، بشخصيته وتكوينه وخبراته المتراكمة، إنه أكثر سفير مؤهّل لتجسيد قيم العلاقات الثنائية الاستثنائية، كما عبّر عنها المغرب يوم أمس الاثنين، وفي الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك محمد السادس مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالدولة، وكما عبّرت عنها الإمارات في مختلف المناسبات، وهي أن أمن الإمارات وأمن المغرب واحد...

عودة السفير العصري سعيد الظاهري إلى مدينة الرباط، هي بمثابة عودة إلى بلده الثاني، حيث يتوقّع المراقبون أن يعطي للعلاقات الثنائية دفعا قويا إلى الأمام، وتمتينا وتطويرا للشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والمغرب، في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية...