الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

ولي العهد يبلغ سن الرشد.. 18 سنة في حياة مولاي الحسن ومن الإعداد لـ"مهنة ملك"


 
"الغد 24"
 
تحل، اليوم السبت 8 ماي 2021، الذكرى الثامنة عشرة لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وهي مناسبة لها طابع خاص واستثنائي هذه السنة، لأنها تسجل بلوغ ولي العهد سن الرشد الدستوري، الذي يخوّل له الحكم بدون مجلس الوصاية.
 
وينص الفصل 44 من الدستور على أن الملك "غير بالغ سن الرشد قبل نهاية السنة الثامنة عشرة من عمره، وإلى أن يبلغ سن الرشد، يمارس مجلس الوصاية اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية، باستثناء ما يتعلق منها بمراجعة الدستور. ويعمل مجلس الوصاية باعتباره هيئة استشارية بجانب الملك حتى يدرك تمام السنة العشرين من عمره".
 
ووفق الفصل ذاته "يرأس مجلس الوصاية رئيس المحكمة الدستورية، ويتكون بالإضافة إلى رئيسه، من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، ورئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وعشر شخصيات يعينهم الملك بمحض اختياره".
 
الدخول المدرسي الأول
 
مازال المغاربة يتذكرون جيدا شهر أكتوبر 2008، الذي كان حافلا بالمواقف والأحداث الوطنية، بيد أن أبرز حدث شد اهتمام المغاربة هو الدخول المدرسي الأول لولي العهد الأمير مولاي الحسن، يوم الخميس 9 أكتوبر 2008. كان حدثا استثنائيا، بكل المقاييس، في حياة الأسرة الملكية، ومعها عموم المغاربة.
 
تابع المغاربة، عبر النقل التلفزي، بكثير من الانجذاب والتشويق والحب، الأمير مولاي الحسن، وهو يتحرك، أنيقا جميلا، بخطوات واثقة، نحو المدرسة الأميرية بالقصر الملكي بالرباط...
 
تربية ملك المستقبل
 
كانت لحظات قوية في روعتها وجاذبيتها، تابعها المشاهدون المغاربة لحظة بلحظة، تابعوا الملك في جولته التفقدية لمرافق المدرسة الأميرية، التي تتكون من كتاب لحفظ القرآن، وعدة فصول دراسية، ثم وهو يسلم محفظات ولوازم مدرسية لمولاي الحسن، ولرفاقه الخمسة في الفصل. وما كان واردا أن يترك محمد السادس الفرصة تمر دون أن يعيش هذا الحدث، ويكون في قلب قوته واستثنائيته. ولعل محمد السادس، وهو يحضر حصة لتلقين القرآن، ويتابع الدرس الأول لولي العهد ولرفاقه في الفصل، في حصة العربية، وكذا حصة الفرنسية، قد يكون استحضر، دفعة واحدة، شريطا حافلا من الأحداث، والذكريات، عندما كان وليا للعهد، فآثار سيدي محمد حاضرة في كل مكان وزاوية من هذه المدرسة، التي قضى بها فترة زاهية من حياته الدراسية والشخصية. وما يفعله محمد السادس اليوم مع مولاي الحسن، عاش مثيلا له مع والده الحسن الثاني، إذ كما هو معروف، دأبت الأسرة العلوية، على مدى تاريخ المغرب، على إعداد ولي العهد، منذ ولادته، لتولي مسؤولية الملك. فالحسن الثاني حرص، شخصيا، على تربية ولي عهده، وعلى تعليمه الديني والسياسي، ومعروف أيضا، بشهادة محمد السادس، أن تربيته كانت حازمة، منذ أن التحق بالمدرسة القرآنية، وعمره آنذاك لا يتجاوز أربع سنوات.

وصف الملك محمد السادس أسلوب تربية ولي العهد بأنها "تميل إلى الصرامة، مع برنامج دراسي حافل". وقال "تلقينا تربية دينية جيدة في الكتاب القرآني بالقصر، وأنا حريص على أن يتلقى ابني نفس القواعد التربوية"، وتابع الجالس على العرش متحدثا عن ولي العهد "إنني لا أرغب في أن تكون شخصيته مطابقة لشخصيتي، ولكن أن تكون له شخصيته الخاصة، وقد كان والدي يحب القول عند الحديث عني (له شخصيته ولي شخصيتي. والأسلوب هو الرجل)".
 
رمزية اسم الحسن
 
حين ولد ولي العهد يوم ثامن ماي 2003، أطلق عليه والده الملك محمد السادس، اسم مولاي الحسن، تيمنا باسم جده الراحل الملك الحسن الثاني.

وحرص القصر الملكي على أن يشرك أبناء الشعب المغربي في كل المناسبات، التي تتعلق بولي العهد، مثل حفل العقيقة (السبوع)، الذي جرى بالرباط، وحفل الختان، الذي جرى في مدينة فاس. وشكلت الاحتفالات، التي اشتركت فيها الأسرة الملكية ومختلف مكونات المجتمع، صورة متجددة للتلاحم الوثيق بين العرش والشعب، خصوصا أن هذا الحدث يرتبط لدى المغاربة برمزية قوية، تتعلق بعنوان السيادة الوطنية، التي يمثلها العرش العلوي، الذي ينتقل بالوراثة، وفق مقتضيات دستورية، إلى الولد الذكر، الأكبر سنا، من ذرية الملك.
ولاسم "الحسن" رمزية تاريخية كبرى لدى الأسرة العلوية، التي تعاقب عليها في قيادة الدولة المغربية ملكان حملا الاسم ذاته، الحسن الأول، ابن السلطان محمد الرابع، والحسن الثاني ابن الملك محمد الخامس.

عرف الحسن الأول بأن عرشه كان على صهوة جواده، لكثرة تنقلاته بين أرجاء البلاد، متفقدا أحوال وأوضاع العباد، ووصفه المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي بأنه كان "فلتة من فلتات التاريخ"، اعتبارا "لذكائه ورؤيته السياسية ودهائه الدبلوماسي"، فضلا عن جهاده القوي في مواجهة المطامع الاستعمارية الأجنبية.

وعرف الحسن الثاني بأنه "موحد البلاد"، و"صانع المسيرة الخضراء"، و"باني السدود"، لدوره الكبير في الكفاح الوطني ضد الاحتلال الأجنبي، الذي قاسى فيه المحن، وتعرض لحصار قوات سلطات الحماية، وتعرض للمنفى رفقة والده المحرر، الملك محمد الخامس، ولعب دورا كبيرا في بناء وتوطيد دعائم الدولة المغربية الحديثة، بمؤسساتها الدستورية، رغم ما طبعها من سنوات الغبار والرصاص، التي واجهها محمد السادس بكثير من الجرأة والشجاعة والحكمة، مواجهة كان عنوانها الأبرز هيئة الإنصاف والمصالحة، التي باتت تجربة لها تميزها في مسارات العدالة الانتقالية في العالم.

ويأتي إطلاق اسم مولاي الحسن على ولي عهد الملك محمد السادس تعبيرا عن قيم ومبادئ الوفاء لهذين الملكين، اللذين تركا بصمات قوية في مسيرة تطور المملكة، وتجسيدا لاستمرارية العرش واستقرار البلاد وتماسكها عبر التاريخ.
 
رجل دولة في سن الرشد
 
بين 8 ماي 2003، تاريخ الميلاد، و8 ماي 2021، تاريخ اليوم، مساحة زمنية في حياة ولي العهد حافلة بالتكوين المستمر والإعداد لـ"ملك الغد"، من خلال برامج دراسية مكثفة بالمعهد الملكي، إلى جانب زملائه في الفصل الدراسي، وغنية بالتنوع الذي يوسع الحواس الإدراكية، إلى أن حصل، في شهر يوليوز 2021، على شهادة البكالوريا، دورة 2020 "خيار دولي"، مسلك "علوم اقتصادية واجتماعية"، بميزة "حسن جدا"...، وهذا فضلا عن الدُربة الخاصة على أبجديات البروتوكول الملكي. وبالتالي، لم يعد المغاربة، منذ بضع سنوات، ينظرون إلى مولاي الحسن كطفل صغير يستأنس بالحكم كمتابع للأنشطة الملكية، التي يباشرها والده الملك محمد السادس، وإنما كوريث للعرش، فرض حضوره بامتياز في عدد من الأنشطة التي مثّل فيها، باستحقاق، الجالس على العرش، وبرز فيها بقوة الشخصية والحضور اللافت والرزانة والانضباط للبروتوكول. إذ يبدو وهو يتحرك، برغم من حداثة سنه، كرجل دولة، وأمير راشد يتدرب في الميدان على "مهنة ملك". ولعل ذلك هو ما يجعل مولاي الحسن لافتا للانتباه في أدنى تحركاته، ومستقطبا لاهتمام كبريات الصحف الوطنية والدولية، خصوصا بعد اليوم، الذي بلغ فيه ولي العهد سن الرشد.

ومن خلال حضوره اللافت في عدد من الأنشطة الأميرية، تمكن ولي العهد، أن ينحت لنفسه صورة أثيرية في أذهان المغاربة، يبرز فيها، بابتسامته الرقيقة ونظراته الثاقبة كأمير جذاب، مستوعب لما يجري حوله، بكثير من الذكاء، وبكل الصفات التي تجل الناظر إليه يحس، من الوهلة الأولى، أنه أمام رجل دولة متمرس، وهي مميزات خاصة، تبرز حرص محمد السادس على تكوين مولاي الحسن، إذ وفر له كل الظروف حتى يصنعَ وليُّ العهد شخصيتَه، وأن يوجّهه كأب أولا، ثم كملك، بما يخدم هذه الشخصية التي تبرز حاليا في كامل النضج، في عدد من الأنشطة التي يحضرها كمؤسسة ولي العهد...