البلطجية الإعلامية لقناة الشروق.. لعبة جنرالات الجزائر والسحر الذي انقلب على الساحر
الكاتب :
حسن عين الحياة
حسن عين الحياة
تزامنا مع عودة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى بلاده، يوم أمس الجمعة 12 فبراير 2021، قادما من أحد مستشفيات ألمانيا، بعد غياب طويل لم يستسغه الشعب الجزائري، الذي يعاني منذ سنوات من "أزمة رئيس"، ومن أزمة حكم، ومن أزمة عيش، ومن أزمات قهر وقمع من قبل استخبارات العسكر ممثلة في ما أضحى الجزائريون يسمونه سخرية "مخابرات عبلة"، لجأت الآلة الدعائية لعصابات الجنرالات إلى أسلوب فج ومنحط، في التهجم على المؤسسات المغربية، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، وذلك في محاولة لتأمين تغطية لهذه العودة لتبون، بعدما ارتفعت أصوات أحرار الجزائر تشكّك في الدواعي الأساسية لغيابه، وفي وضعه الصحي، وتعتبره دمية رهينة تتحرك بقفازات الجنرالات.
لقد دأبت المؤسسة العسكرية، انطلاقا من عقيدتها الراسخة المرتكزة على العداء للجار الغربي، بحكم "عُقدتها" من الإحساس بتفوق المملكة على مختلف الواجهات والمستويات، أن تخلق أزمة وتوترا مع المغرب في محاولة يائسة لصرف نظر الشعب الجزائري عن "أزمة الحكم" وإشغاله بل وإغراقه في نزاع مصطنع مع شقيقه الشعب المغربي، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة، التي باتت فيها حياة نظام العسكر معدودة على رؤوس الأيام، إذ إن الشعب الجزائري الشقيق قرر بكل عزم، استئناف الحراك الشعبي، بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاقه، يوم 22 فبراير 2021، رافعين شعار "دولة مدنية ماشي عسكرية"، من أجل إسقاط نظام الجنرالات ووضع حد لإجرامه في حق الشعب، وفي حق نشطائه، الذين يذوقون الأمرين من "مخابرات عبلة"، التي تمارس عليهم أبشع أشكال التعذيب الوحشي، الذي وصل إلى حد ممارسة الاغتصاب الجنسي للحراكيين!
لكن مهما عمل نظام الجنرالات من افتعال للأزمات للتغطية على مشاكله الداخلية، فإن الشعب الجزائري الشقيق بات على بيّنة من هذه اللعبة المفضوحة، وضاق درعا بما يعانيه من أوضاع مجتمعية مزرية، باتت على وشك الانهيار، بفعل توقعات بإفلاس اقتصادي وشيك في هذا البلد النفطي، الذي تمضي عائداته إلى جيوب الجنرالات، وجزء منها يقتسمونها مع تجار الحرب في قيادة البوليساريو، في حين يعاني الشعب الجزائري من القهر والفقر والتهميش والإقصاء، في ظل تزايد معدلات البطالة، وتقهقر مستوى المعيشة والقدرة الشرائية لأوسع فئات الشعب الجزائري، بتزامن مع تسجيل هبوط جنوني للدينار الجزائري...
وبالتالي، وفي محاولة يائسة لتطويق الانفجار الشعبي المرتقب، في إطار ثورة حضارية سلمية، عمد جنرالات الجزائر إلى تحريك قناة الشروق الجزائرية، آلتها الدعائية رقم 1، التي كفّت عن تمثّل رسالتها الإعلامية النبيلة، لتتحوّل إلى بوق للعسكر، يسخّرها ضد الشعب الجزائري، للنيل وشتم والتشهير بمناضليه وأحراره، واليوم يحرّكها ضد المؤسسات الدستورية المغربية، في محاولة لاستثارة ردود فعل المغاربة على هذا الاستفزاز القذر، لتحريف الشعب الجزائري عن معركته الحقيقية، التي حدد هدفها في 22 فبراير المقبل، وجرّه إلى تطاحنات دونكيشوطية مع شقيقه المغربي، ومن أجل تحقيق الهدف بجر المغاربة إلى ردود الفعل، اختار جنرالات الجزائر الهدف بدقة، ليكون الاستفزاز في قمة الوقاحة والانحطاط، وهو الملك محمد السادس، الذي يمثل للمغاربة رمزا للوحدة، ويحظى بإجماع وطني، فضلا عن رمزيته التاريخية، التي تجر خلفها ماضي وتاريخ وتراث وحضارة أعرق الملكيات في العالم...
إن النقطة التي أفاضت كأس جنرالات البيترودولار، بحسب الذين يفهمون عقيدة نظام العسكر، الذي انقلب على الثورة الجزائرية واستأثر بالحكم ونهب خيرات وترواث البلاد، هي الانتصارات المتوالية للمغاربة، ملكا وشعبا، في معركتهم لكسب رهان قضيتهم الأولى، الصحراء المغربية، وكيف تمكن الملك محمد السادس، بحنكته، ورمزيته في القارة الإفريقية، كملك وقائد مصلح، أن يسحب البساط من تحت أقدام الجزائر، وهندسة تكتلات إقليمية جديدة، مؤثرة في القرار الإفريقي، عبر شراكات مثمرة، تعتمد على ثنائية "رابح رابح".
ولعل هذا التوجه نحو العمق الإفريقي الذي دشنه الملك محمد السادس، منذ حوالي 10 سنوات، وجعله في صلب الدبلوماسية المغربية، هو ما دفع بعدد كبير من الدول الإفريقية إلى التخلص من عبء الاعتراف بكيان وهمي (البوليساريو)، بل ومطالبتها المملكة بالعودة إلى كرسيها الشاغر في الاتحاد الإفريقي، الذي ظل منذ سنوات مُسيَّرا بـ"ماكينات" جزائرية، حتى يلعب المغرب دوره الريادي في القارة من داخل هذه المنظمة القارية... وكان من نتائج العودة المغربية، تضييق المملكة الخناق على الجزائر، وكشف مؤامراتها، وسحب العديد من دول الاتحاد الإفريقي اعترافها بالبوليساريو، قبل أن يُفعّل الملك محمد السادس دبلوماسية فتح القنصليات بالصحراء المغربية، وهي الضربة التي قصمت ظهر جنرالات الجزائر، قبل أن يأتي اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على كامل ترابه الصحراوي، ليقتل أطماع الجزائر وصنيعتها في مخيمات تندوف.. وهنا ارتفعت حدة السعار الذي أصاب المؤسسة العسكرية، بالقدر الذي جعلها تنزل بإعلامها، إلى مستوى سحيق من القذارة، للتهجم على ملك يحظى باحترام العالم، وبالإجماع الدولي كرئيس ريادي في القارة الإفريقية، ورائد في ترسيخ قيم التسامح والتعايش.
إن التهجم على شخص الملك، بذلك الأسلوب الأرعن، لا علاقة له بحرية الرأي ولا بحرية التعبير ولا بحرية الصحافة، في بلد يعاني من جوع مزمن لهذه الحريات بفعل القمع الوحشي الذي يمارسه الجنرالات، وإنما هو أسلوب نابع من بلطجة إعلامية-عسكرية، تحاول أن تذكي نادر العداء بين شعبين، مغربي وجزائري، تجمع بينهما مساحات شاسعة وقوية من القواسم المشتركة.
لكن المفاجأة الكبرى لجنرالات الجزائر، بل قل الصدمة الأكبر أتتها من الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري، كالآتي:
الشعب المغربي: بادر إلى الرد بكثير من التحضر، في الأساليب التي اختارها، من قبيل وضع صورة الملك على بروفايلات مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن التدوينات والمقالات، التي أجمعت، من جهة على حب ملكها، ومن جهة ثانية على التنديد بسلوك النظام الجزائري، الذي أظهر بالملموس أنه عبارة عن نظام عصابات من الجنرالات، ومن جهة ثالثة، على تفادي أي شنآن من الشعب الجزائري الشقيق، بل هناك إجماع على أنه مهما عمل الجنرالات سيبقى المغاربة والجزائريون "خاوة خاوة"...
الشعب الجزائري: ندد بما فعله "إعلام عبلة" بتوجيه من عصابات الجنرالات من مس منحط وصفوه بـ"الزنقوي" وبسلوك الأوباش والصعاليك ضد رئيس دولة جارة، وأجمعوا على أن هذه "الحركة البهلوانية" تستهدف جرهم إلى معارك هامشية ومفتعلة، وجددوا العهد في ما بينهم على أنهم لن ينجرّوا إلى مستنقع العسكر، وأن الهدف سيبقى هو التحرر من هذا المستنقع، عبر التحرر من حكم العسكر ومحاكمة عصابات الجنرالات على الجرائم التي ارتكبوها ضد الجزائر وضد الجزائريين...
وفي الحالين معا، تبقى الخلاصة الوحيدة والأساسية لما فعله عسكر الجزائر، هي أن السيف ارتد إلى الخلف، وأن السحر انقلب على الساحر...