الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

وداعا المايسترو.. كورونا يخطف نور الدين الصايل مؤسس الأندية السينمائية وعرّاب السينما المغربية

 
ضربة أخرى مؤلمة توجهها كورونا للساحة الثقافية والفنية المغربية، بوفاة الكاتب والناقد السينمائي والمدير السابق للقناة الثانية وللمركز السينمائي المغربي، نور الدين الصايل، ليلة الثلاثاء الأربعاء، عن سن تناهز 73 عاما، متأثرا بمضاعفات إصابته بكوفيد 19...
والراحل من مواليد سنة 1948 بمدينة طنجة، تابع بها دراسته الثانوية بثانوية ابن الخطيب، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، بكلية الآداب بالرباط، حيث اشتغل في بداية مشواره أستاذا لمادة الفلسفة بثانوية مولاي يوسف بالرباط، قبل أن يتم تعيينه مفتشا عاما لمادة الفلسفة سنة 1975.
وشكل الراحل، الذي جمع بين كتابة السيناريو والرواية والإنتاج، قيمة مضافة للساحة الثقافية المغربية وأحد أسمائها اللامعين. وقد أسس الراحل، إلى جانب فاعلين من جيل اليسار السبعيني، في عام 1973، الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، التي لعبت دورا رائدا في نشر الثقافة السينمائية في المغرب، وفي فتح أعين الشباب المغربي على تجارب سينمائية رائدة ومغايرة للسينما السائدة، وفي تعريف المشاهدين على مختلف أنواع المدارس السينمائية، كما شكلت مجالا لاحتكاك شباب اليسار السبعيني، الذي كان محاصرا بالعمل السياسي السري، بالشباب وعموم فئات المغاربة من مرتادي الأندية السينمائية...
واستمر مؤسس الجامعة الوطنية لنوادي السينما بالمغرب في رئاستها من سنة 1973 إلى حدود سنة 1983.
والراحل نور الدين الصايل، روائي وسيناريست ومنتج سينمائي، تولى إدارة برامج التلفزة المغربية (1984 - 1986)، وقناة الأفق بليس الفرنسية (1990 - 2000)، وتولى، أيضا، إدارة القناة الثانية المغربية (2000 - 2003)، ثم إدارة المركز السينمائي المغربي (2014-2003)، وقد طبع هاتين المؤسستين بمهنيته الاحترافية وآفاقه الفكرية...
كما كان الراحل، كذلك، مؤسس ورئيس مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية، الذي أضحى موعدا قاريا أساسيا بالنسبة لمهنيي السينما من إفريقيا.
وكان الصايل، كما سبق أن أخبر بذلك موقع "الغد 24"، نُقل إلى مستشفى الشيخ خليفة في الدارالبيضاء في حالة حرجة، عقب تأكيد إصابته بفيروس كورونا المستجد، استنادا إلى تدوينة زوجته الإعلامية نادية لارگيت في صفحتها على الفايسبوك...
ونعى مقربون من الراحل، في تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفاة نور الدين الصايل، وفي مقدمتهم زوجته الإعلامية نادية لارگيت، التي كتبت تنعي زوجها نور الدين الصايل، بعنوان "وداعا المايسترو":
 
 
نادية لارگيت: وداعا المايسترو
 
Ce grand cinéphile, amoureux de l'Afrique comme personne a tiré sa révérence. Nour-Eddine Saïl c'était la simplicité, le courage et l'intégrité. Cet homme en avance sur son temps était exceptionnellement brillant. Travailleur infatigable il marquera son pays à jamais. Je pense avant tout à ses trois fils : Najib, Morad et Suleïman, à Leila sa première épouse, à Chakib....à sa famille proche. Je souhaite remercier ici les personnes fidèles qui régulièrement ont pris de ses nouvelles.  "Nour-Eddine tu m'avais demandé de te promettre trois choses...de veiller pour deux sur ton dernier petit soleil Suleïman....de rester forte en toutes circonstances....et de garder pour moi tes confidences. Sache que je serai toujours digne de la confiance que tu as placée en moi. Nous avons traversé ensemble tellement de choses, avec des hauts...des bas...notre histoire semblait impossible et pourtant...elle dura 20 ans ! Ton dernier message restera gravé à jamais. Repose en paix. Ta Nadoche
"هذا المريد العظيم للسينما، المتيّم في حب إفريقيا كما لم يحبها أحد. كان نور الدين الصايل نموذجا للبساطة والشجاعة والنزاهة. كان هذا الرجل، الذي سبق زمانه، متألقا بشكل استثنائي. مكد لا يعرف الكلل وضع بصمته المميزة على بلده إلى الأبد. أفكر قبل كل شيء في أبنائه الثلاثة، نجيب ومراد وسليمان، في ليلى زوجته الأولى، في شكيب... في عائلته المقربة...
أود هنا أن أشكر كل الأوفياء الذين ظلوا يسألون عنه بانتظام..
نور الدين، لقد طلبت مني أن أعدك بثلاثة أشياء... أن أضاعف العناية بآخر شموسك الصغيرة ابنك سليمان... أن أظل قوية رغم كل الظروف... وأن أحفظ لنفسي أسرارك... اعلم أنني سأكون دائما جديرة بالثقة التي وضعتها فيّ.
لقد مررنا معا بالكثير من الأشياء، أفراحا وأحزانا... قصتنا بدت شبه مستحيلة ومع ذلك... استمرت 20 عامًا! رسالتك الأخيرة ستبقى موشومة فيّ إلى الأبد.. ارقد بسلام... التوقيع: ندوشتك".

عبد الكريم واكريم: رحيل عراب السينما المغربية
 
الناقد المغربي عبد الكريم واكريم كتب في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك ناعيا الراحل نور الدين الصايل بتدوينة مطولة:
"لايمكن الحديث عن تاريخ السينما المغربية دون ذكر نور الدين الصايل، الذي ترك بصماته في كل مراحلها، فابتداء من بداية السبعينيات حيث ترأس وكان من مؤسسي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، التي سيظل رئيسا لها لمدة عشر سنوات، ثم بعد ذلك بإعداده وتقديمه لبرامج إذاعية ثم تلفزية حول السينما، وصولا لترؤسه للمركز السينمائي المغربي طيلة إحدى عشرة سنة، فترة كانت من بين أهم الفترات التي عاشتها السينما المغربية والتي عرفت فيها ازدهارا مهما لا مِن ناحية الكم الذي فاق العشرين فيلما سنويا بعد أن كان لا يتعدى بضعة أفلام قبل مجيئه للمركز، ولا من ناحية الجودة، إذ عرفت هذه الفترة إنتاج أفلام مغربية جد مهمة ستظل محفورة في الذاكرة السينفيلية إلى الأبد...
أفلام جالت مهرجانات عالمية وحصلت فيها على جوائزَ مهمة، بل منها من زاوج بين النجاح النقدي واستطاع أيضا تصدر مداخيل شباك التذاكر.
نور الدين الصايل ابن مدينة طنجة التي نشأ وتربى فيها سنوات الخمسينيات والستينيات، تلك السنوات التي كانت مليئة بالفن وبالحياة وبالسينما التي سيعشقها نور الدين مبكرا ويهيم بين قاعاتها في المدينة العتيقة، ففي صالات الكسار وكابيطول شاهد أفلامه العالمية الأولى المدبلجة بالإسبانية، وفي "فوكس" انفتح على السينما المصرية بنجومها، لكن الذي لا يعلمه الكثيرون أن نور الدين الصايل كان أيضا لاعبا لكرة القدم قارب الاحتراف، ولعب لمدة مع الفريق الأول بالمدينة آنذاك، وظل يلعب له حتى فترة انتقاله إلى الرباط حيث درس الفلسفة بالجامعة...
نورالدين الصايل ليس رجل السينما في المغرب فقط، كما يحلو للمهتمين أن يلقبونه لكنه أيضا رجل إعلام وتواصل، إذ بصم بميسمه القنوات التلفزية التي أشرف على تسييرها أو قام فيها بمهام، فلا أحد يمكن أن يجادل في أن أهم فترات القناة التلفزية المغربية الوحيدة آنذاك قد عرفت بداية الثمانينيات انفجارا إبداعيا لما تقلد الصايل مقاليد تسيير برمجتها، بحيث استدعى طاقات ومخرجين وكتابا وفنانين شباب ومكنهم من إنجاز برامج تلفزية ظهر فيها فارق الإبداع والتَّميُّز وبدا فيها واضحا شغف وحب هؤلاء لما يفعلونه رغم أن هذه اللحظة الجميلة والمشرقة لم تمتد كثيرا في المشهد التلفزي المغربي.
وبعد ذلك ومع انطلاق القناة التلفزية الثانية "دوزيم" أواخر الثمانينيات من القرن الماضي سيلتحق بها نور الدين الصايل كمستشار لينتقل بعد ذلك مباشرة للإشراف على إدارة برامج القناة الفرنسية "كنال بلوس أوريزون"، التي سيظل بها حتى يستدعيه الملك للإشراف على إدارة قناة "دوزيم".
كل هذه الفترات وما بينها كانت جد أساسية في حياة نور الدين الصايل وفي مسار هاته المحطات أيضا، لأنه كان ومازال كائنا شغوفا لايعرف إلا أن يقوم بالشيء حتى نهايته وأن يدع ويضع بصمته في العمل الموكول إليه. نعم تقلد الصايل مناصبه كموظف لكنه لم يكن أبدا ذلك الموظف الذي يؤدي فقط عملا موكولا إليه وينتهي الأمر عند هذا الحد، لكنه كان يجعل من المهام الموكولة إليه شغفا وحبا وعملا إبداعيا يحاول أن يصل به نحو الكمال ماستطاع إلى ذلك سبيلا.
نور الدين الصايل، الذي يشغل منصب رئيس مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية، واحد من رجالات الفكر والفلسفة والفن في المغرب، والذي سيظل اسمه محفورا بحروف من ذهب في تاريخ الفن والسينما والإبداع بالمغرب. وهاهو الآن ورغم خروجه من المركز السينمائي المغربي مازال نشطا كنحلة وعاملا كنملة من محاضرة لأخرى، ومن درس سينمائي لآخر، ومن ترؤس لجنة تحكيم مهرجان مهم إلى آخر، لا يهدأ ولا يَكلّ بطاقة شاب في العشرين، وفكر رجل فلسفة خَبِرَ الزمن وعرف مقدار الناس وصارع أعتَى العواصف وخرج منها واقفا منتصبا كسنديانة جذورها في أرض الوطن ورأسها في أعلى سماء العالمية.
رحم الله نور الدين الصايل عراب السينما المغربية".