الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

سعيد الصديقي يبرز قوته وكيف أفشل مخططات البوليساريو والجزائر.. أسرار أطول جدار عسكري في العالم

 
حاوره: حسن عين الحياة
 
 
أكد سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن بناء الحزام الأمني يعكس تطورا واضحا في العقيدة العسكرية المغربية مع بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، موضحا في حوار مع "الغد 24" أن حيث القوات المسلحة المغربية توجهت إلى تأمين الأقاليم الصحراوية انطلاقا من استراتيجية دفاعية شاملة ممهدة بذلك لمرحلة وقف إطلاق النار والبدء في المسلسل السلمي لحل النزاع.
 
ويشكل إنشاء هذا الجدار بالنسبة للصديقي، الذي له دراسة خاصة حول الجدار الأمني، نقطة تحول كبيرة في مسار قضية الصحراء، حيث ستضطر البوليساريو إلى القبول بالحل السلمي بعد عجزها عن مجاراة الإستراتيجية العسكرية المغربية الجديدة. تفاصيل كثيرة حول أطول جدار عسكري في العالم، تجدونها في هذا الحوار الممتع...
 
باعتبارك أستاذا للعلاقات الدولية، ومحللا متخصصا في قضايا الصحراء، ماذا يشكل "استراتيجيا" الجدار الأمني في الصحراء بالنسبة لكم؟
 
يعتبر جدار الصحراء، الذي يعرف أيضا بأسماء أخرى مثل الجدار الرملي والساتر الترابي والحزام الأمني والجدار الدفاعي، من الجدر التي ينبغي دراستها كحالة خاصة نظرا لخصوصية قضية الصحراء وأيضا للمميزات الكثيرة التي تجعل هذا الجدار يختلف كليا عن باقي الحالات عبر العالم.
 
وفي الوقت الذي أبانت العديد من الحواجز الأمنية سواء أكانت أسوارا أو سياجات التي بنيت خلال العصر الحديث عن عدم جدواها وفعاليتها، بسبب قدرة من بُنيت ضدهم لاختراقها، فإن جدار الصحراء يمثل أحد الاستثناءات القليلة في هذا الجانب، لأنه استطاع أن يحقق كل أهدافه، بل وأصبح يؤدي وظائف أمنية جديدة ذات أهمية كبيرة لم تكن في الحسبان عند الشروع في بنائه أول مرة. وأول هذه المميزات أن جدار الصحراء لا يشكل في حد ذاته حدودا دولية بين المغرب وكل من موريتانيا والجزائر، بل هو مجرد جدار رملي دفاعي بني على الأراضي المغربية لمنع هجمات البوليساريو وحماية سكان الصحراء منها، لذلك نجد أن الأمم المتحدة تميز بشكل واضح بين الحدود الدولية وجدار الصحراء.
 
كيف جاءت فكرة بنائه وما هي كلفته؟
 
يعكس بناء الحزام الأمني تطورا واضحا في العقيدة العسكرية المغربية مع بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، حيث توجهت القوات المسلحة المغربية إلى تأمين الأقاليم الصحراوية انطلاقا من استراتيجية دفاعية شاملة ممهدة بذلك لمرحلة وقف إطلاق النار والبدء في المسلسل السلمي لحل النزاع. ويشكل إنشاء هذا الجدار نقطة تحول كبيرة في مسار قضية الصحراء، حيث ستضطر البوليساريو إلى القبول بالحل السلمي بعد عجزها عن مجاراة الاستراتيجية العسكرية المغربية الجديدة. لقد استطاع الجدار أن يضيّق هامش المناورة عند جبهة البوليساريو ويفرض عليها التكيف مع الوضع الجديد الذي أوجده الجدار الرملي، وهذا ما يفسر الانخفاض الكبير لعدد هجمات عناصر البوليساريو بمجرد الانتهاء من عملية بناء الجدار، لتتوقف بعد ذلك الأعمال العسكرية من الجانبين.
 
أما في ما يتعلق بكلفته، فلا شك أنها مرتفعة رغم عدم وجود معطيات حول هذه المسألة، وما يزيد من كلفة الجدار التحديث المستمر لتحصيناته، لكن في جميع الأحوال لا يمكن مقارنة كلفته المالية بالنتائج العسكرية والسياسية والإنسانية المتحققة والتي أوقف الحرب وجنّبت المنطقة مزيدا من الخسائر في الأرواح التي لا تقدر بثمن. لذلك يمكن القول أيضا إن الجدار ساهم في عملية بناء السلم في المنطقة.
 
 بعض الاستراتيجيين وصفوه بـ"المعجزة" بالنظر إلى طوله وصعوبة بنائه في الصحراء، هل تتفق مع هذا الوصف؟
 
الجدار الرملي في الصحراء المغربية يعتبر أطول جدار عسكري في العالم، ولا يكتسب أهميته من طوله وطريقة بنائه فحسب، بل أهم من ذلك من فعاليته العسكرية والأمنية، لاسيما وأن هذا الجدار بُني أساسا من رمال الصحراء ويمكن أن يتلاشى مع الزمن بعد حل قضية الصحراء نهائيا، ولن يشكل أي تشويه لبيئة المنطقة. إضافة إلى هذا، فالجدار بني في منطقة غير مأهولة بالسكان ولم يسبب أي فصل اجتماعي للقبائل أو الأسر، فهو ليس جدارا حدوديا، بل جدارا عسكريا دفاعيا مؤقتا. لذلك وبالنظر إلى مميزاته مقارنة مع باقي التجارب في العالم، ومع استحضار ما حققه من نتائج، يمكن القول إن إنشاء هذا الجدار الذي شكل نقطة تحول في تاريخ قضية الصحراء إنجاز عسكري فريد من نوعه.
 
 ما هي وظيفته الأساسية؟ وكيف قلب موازين القوى في الصحراء؟
 
 الهدف الأساسي من بناء الجدار هو هدف عسكري دفاعي بالدرجة الأولى، وقد استطاع المغرب أن يفرض استراتيجيته في الميدان وعجّل بوقف إطلاق النار بعد ما بدا لجبهة البولساريو أن استمرار الحرب مكلف جدا لها وأن كل عملياتها العسكرية بعد بناء الجدار هي مجرد انتحار جماعي لأفرادها. ونظرا لكون الوظيفة العسكرية لهذا الجدار الرملي هي دفاعية أساسا، فإنه لم يُبنَ على الحدود مع موريتانيا أو الجزائر، بل ترك جزءا من إقليم الصحراء خارج الجدار في الجنوب والشرق حتى لا يضطر المغرب للتوغل في إقليم هاتين الدولتين الجارتين عند مطاردة عناصر البوليساريو، كما تسمح له هذه الاستراتيجية بمراقبة نشاط البوليساريو عند أي محاولة للتسلل إلى الصحراء.
 
وقد اعتُرِف بهذه الصفة الدفاعية للجدار في أحد تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، الصادرة في 20 أكتوبر 1998، وزيادة على هذا، فليس هناك أي تقرير من التقارير الدورية للأمين العام، وليست هناك أيضا أي توصية من التوصيات الدورية لمجلس الأمن بشأن قضية الصحراء تدين إنشاء الجدار أو تصفه بغير القانوني، بل على العكس من ذلك، اعتُمِد الجدار من قبل الأمم المتحدة كمَعْلَم لتحديد التزامات طرفي النزاع وتوضيح الإطار العملياتي لجهود حفظ السلام التي تقوم بها بعثة المينورسو.
 
 يضم الجدار، على امتداد طوله 2720 كلم، وحدات مراقبة للجيش، رادارات، حقول ألغام... البعض يتحدث عن وظائف أخرى للجدار غير عسكرية، كمحاربة الهجرة غير النظامية والتهريب.. كيف يلعب كل هذه الأدوار في نظرك؟
 
مع أن الجدار بني في البداية لأهداف عسكرية محضة ضد جبهة البوليساريو، فقد أصبحت له بعد ذلك وظائف أمنية وسياسية أخرى. فقد أصبح الجدار حاجزا ضد موجات الهجرة غير النظامية القادمة من دول جنوب الصحراء، حيث يلاحظ أن المهاجرين الأفارقة الذين يدخلون التراب المغربي بقصد الهجرة إلى أوربا يفضلون مسارات صعبة وطويلة عبر النيجر ثم الجزائر لولوج المغرب عبر حدوده الشرقية، ويتعلق الأمر حتى بأولئك المهاجرين الذين يرغبون في الوصول إلى جزر الكناري بدلا من المرور عبر الصحراء المغربية التي يشكل فيها الحزام الأمني حاجزا أمام هذا النوع من الهجرة. وأما الوظائف السياسية، فقد استطاع الجدار أن يفرض واقعا سياسيا ودبلوماسيا جديدا، وأصبح المغرب في موقع سياسي مريح خلال مرحلة وقف إطلاق النار من خلال ربحه لمعركة الميدان، بينما ظلت البوليساريو حبيسة مخيمات تندوف.
 
هل الحديث عن الجدار يدخل في باب أسرار الدولة؟ أم أن هناك انفتاحا من مؤسسة الجيش في ما يخص التداول في شؤونه؟
 
 رغم أن الكثير من المعلومات حول هذا الجدار متاحة للباحثين، إلا أن استمرار قضية الصحراء بدون حل حتى الآن، يجعل من الصعب الكشف عن بعض المعطيات المتعلقة بشكل خاص ببنية الجدار وتجهيزاته ونقاط المراقبة والرصد، لأن ذلك من شأنه أن يقلل من أهميته العسكرية والأمنية، لذلك يمكن أن يتفهم تكتم القوات المغربية عن المعلومات التقنية حول الجدار. أما في ما يخص موقع القانون الدولي فهو محدد في الاتفاق العسكري رقم 1 الذي وقعته بعثة "المينورسو" مع القوات المسلحة المغربية وجبهة البوليساريو كل واحدة على حدة في ديسمبر 1997 ويناير 1998، والذي يعتبر الآلية القانونية الأساسية لمراقبة وقف إطلاق النار من قبل الأمم المتحدة.
 
 لديك دراسة بعنوان "جدار الصحراء: وضعه وآفاقه"، تبناها مركز تابع لإحدى الجامعات الكندية، ماهي الخطوط العريضة لهذه الدراسة، وما هو بالفعل وضع الجدار وآفاقه؟
 
تناول هذا المقال، الذي يعتبر أول دراسة أكاديمية حول الجدار الرملي ينشر في مجلة متخصصة، الجدار باعتباره مدخلا لفهم قضية الصحراء ذاتها، لذلك فقد ألقى المقال في الفصل الأول نظرة عامة على أهم جوانب قضية الصحراء ذاتها من خلال استعراض الروابط التاريخية بين جهة الصحراء والمغرب وجهود الأمم المتحدة المختلفة لإيجاد حل للقضية. وعالج الفصل الثاني المركز القانوني للجدار ووظائفه المختلفة سواء الوظيفة الدفاعية الأصلية أو الوظيفة الحالية التي جعلت من الجدار معلما لآلية وقف إطلاق النار، وأيضا وظائفه المتجددة. وخصص الفصل الثالث لاستشراف مستقبل هذا الجدار الذي لا ينفصل عن مستقبل قضية الصحراء ذاتها. وخلص المقال إلى أن جدار الصحراء لا يمكن مقارنته بباقي الجُدُر الموجودة في العالم، فهو بني في سياق خاص ولأهداف خاصة.
 
كما خلص المقال، أيضا، إلى أن قضية الصحراء ذاتها هي أحد الموروثات الثقيلة للاستعمار الذي ترك إفريقيا تحت رحمة حدود رسمت بتعسف وبشكل غير عقلاني وغير منصف، وأن جدار الصحراء هو في حد ذاته أحد مظاهر هذا النزاع المعقد، وأنه سيتلاشى عندما تأخذ القضية الأصل طريقها نحو حل نهائي وعادل.