الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

تنطلق في دسمبر المقبل.. أكبر عملية تلقيح في العالم لحقن المغاربة باللقاح الصيني وهذه التفاصيل

 
جلال مدني
 
إطلاق "عملية مكثفة للتلقيح ضد فيروس كوفيد-19" قرار ملكي جريء، كباقي القرارات الاستباقية، التي اتخذها الملك محمد السادس خلال أزمة وباء كورونا، وجنّبت بلادنا أوضاعا كان من شأنها أن تشكل كوارث حقيقية. في ما يلي تفاصيل اتخاذ هذا القرار من البداية إلى اليوم...
 
هذه المبادرة الملكية، التي وُصفت بـ"العملية الوطنية الواسعة النطاق وغير المسبوقة"، ستكون أكبر عملية تلقيح، ليس في المغرب فحسب، بل في العالم، اتخذت بقرار شخصي من الملك، إذ هو من أشرف، منذ البداية على توسيع التعاون المشترك مع الصين، وتتبع شخصيا مع الرئيس الصيني، شي جينبينغ، الشراكة بين البلدين في مجال محاربة "كوفيد-19". وفي هذا الصدد، وحرصا من الملك على تتبع مسار وتطورات اللقاح الصيني، أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس شي جينبينغ، يوم الاثنين 31 غشت 2020، تباحث فيها القائدان حول الشراكة في موضوع مواجهة كوفيد 19، وكانت هذه المباحثات مناسبة لتقديم الشكر للصين على دعمها ومواكبتها للإجراءات الاحترازية الصارمة، التي اتخذتها المملكة المغربية من أجل الحد من انتشار الوباء، وذلك سواء على صعيد المعدات الطبية ووسائل الكشف المخبري أو في مجال تبادل المعلومات والخبرات. كما تناول قائدا البلدين أيضا المراحل المقبلة للتعاون العملي بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية في إطار جهود مكافحة جائحة "كوفيد-19". وكان أبرز محطة في هذا التعاون الثنائي العملي مشاركة المغرب في التجارب السريرية الصينية...
 
بل أكثر من ذلك، حرص المغرب على إرسال فريق من الباحثين من أجل التنسيق على مستوى التجارب الصينية المتعلقة بـ"كوفيد - 19"، بهدف تمكين المغرب من الحصول على الكمية الكافية من اللقاح المضاد للفيروس في حالة ظهور نتائج إيجابية للتجارب السريرية.
 
ولتعزيز هذا المنحى، وقّع المغرب، بتوجيهات ملكية، اتفاقيتي شراكة مع المختبر الصيني "سينوفارم" (CNBG) في مجال التجارب السريرية حول اللقاح المضاد لـ"كوفيد-19". وبموجب هذه الاتفاقية، انطلقت، بشكل مواز، التجارب السريرية الخاصة باللقاح، الذي طورته الشركة الصينية "سينوفارم"، في المغرب، حيث احتضنها كل من المستشفى الجامعي بالرباط وبالدارالبيضاء، ثم المستشفى العسكري بالرباط، بمشاركة آلاف المتطوعين، مما مكّن الباحثين والعلماء من جمع بيانات حول فعالية اللقاحات المحتملة للحصول على الموافقات والتراخيص النهائية قبل المرور إلى مرحلة التصنيع.
 
ومرت التجارب السريرية بمرحلتين، أو بتلقيحين، جرعة أولى من اللقاح مع بداية التجارب السريرية في أكتوبر 2020، ثم أعقبتها جرعة ثانية بعد 21 يوما، وتم إرسال عينات من دماء المتطوعين إلى المختبر الصيني "سينوفارم"، وأُخضع المتطوعون للمتابعة الطبية، التي ستستمر إلى غاية منتصف شهر نوفمبر الجاري، حيث من المنتظر أن تظهر نتائج اللقاح في المغرب. وحسب المعطيات المتوفرة والمؤكدة، لم يتم تسجيل أي أعراض جانبية على المتطوعين، خلال المرحلة الأولى، الشيء الذي اعتُبر مؤشرا إيجابيا بخصوص تجاوب المتطوعين مع اللقاح. والشيء نفسه تواصل خلال المرحلة الثانية، المرتبطة بتلقيح الجرعة الثانية، إذ لحد اليوم، ونحن على بعد 5 أيام من منتصف نوفمبر، لم تظهر أي أعراض سلبية على المتطوعين...
 
واللافت أن الملك محمد السادس ظل يتابع هذه المسارات عن قرب، وأحيانا بشكل مباشر، إذ كان يتدخل حتى في التفاصيل، وبالتوجيهات الملكية جاءت مشاركة المغرب في التجارب السريرية الخاصة بفيروس كورونا بمقابل الحصول على كميات كافية من اللقاح في الوقت المناسب أولا، ثم تحقيق الاكتفاء الذاتي ثانيا، كما ستمكن من تحويل الخبرة في هذا المجال إلى المغرب من أجل تصنيع اللقاح محليا في المستقبل القريب...
 
وفي إطار هذا التتبع عن قرب، لوحظ أن الملك محمد السادس لدى ترؤس اجتماع المجلس الوزاري، يوم الأربعاء 14 أكتوبر 2020، كان أول شيء بدأه هو استفسار وزير الصحة حول التقدم الذي وصل إليه اللقاح ضد فيروس "كوفيد- 19"، الذي تطوره الصين بالنسبة إلى المغرب، وقد أجاب الوزير بأن هناك اتصالا مستمرا مع الشركات والحكومة الصينية، التي أبانت عن إرادة حسنة في هذا الشأن، مبرزا أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
 
بيد أن نتائج التجارب على اللقاح، التي يتتبعها الملك عن كثب، مضت بخطوات متسارعة في الصين، بفارق أسبوع واحد عن المغرب، إذ سبق تطعيم نحو 100 ألف شخص بلقاح "سينوفارم"، ولم يُظهروا أي ردود فعل سلبية حتى الآن، بل أكثر من ذلك، فإن مجموعة تفوق النصف من الذين تم تلقيحهم، وعددهم 56 ألف شخص، سافروا إلى الخارج، دون أن يصاب أي أحد منهم بفيروس كورونا...

وقال تاو لينا، خبير اللقاح في شنغهاي، أول أمس الأحد 8 نوفمبر 2020، إن حقيقة عدم إصابة أي شخص تلقى اللقاح بالفيروس، تعد بمثابة "دليل أكثر واقعية على أن اللقاح يعمل"، وتوقع أن لقاح سينوفارم "اقترب من طرحه في السوق".
 
الملك محمد السادس، الذي يتتبع مسارات اللقاح الصيني، مثلما فعل في المرات السابقة، بقرارات استباقية ثبتت فعاليتها، اتخذ، أمس الاثنين 9 نوفمبر 2020، القرار المناسب، في الوقت المناسب، إذ إن قرارات تاريخية، إذا أضاعت موعدها تصبح بلا أدنى قيمة، لكن القرارات التي تستبق الأحداث، بناء على قراء عميقة لمجرى تلك الأحداث، هي التي تكون من طبيعة تاريخية، وتُسجل في التاريخ...
 
القرار الملكي ليس تاريخيا من حيث استباقيته فحسب، بل أيضا على المستوى التنظيمي، قد لا نبالغ إذا قلنا إنه سيكون مقاربا للبعد التاريخي، الذي اتخذ فيه قرار تنظيم المسيرة الخضراء، التي كان رأى فيها قِصار النظر أنها "مهمة مستحيلة"... الملك محمد السادس أثبت أنه صاحب "المهام المستحيلة"، الذي يعرف كيف يكيّفها مع الواقع على الأرض، لتصبح "مهمة ممكنة"، وواقعية، وقريبا سيعيش المغرب أكبر عملية تلقيح على وجه التاريخ...
 
القرار الملكي بتنظيم هذه العملية غير المسبوقة وضع ضمن أولوياته، أولا، مسألة الولوجية للقاح، التي ستكون في إطار اجتماعي وتضامني وتوفيره بكميات كافية، وثانيا، مسألة اللوجيستيك الطبي للنقل، والتخزين وإدارة اللقاح على كافة التراب الوطني، ووضع نظام ناجع للتسجيل القبلي للمستفيدين...
 
وليكون التنظيم في مستوى إنجاح رفع هذا التحدي، دعا الملك إلى تعبئة جميع المصالح والوزارات المعنية، ولاسيما العاملين بقطاع الصحة والإدارة الترابية والقوات الأمنية، وكذا الدعم الضروري للقوات المسلحة الملكية، وفقا للمهام المنوطة بها من طرف الملك، الذي هو القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، في إطار محاربة كوفيد -19...
 
وحسب المعطيات المتوفرة من مصادر قريبة من هذه الأحداث، فإن المدن الكبرى ستتمركز فيها العملية في الملاعب الرياضية، في حين سيجري بناء خام من قبيل المستشفيات الميدانية في المناطق النائية...
 
قرر الملك محمد السادس إطلاق أكبر عملية من نوعها، وصفت بـ"العملية الوطنية الواسعة النطاق وغير المسبوقة"، من أجل تلقيح المغاربة لحمايتهم وتحصينهم ضد فيروس كورونا، وللتحكم في انتشاره، بعدما ثبتت سلامة وفعالية ومناعة اللقاح، وهذا ما أشار إليه مقال إخباري لموقع "الغد 24"، صباح اليوم...
 
ووفق مصادر مطلعة، فوزارة الصحة وضعت خطة محكمة لبدء عملية التلقيح في شهر دجنبر المقبل، حيث ستنطلق العملية بشكل رسمي من أحد الملاعب بمدينة الدار البيضاء، حيث ستعتمد وزارة الصحة على الملاعب الرياضية لتلقيح المغاربة.
 
ولا يمكن أن نختم هذه الورقة دون الوقوف عند الخلفية التدبيرية ومراميها الصحية، وراء اتخاذ الملك هذا القرار، وفق ما جرى الإعلان عنه خلال ترؤس الملك، أمس الاثنين 9 نوفمبر 2020، بالقصر الملكي بالرباط، جلسة عمل خصصت لاستراتيجية التلقيح ضد فيروس كوفيد-19. جاء هذا الاجتماع، في إطار تتبع الملك، لتطور الجائحة والتدابير المتخذة في إطار مكافحة انتشارها وحماية حياة وصحة المواطنين.
 
وخلال الاجتماع، وبناء على الرأي الصادر عن اللجنة الوطنية العلمية ذات الصلة، الذي يشير إلى أن حملة التلقيح تشكل ردا حقيقيا لوضع حد للمرحلة الحادة من الجائحة ووفاء للمقاربة الملكية الاستباقية المعتمدة منذ ظهور هذا الفيروس، أعطى الملك توجيهاته من أجل إطلاق عملية مكثفة للتلقيح ضد فيروس كوفيد-19 في الأسابيع المقبلة.
 
هذه العملية الوطنية الواسعة النطاق وغير المسبوقة، يقول بلاغ الديوان الملكي، تهدف إلى تأمين تغطية للسكان باللقاح كوسيلة ملائمة للتحصين ضد الفيروس والتحكم في انتشاره. فحسب نتائج الدراسات السريرية المنجزة أو التي توجد قيد الإنجاز، فإن سلامة وفعالية ومناعة اللقاح قد تم إثباتها.
 
ومن المنتظر أن تغطي هذه العملية المواطنين فوق 18 سنة، حسب جدول لقاحي في حقنتين. وستعطى الأولوية على الخصوص للعاملين في الخطوط الأمامية، وخاصة العاملين في مجال الصحة، والسلطات العمومية، وقوات الأمن والعاملين بقطاع التربية الوطنية، وكذا الأشخاص المسنين والفئات الهشة للفيروس، وذلك قبل توسيع نطاقها على باقي السكان.
 
وأفاد الديوان الملكي أن المملكة تمكنت من احتلال مرتبة متقدمة في التزود باللقاح ضد كوفيد-19، بفضل المبادرة والانخراط الشخصي للملك، اللذين مكّنا من المشاركة الناجحة لبلدنا في هذا الإطار، في التجارب السريرية.
 
وقال المصدر ذاته إنه بإطلاق هذه العملية واسعة النطاق، تم إعطاء التوجيهات الملكية قصد مضاعفة الحيطة في تدبير الجائحة والحفاظ على قدرات الحيطة العلمية لتحيين منتظم للاستراتيجية الوطنية في هذا المجال على ضوء المستجدات والوقائع الميدانية...
 
في جلسة العمل هذه حضر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ومستشار الملك فؤاد عالي الهمة، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، ووزير الصحة خالد آيت الطالب.