المهدي بن بركة والمحجوب بن الصديق ذات عنفوان سياسي في أواخر خمسينيات القرن الماضي
الراضي يكشف السر.. ها علاش المهدي بن بركة غير أسس الحزب ثم تركه وغادر المغرب
الكاتب :
حسن عين الحياة
حسن عين الحياة
أزاح الاتحادي عبد الواحد الراضي غموضا ظل يلف قضية إقدام المهدي بن بركة على ترك حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بعد أشهر قليلة على تأسيسه، ليغادر المغرب في مطلع سنة 1960 صوب فرنسا. قبل أن يكشف عن واحد من الصراعات الداخلية التي كانت تجري بداخل الحزب المنشق حديثا عن حزب الاستقلال بين من يمكن وصفهم بالصقور، إذ قال في كتابه "المغرب الذي عشته": كنت في باريس حين جاء المهدي بن بركة ليستقر فيها في 20 يناير 1960، وسوف لن يعود إلى المغرب إلا سنتين ونصف بعد ذلك.. لم تكن قد مرت سوى بضعة أشهر على تأسيس الحزب الجديد، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في 6 شتنبر 1959، حتى غادر المهدي المغرب متوجها إلى تونس في 19 يناير 1960، وذلك بمعية المحجوب بن الصديق وعبد الهادي بوطالب والمهدي العلوي أولا لحضور أشغال لجنة التضامن الأفروأسيوية، ثم التحق بعد ذلك بباريس، وذلك بنية البقاء في الخارج إلى ميقات غير معلوم. ومن ثمَّ ينبغي أن نتساءل، لماذا تخلى الرجل عن الحزب لأقل من ستة أشهر على تأسيسه وانصرف؟ وكيف يُنشئ حزبا جديدا ولا يبقى داخل البلاد كي يرعاه ويؤطره ويهتم به ويعمل على تنميته وتقوية تنظيماته وانتشاره... لماذا فضَّل، في لحظة مفصلية من مساره أن يترك المغرب؟
سنعرف لاحقا، يقول الراضي، أن الخلاف مع المحجوب بن الصديق كان خلافا عميقا، ذلك أن المهدي آمن، منذ المنطلق، أن بناء حزب جديد لن يكون إلا تجمعا وتحالفا بين القوات الشعبية، أي بين الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير وفي مقدمتها الطبقة العاملة. ومعنى ذلك أن العمال سيكونون ضمن تشكيلة اجتماعية متنوعة، لهم إطارهم النقابي الذي يحمي مصالحهم المادية، لكن الحزب هو الذي ينظم ويؤطر إرادتهم السياسية، ويعمق وعيهم السياسي والاجتماعي والتنظيمي، ويستثمر طاقاتهم ضمن مشروع التغيير. لكن بن الصديق كان له حساب آخر بدون أن يعبر عنه، أن يظل يتحكم في المركزية النقابية (الاتحاد المغربي للشغل) كأمين عام لها، وأن يتحكم أيضا في مسار الحزب ودواليبه وقراراته كعضو في الكتابة العامة.
ويتابع الراضي: نحن نعرف أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كانت له عدة مكونات: المكوّن النقابي يمثله الاتحاد المغربي للشغل، مكوّن ثانٍ هو حركة المقاومة، والمكون الثالث من المناضلين الذين كانوا في حزب الاستقلال وبعضهم جاء من حزب الشورى والاستقلال، وكذا المكون الطلابي الذي كان يمثله مناضلو وقادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والجمعيات الشبابية.
هكذا، وبعد بناء المشروع الحزبي والإعلان عن تأسيسه رسميا، يقول الراضي، وجد المهدي نفسه مُحاصرا في وضعية "بلوكاج". بالنسبة إليه، كقائد سياسي يستند إلى مرجعية لها ملامح يسارية، لا يمكنه إلا أن يكون ناطقا باسم الطبقة العاملة معبرا عن مصالحها ومطامحها. والواقع، يضيف الراضي، أن هذه الطبقة لم تكن تحت يده بل كانت مِلك يد المحجوب الذي كان له تفكير آخر، وبالتالي لم يكن يسمح لأحدٍ بالوصول إليها والتماس معها.. وحسب المتحدث نفسه، كانت هناك، في تلك الفترة، قوة بشرية وتنظيمية ورمزية مؤثرة ونافذة في المغرب، ولها صوت مسموع، وهي حركة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي وعلى رأسها الفقيه محمد البصري. وبالتالي، فقد شكلت في الحركة السياسية فصيلا أساسيا إلى جانب المكون العمالي. لذلك، فالمهدي بن بركة، حسب الراضي، كان يشعر، في ظل تنظيمه السياسي المستحدث، أن "للاتحاديين القادمين من مرجعية المقاومة المسلحة ولاءً للفقيه البصري وارتباطا حميميا به، ولكنهم أيضا كانوا أكثر تقديرا للمهدي وانسجاما معه". هكذا، يحاول الراضي أن يبرز أن الخلاف في الاتحاد آنذاك كان قائما بالأساس بين المهدي بن بركة وبن الصديق.. وهذا ما عبر عنه بالقول: بعد تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعد أن تمت القطيعة مع حزب الاستقلال، غيَّر المحجوب بن الصديق سلوكه إزاء المكونات الأخرى للاتحاد، وبالأخص تجاه المهدي الذي لم يكن يريد أن يعترف له بالزعامة.
وحسب الراضي دائما، كان المحجوب زعيما نقابيا ولم يكن ممكنا أن يكون زعيما للحزب، ومن ثمَّ آثر أن ينازع المهدي في هذا الاتجاه. "وأخذ يعارضه في جميع الاجتماعات بل وسيمضي أبعد من ذلك ليشرع في محاسبة المهدي على تنقلاته ولقاءاته التنظيمية، وحتى على مضامين خطاباته وتصريحاته وحواراته الصحفية، (مع من تْشَاَوَرْتِي في قول كذا وكذا؟ هل ما زلت تعتبر نفسك في حزب الاستقلال؟...). وفي وضع كهذا كان يصعب على المهدي أن يستمر". لذلك، فضل الاستقرار مؤقتا في فرنسا تاركا الحزب إلى ميقات غير معلوم.