الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

لن يفلح أتباع الحَوَّاتَةِ في تحريف بوصلتنا

 
منعم وحتي
 
حتى نستوعب عصبية بعض تيارات الإسلام السياسي، لإخراج مخالب مريديها، وتجييش أنصارهم بشكل هستيري كلما تم انتقاد حظيرة النظام التركي، علينا العودة لتمحيص بعض فترات التاريخ المغربي إبان القرن السادس عشر، لتدقيق المحاولات المتكررة للعثمانيين لغزو المغرب، وكذا لفهم تقاطعات مفهوم الخلافة عند التنظيم الدولي للإخوان وفلوله في دول المغرب والمشرق، وكذا تدقيق فهم الباب "العالي" التركي لنفس مفهوم الخلافة عند الأردوغانيين...
أتباع الباب "العالي" العثماني يعيشون بيننا وولاؤهم لتركيا هو ما يحركهم فلا وجود عندهم لمفهوم الوطن بل هي خلافة ماضوية على نهج التنظيم الدولي للإخوان
 
فهذا السُّعار بدون فرامل بالتهجم على بيان إدانة حزب الطليعة لغزو تركيا لليبيا، ليس مرده بحثهم عن توازن الموقف فيما يخص التدخلات الخارجية، وهذا أمر مفضوح، لأنهم يعون جيدا أن حزبا شريفا من طينة حزب الطليعة، أثبت دائما أمام الخصوم قبل الأصدقاء أن مفهوم الوطن وسيادته ضد التدخل الخارجي، مسألة مبدأ، ومواقفنا لا نحتاج لتعدادها، من العراق لسوريا لليمن للبنان لفلسطين... ولا نحتاج شهادة أحد في ذلك داخليا أو خارجيا.
 
إذن فالسُّعار مرده أن أتباع الباب "العالي" العثماني يعيشون بيننا، وأن ولاءهم لتركيا ما يحركهم، رغم أنه لا وجود لمفهوم الوطن في أدبياتهم.. بل هي خلافة ماضوية على نهج التنظيم الدولي.. فلا وطن إلا امتداد ذات الخلافة.. ليس فقط في ليبيا بل بمصر وتونس وسوريا والمغرب...
يجب فضح حلم الخلافة العثماني الذي بقي كالزرنيخ في عروق الأردوغانيين والذي أساسه الغزو والتوسع على دول الجوار لإلحاقها بالباب "العالي" التركي
 
فلنعد شيئا ما لتاريخ المغرب في القرن 16 لنثبت بعض الخلاصات..
بعد سقوط تلمسان في سنة 1517 وسيطرة العثمانيين على الجزائر رغم مقاومة أهلها، سال لعاب الانكشارية لغزو المغرب، وأمام استنجاد أهل تلمسان ببني عمومتهم بالمغرب ضد الغزو التركي، سارع محمد الشيخ السعدي في جيش من 30.000 جندي مغربي لتحرير تلمسان، حيث تمكن من ذلك في سنة 1550...، خصوصا وأن آخر ملوك الوطاسيين أبو حسون لجأ لسليمان القانوني بتركيا طالبا تدخله الخارجي، ليسترد عرشه من السعديين، مقابل وعد أبي حسون بأن يكون سليمان العثماني خليفة على المغرب، وتم تجييش الفقهاء والأتباع لإنجاح هاته المؤامرة، التي اعتبرت خيانة ومحاولة لأن يفقد المغرب استقلاله، بتقديم السلطان المغربي "أبو حسون الوطاسي" الولاء والانصياع للأتراك، "بما يوجبه عرف تلك الأزمان؛ كالدعاء له على المنابر، وسك اسمه على العملة المغربية".
 
تم هجوم الأتراك على فاس لإرجاع عميلهم أبي حسون للحُكم، وعاثوا فيها فسادا وتقتيلا للأطفال واستباحة للنساء، «ولما رأى الترك محاسن البلاد، أعجبتهم وأخذوا غرتها، كتبوا بذلك إلى الجزائر وأرادوا القيام على أبي حسون. وبهذا لم يكن لأبي حسون سوى مُلك صوري، أخذ الأتراك يجعلونه غطاء لفعل ما يريدون، كانوا يقبضون النسوان والصبيان، وينهبون ما أرادوا، فضاقت بهم الرعية من سوء فعلهم»، فثارت ثائرة المغاربة فنزلوا بالفؤوس والمعاول والشواقير فيما سمي انتفاضة فاس على الأتراك، وحملوا كل ما طالت أيديهم لقتال الأتراك، فطردوا العثمانيين شر طردة، وتلقى جيش محمد الشيخ السعدي القادم من مراكش بقايا جنود الأتراك، فأصبحوا داخل كماشة لم ينج منها إلا القليل هربا من موت محقق...
ميل موازين القوة لصالح المغرب أرغم سلطان العثمانيين لإرسال طلب الصلح عبر مبعوثه، رغم كل الدسائس والمؤامرات التركية للاستيلاء على المغرب، فكان رد محمد الشيخ السعدي حاسما في رسالته الجوابية لحاكم تركيا: "سلِّم على أمير الحوَّاتة (صيّادي السمك) سلطانك، وقل له إن سلطان المغرب لابد له أن ينازعك على عمل (أرض) مصر، ويكون قتاله معك عليه، إن شاء الله، ويأتيك إلى مصر والسلام"، ما يعني رفضه لمناورات الترك للهيمنة على المغرب، وأنه سيطارد العثمانيين الغزاة حتى مصر.. ولهذا كان همّ المغرب في هذه الحقبة تأمين حدوده الشرقية، لتصبح أكثر مناعة ضد الأطماع التركية لاستعمار المغرب.. وتعتبر معركة وادي اللبن سنة 1558، حيث هزمت القوات المغربية باقتدار الجيش العثماني، معركة حاسمة في انكسار أحلام الأتراك للهيمنة على المغرب.
 
لماذا العودة بالضبط لهاته الفترة من تاريخ المغرب مع الأتراك في القرن 16؟
إنها مقاربة، لتشريح حلم الخلافة العثماني، الذي بقي كالزرنيخ في عروق الأردوغانيين، والذي أساسه الغزو والتوسع على دول الجوار. وتقويض الدول الوطنية، وإلحاق الدول والجماعات بالباب "العالي" التركي، وليس لأتباعهم بالمغرب أدنى مشكل في ذلك، بأن يدعوا في جوامع المغرب للخليفة أردوغان، أو أن يسكّوا صور وجهه على عملة بلادنا، فهو مشروعهم الخلافي بأن يقدموا الطاعة والولاء أمام عرشه في إسطنبول، هو مشروعهم وهم يجهرون به.. لكن من حقنا أيضا أن نفضحهم أمام المغاربة.. ونذكرهم من عمق تاريخ المغرب بهاته الدسائس القديمة.. ونعري حقيقتهم بأن حفدة خيانة أبي حسون الوطاسي مازالوا بيننا، ولا تهمهم لا عملة مغربية ولا سيادة وطنية لإدخال الغزاة لفراش المغاربة وفراش أبناء العمومة.. وهو نفس منهجهم حين علا صراخهم وعويلهم بعد فضح الأحزاب التقدمية للغزو التركي الأمريكي الصهيوني لليبيا.. ليس حرصا منهم على وحدة ليبيا، بل دفاعا عن خلافة متوهمة.. حلموا بها أيام محمد مرسي فانهارت، حلموا بها في الشام وانهارت.. وهاهم يحولون بقايا داعش وأخواتها في رحلات مكوكية من سوريا لليبيا لنفس الرؤية المنامية.. والقادم أصعب، فنفس الولاءات الداخلية توفر غطاء الغزو العثماني، من فلول الإخوان إلى تيارات الإسلام السياسي.. ولننتبه أن ليبيا على مرمى حجر من المغرب.. وهاته الجمرة الخبيثة التركية وذراعها الداعشي لن تحرق ليبيا وحدها بل ستمتد إلى كل المغرب الكبير، إن لم نراجع دروس التاريخ العميقة هذه.
لهذا كان استهداف حزب الطليعة، بشكل منظم وموجه وبإطلاق الأكاذيب حول حفتر وتوت عنخ آمون وعشتار ولا أدري أي أساطير يؤلفون.. ويعرفون جيدا أنهم يخشون فضحنا لسريرتهم أمام الناس، ولا يمكن لمن جالس السفارة الأمريكية في عز حراك 20 فبراير أن يعلّم الطليعيات والطليعيين مفهوم السيادة الوطنية.. فخيانة "أبو حسون" بينهم وتتمدد. أما مدن الملح، فملة واحدة، كما جهرنا بذلك مرارا وتكرارا، ولن تقوم لها قائمة إلا بزوال تسلط مشايخ الخليج الذين كانت صحافة البترودولار التابعة لهم جزءا من تحريك الحرب المدبرة على بيان حزب الطليعة.
حلموا بخلافة متوهمة أيام محمد مرسي فانهارت وحلموا بها في الشام وانهارت وهاهم يحولون بقايا داعش وأخواتها من سوريا لليبيا لنفس الرؤية المنامية
إن الحفاظ على السيادة الوطنية للشعوب على كامل أراضيها ومقدراتها، ووحدة القرار الداخلي ضد أي تدخل خارجي هو العملة الرابحة للحفاظ على الاستقلال وحكم الشعوب، ليس في ليبيا فقط بل في كل بقاع العالم.. وهو ما تؤشر إليه كل مواقف وبيانات وممارسة حزب الطليعة.. وليس ورثةُ "أبو حسون" بائعو سيادة المغرب للأتراك من سيعلموننا مفهوم الوطنية وحب هذا الوطن.. ومعنى سيادة الشعوب على أراضيها..
الجمرة الخبيثة التركية وذراعها الداعشي لن تحرق ليبيا وحدها بل ستمتد إلى كل المغرب الكبير إن لم نراجع دروس التاريخ العميقة
فليحذروا أن انتفاضة فاس في القرن 16 لطرد الأتراك الغزاة ومن والاهم من فقهاء السوء والجماعات التابعة، يمكن أن تتكرر في أي
لحظة، فلا خلافة تعلو على سيادة الشعوب.
 
ملحوظة 1: يحكى أن الفقيد محمد البشيري، حين اتصل به التنظيم الدولي للإخوان لتصبح الجماعة ذراعا لهم في المغرب، رفض ذلك وأجابهم أن رغبته بأن يكون التغيير بطنجية مغربية، لكن بعض الأتباع من الصف الأول للجماعة، وبتصريحات مغرضة ومجتزأة عن البيان الذي وقعته الطليعة، خاضوا معركة بالوكالة عن أردوغان والشيخة موزة والتنظيم الدولي للإخوان.. لتشويه الحقائق كبيعة للباب "العالي" التركي.
 
ملحوظة 2: لا فرق بين بعض هاته الأقلام المسمومة والمدعو أبو وائل.. فهم ملة واحدة، في الحروب بالوكالة.. لكن ظهر الطليعيات والطليعيين عصي على الكسر.
فاعل سياسي ومدني