الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق ومصطفى الخلفي وزير الاتصال الأسبق وفيصل العرايشي الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة

التلفزيون المغربي بين "دفاتر" الخلفي "الإخوانية" وافتراس اللوبيات

 
حميد أحمد المرادي
 
في المقالة السابقة، كنت قد أشرت إلى الملامح الكبرى للمادة الإعلامية التي تقدمها القنوات التلفزيونية المغربية. وكنت قد حددتها في ثلاث:
 
1- مادة أجنبية صار يغلب عليها المنتوج التركي، وهي في أغلبها مدبلجة بطريقة بائتة تسيء إلى الدارجة المغربية وتطمس جماليتها.
2- تساوي القنوات في تقديم مادة إخبارية بطريقة متخلفة، يغلب عليها الطابع الدعائي الفج، ولغة الخشب.
3- سيطرة مطلقة للتفاهة على الدراما ومواد الترفيه، إلا في ما ندر/ والاستثناء لا يعتد به.
 
تضمين "دفاتر تحملات" الخلفي إعطاء "مدير القطاع العمومي إمكانية الاعتراض بمبرر مقنع"  عملية تدخل في سياق "التقية" التي تمارسها الحركات الانقلابية أكثر مما هي إيمان بتوزيع المسؤوليات بين مختلف الفاعلين
 
حين تم تعيين حكومة بأغلبيتها "الإخوانجية"، سنة 2012، كان الموضوع الرئيسي، في دواليب "الإخوان"، هو مخطط تفعيل عملية كبرى للتمكين في وسائل الإعلام الرسمية، وكان في مرمى عملهم القناة الثانية بالخصوص، التي كانت تشكل، في نظرهم، مرتعا لـ"طابور العلمانيين والمنافحين لمشروعهم"، وهذا ادعاء أكثر منه حقيقة بعلم الجميع وبعلم المتأسلمين، لذلك لم يتساهلوا في مفاوضاتهم مع الأحزاب الأخرى حول "وزارة الاتصال".
 
وبأسلوب المناور والمرسل لرسائل الطمأنة، تم تضمين "دفاتر تحملات" الخلفي، إعطاء "مدير القطاع العمومي إمكانية الاعتراض بمبرر مقنع"، وهي عملية تدخل في سياق "التقية" التي تمارسها الحركات الانقلابية أكثر مما هي إيمان بتوزيع المسؤوليات بين مختلف الفاعلين.
 
فأول ما طرحته "دفاتر تحملات الخلفي ومن معه" هو إلغاء أي دور للمبدعين والفاعلين في المجال الفني إلا من خلال شركات تنفيذ الإنتاج، ذات الوجود المعنوي (شركات)، وهي في نهاية المطاف لا تستخدم رأسمالها الخاص في الإنتاج، بل أموال الشركة الوطنية للسمعي البصري، في غياب تام للمهنيين في القطاع ولو توفروا على ضريبة مهنية كأشخاص طبيعيين، عكس ما كان يجري به العمل قبل دفاتر التحملات رغم ما كان يشوبه من علات، ولكنه على الأقل كان يفرض أعمالا تنبني على كتابة سيناريو قبل تنفيذ الإنتاج.
 
ومن المؤكد أن دفاتر التحملات التي أشرف عليها الوزير آنذاك الخلفي، لم تستشر المهنيين والمؤسسات الفاعلة في القطاع، وإنما تم إعدادها في غرف مغلقة لغرض في نفس "الخلفي ومن معه"...
 
بعد الأخذ والرد أسس المعزول بنكيران لجنة وزارية ترأسها "صديقه" الحميم بنعبد الله وتم إدخال تعديلات لا تأثير لها على الدفاتر وكرست خدمة الزبونية وشركات محسوبة على جهات معلومة مع الحفاظ على بعض مقترحات المتأسلمين
 
فبعد أن تبين بأن الصيغة الأولى لدفاتر التحملات، كانت تتضمن قرارات تروم "أخونة" القطاع وأدلجته بإيديولوجية الجماعة إياها، الشيء الذي جعل المصادقة على الدفاتر تتعثر وتقتضي تدخل الملك شخصيا للتحكيم بين الفرقاء.
 
بعد الأخذ والرد، أسس المعزول بنكيران لجنة وزارية ترأسها "صديقه" الحميم بنعبد الله، وتم إدخال تعديلات شملت مواد قليلة لا تأثير جوهريا لها على الدفاتر، وكرست خدمة الزبونية وشركات محسوبة على جهات معلومة، مع الحفاظ على بعض مقترحات المتأسلمين، الشيء الذي أدخل التلفزيون في وضع العقم، واللاجدوى، وبذلك تعطلت الآلة الإنتاجية للتلفزيون، وتم وضع العديد من الشركات الإنتاجية في وضعية العاجزة عن الاستجابة لشروط هذه الدفاتر، وهو ما أدى إلى تركيز القدرة على تنفيذ الإنتاج بين أيدي شركات كبرى محظوظة وأشياء أخرى، لإعادة إنتاج وضع القطاع، المأزوم أصلا مع تثبيلة بالأخونة، وبقي يعيد إنتاج نفسه منذ 2012، عبر مادة بلا طعم وبرائحة تزْكُم، وبكلفة مليارية، من جيوب دافعي الضرائب.
 
التقت مصلحة طرفين: طرف يريد ترويض الشعب من خلال "أخونة" الإعلام الموجه له عبر التلفزيون كما هو مخطط له في "التمكين" لجماعات الأخونة وطرف يتشكل من شركات مفترسة لا همَّ لها إلا مراكمة الأرباح ولو على حساب مستقبل الوطن وأجيال حالية ومستقبلية
 
وبذلك التقت مصلحة طرفين في هذه المعادلة، طرف يريد ترويض الشعب المغربي من خلال "أخونة" الإعلام الموجه له عبر التلفزيون على مهل وبتدرُّج كما هو مخطط له في وثائق "التمكين" لجماعات الأخونة، وطرف يتشكل من شركات مفترسة لا همَّ لها إلا مراكمة الأرباح ولو على حساب مستقبل الوطن وأجيال حالية ومستقبلية، لا مشكلة لديهم في أن تكون على شاكلة "الضباع"، كما سبق أن أشار إليها عالم الاجتماع المرحوم محمد جسوس.
 
كل هذا يتم على قنوات تلفزيونية دون برامج ثقافية، ولو في حدودها الدنيا، والثقافة بالمناسبة لا تعرف طريقا إلى المشاهد إلا في ما ندر وبصيغة بئيسة يشتم منها الريع في أبهى تجلياته شكلا ومضمونا.
 
وهو ما سنتناوله في الحلقة القادمة من هذه السلسلة، غياب الثقافة على القنوات التلفزيونية المغربية القرار الجريمة.
 
كاتب مغربي