الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

في الحاجة إلى بورجوازية وطنية.. إغناء واغْتِناء

 
نور الدين العوفي
 
المُعاودة في النظر، قبل المراجعة في القول، الغاية منها الكشفُ عمَّا تعنيه المفردات "البديلة" لمفهوم البورجوازية. لقد بات الجميع يتحدث، اليوم، عن "رجال الأعمال"، و"المقاولين"، و"المبادرين"، عن "الرواد"، وعن "النخبة الاقتصادية"، إلى غير ذلك من المفردات البرَّاقة، الرامية إلى إشهار الوجه المضيء لأصحاب الرساميل، وإلى التسويق، بالجملة، لفئة أرباب العمل.
 
بات الجميع يتحدث عن "رجال الأعمال" و"المقاولين" و"المبادرين" و"الرواد" و"النخبة الاقتصادية" إلى غير ذلك من المفردات البرَّاقة الرامية إلى إشهار الوجه المضيء لأصحاب الرساميل
 
وفي الحقيقة، فإن المفردات "البديلة" تلك تنم عن تحوُّل عميق في البنية الجوهرية للطبقة التي تُحيل إليها. هذا التحوُّل هو الذي يتطلَّب، على الأقل بالنسبة إلى الحالة المغربية، تجديدَ البحث، والفحص، والفهم.
 
قانون المغربة (1973) كان يهدف، بصريح العبارة، إلى خلق نواة من المقاولين الجدد، من بين الطبقة المتوسطة، من شأنها أن تُشكِّلَ بورجوازية وطنية من شأنها، بدورها، أن تتمخَّض عن رأسمالية وطنية، كما يتمخَّضُ الليل عن الصبح، وأَن تأخذ بمقْودِها، مُنافسةً ومُضاهيةً بذلك الرأسمالية الأجنبية المنْتهِبة لثروة البلاد، ولعرق العباد.
 
تمخَّضتِ المغربة فولَدتْ فئة اتِّجارية (Affairistes)، تُمِرُّ ولا تُحْلي. ثم عرفنا، مع بداية التسعينيات، موجةَ الخوصصة التي قيل عنها إنها الطريقُ الأسْلك نحو الرأسمالية الحقة، والوسيلة الأنجع لاستيلاد الطبقة المُؤهَّلة دون غيرها لكي تأخذ بناصية الاقتصاد الوطني، وتمخُر بسفينته عباب البحر المتلاطم. لم تصل الخوصصة إلى البَرِّ الذي كانت تؤُمُّ، إذ تمخَّضتْ بدورها عن فئة قليلة من الرواد، والمبادرين، والمقاولين لم تغْلِب الفئة الكثيرة من الاتِّجاريين.
 
أعود لأقول إن نزعة الاغْتِناء من الأعمال وبتوسُّل الأعمال ليس بالشيء المكروه، ولا بالمقبوح من الوجهة الاقتصادية، والأخلاقية. ما يُميِّز البورجوازية الوطنية، باعتبار النُّعوت التي سبق أن أظْهرتُ فوق، هو المزاوجة بين الاغْتِناء والإغْناء. اغْتِناءُ الطبقة، وإغْناءُ الوطن. من منظور التنمية الوطنية الشاملة، والمستقلة، الإغناء يُزكِّي الاغتناء، والاغتناء ينفعل بالإغناء.
 
الاغتناء لا يستقيم حيثُما يتم بلا إغناء أو على حساب الإغناء فسَوْغُ هذا بذاك هو الفيصل بين االبورجوازية الإنتاجية والاتِّجارية وبين البورجوازية الإنتاجية والريعية
 
والاغتناء لا يستقيم، قانوناً وأخلاقاً، حيثُما يتم بلا إغناء، أو على حساب الإغناء. سَوْغُ هذا بذاك هو الفيصل بين االبورجوازية الإنتاجية، والاتِّجارية؛ وهو الفيصل، أيضاً، بين البورجوازية الإنتاجية، والريعية. الأولى تضيق بتغوُّل الثانية، وباستِحْواذِها على الفائض، إلى حدٍّ بات معه تضارُب المصالح بين الفئتين مكشوفاً، صارخاً، حائلاً دون التقدم، كما سيأتي بيانه (ترقبوا المقال يوم غد الخميس بعنوان: في الحاجة إلى بورجوازية وطنية/بورجوازية الجاه والمال-المحرر).
 
اقتصادي، أستاذ باحث