الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

عندما ينفلت الرعاع من عقالهم

 
سيدي علي ماء العينين
 
يوم كتبنا عن تكسير حاجز الدرك الملكي، قلنا إن ذلك مؤشر على عصيان مدني، وأن الإجراءات العشوائية المرتجلة للحكومة لا يمكن أن تبرر إقدام الناس على الفوضى.
 
وها نحن في ليلة الجمعة، وعيد الأضحى نسوق للعالم مشاهد مقرفة لرجال ونساء وشباب وأطفال يسرقون أكباشا في واضحة النهار، ويتصارعون فيما بينهم على الغنيمة، ويجرون الأغنام المسروقة أو يحملونها إلى وجهة مجهولة، ويقول قائل إن ''الكسابة'' و''الشناقة'' هم السبب لأنهم يضاربون في الأسعار، وغلّبوا جشعهم على حساب مواطنين غارقين في الفقر...
 
لكن نعيد نفس سؤال كسر حاجز الدرك:
هل هذا يبرر الفوضى؟
 
الاستثناء المغربي هو أن نكون في أمن وأمان والعالم من حولنا يغلي لا تحتاج في وطن يسود فيه القانون والأمن والأمان أن تسيّج بيتك بأبواب من حديد ولا أن تحيط حقولك بأسوار وجدران من فولاذ
 
إن الاستثناء المغربي، هو أن نكون في أمن وأمان والعالم من حولنا يغلي، ونحترم خصوصيات بعضنا البعض، ونقبل ببعضنا البعض ونتعايش...
 
لا تحتاج في وطن يسود فيه القانون والأمن والأمان أن تسيّج بيتك بأبواب من حديد، ولا أن تحيط حقولك بأسوار وجدران من فولاذ...
ما حدث يسائلنا جميعا، أي جيل يكبر بيننا وسيكون غدا في مناصب مختلفة، أي عقلية تحكم هذا الجيل الذي سيكوّن أسرة غدا و يقود البلاد؟
 
هذا ما جناه علينا تعليم طبقي مهترئ، وهذا ما تفرزه علب الكبريت التي سميت سكنا اقتصاديا كدست فيه الأسر لتحتفل الحكومة بأنها حاربت دور الصفيح...
 
هذا ما تفرزه سياسات لا شعبية، واقتصاد التبعية، ويكرسه غياب التأطير الحزبي والجمعوي...
 
لكن أيضا هذا ما جنيناه على أنفسنا عندما طغت قيم الأنانية والأطماع الفردية على حساب روح المواطنة والتربية ولحمة الأسرة وود الجيران وتكافل الأحبة...
 
وعندما يغيب الوعي، وتسقط القيم، وتعم الفوضى يصبح بعض المواطنين منا رعاعا، همجا، أزلافا، ضباعا... اختر أي لقب يناسبك لوصف ما حدث والتعبير عن غضبك،
 
لكن عليك أيضا أن تشعر بالخوف على أمنك وأمن أسرتك وأمن مستقبلك وأمن بلدك،
 
فقبل أن نغضب، علينا أن نخاف، وقبل أن نطالب بالقانون علينا أن نفتح نقاشا حقيقيا حول ملابسات هذا الوضع...
 
"إنهم يريدون خلق أجيال جديدة من الضباع" هي صرخة مدوية أطلقها السوسيولوجي الأستاذ الراحل محمد جسوس قبل سنوات في وجه مهندسي السياسة العامة إزاء الشباب
 
بلادنا ليست بخير...
ليست بخير لأننا أهملنا المواطن في تربيته وتحصينه من آفات العصر...
ليست بخير لأن ميزان العدل مختل، وبناء الأسرة منهار...
 
وحين نكتب عن هذا الانفلات، ويأتينا في التعليقات من يدافع عن هذا السلوك ويبرره، فهذا معناه أنه ليس انفلاتا ولا حالة معزولة بل هو ثقافة سائدة، وأفكار متجذرة، وقيم تغزو المجتمع، وتبني لها قانونها الخاص وأنصارا ومفكرين!!!
 
"إنهم يريدون خلق أجيال جديدة من الضباع"، هي صرخة مدوية أطلقها السوسيولوجي الأستاذ الراحل محمد جسوس، خلال المؤتمر الوطني الرابع لطلبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المنعقد بفاس، قبل سنوات، في وجه مهندسي السياسة العامة إزاء الشباب، مما أقلق القرار السياسي المركزي المتمثل، آنذاك، في الملك الراحل الحسن الثاني الذي أمر وزير التربية الوطنية، الطيب الشكيلي، بالرد على ما جاء به العرض.
 
وقال الراحل جسوس: إن مستقبل المعارك التي ننادي بها هو مستقبل الشباب، وبالتالي إذا كان شباب هذا البلد مهمشين، مقموعين، مكبوحين، مكبوتين، مطاردين في مختلف مرافق الحياة، فيمكننا من الآن أن نصلي صلاة الجنازة على هذه البلاد وعلى مستقبلها.
 
إن شباب المغرب بصفة عامة أصبح يعامل من طرف المسؤولين والحاكمين ومن طرف الطبقات السائدة في هذه البلاد، كما لو كان عبئا ثقيلا، عوض أن يشكل رصيدها ورأسمالها الأساسي، نعلن تذمرنا من معاملة الشباب كما لو كانوا مجموعة من "الفوضويين"، ومجموعة من المشاغبين، ومجموعة من "العبثيين"، ومجموعة من "العدميين"، علما أن أرقى واسمى ما أنجز في هذه البلاد أنجزه شباب أو ساهم في فكرته الحاسمة شباب وبصفة خاصة، إنه لا خير يرجى من بلاد بأكملها ومن نظام سياسي واقتصادي واجتماعي بأكمله، إذا كان يعتمد على سياسة التجويع والتضييع والتمقليع...
 
إنه لا خير يرجى من بلاد بأكملها ومن نظام سياسي واقتصادي واجتماعي بأكمله إذا كان يعتمد على سياسة التجويع والتضييع والتمقليع
 
إذا كان شباب هذه البلاد يعاني من تخوف مستمر حول عيشه أولا وقبل كل شيء، ويعاني في مستوى ثان من سياسة على صعيد التعليم وعلى صعيد الثقافة وعلى صعيد التأطير الفكري والإيديولوجي، تحاول خلق جيل جديد لم نعرفه في المغرب، جيل "الضبوعة" جيل من البشر ليس له حتى الحد الأدنى من الوعي بحقوقه وبواجباته، ليس له حتى الحد الأدنى من الوعي بما يحدد مصيره ومصير إخوانه ومصير أقاربه ومصير جيرانه...
 
لا خير يرجى من بلاد تعامل شبابها بمختلف أشكال القمع والإكراهات والتخويف والتهريب، بل إن ما نلاحظه حاليا هو تكريس وترسيخ هذه المعاملات...
 
هذا كلام قيل قبل سنوات وها هي نتائجه بارزة للعيان لا تحتاج ان نحجبها بالشعارات،
 
يحق لنا أن نغني مع ناس الغيوان:
 
عبيد الصنك المعبود يا قلوب الحجر
قلوب طايشة مليانة بالغدر
سلسلتو لقبور.. ها الحق.. وها المنكر
الخز للصخر من هَمّ لبحر شكى
والرياح العاصفة هجرات البرق والرعد
ما بين صخرة جامدة وعوافي زاندة
لصهد الريح هامدة
هذا بمهمازو ينغز.. هذا ما يرد عليه
لا دوا يداوي
حسبت عشرة وعشرة عرفتها شحال تساوي
القرن العشرين هذا
عايشين عيشة الذبانة ف لبطانة
راه الفرق عظيم بين التفاح والرمانة
واش من فرق بين أنت.. وأنت.. وأنا؟
 
فهل تعتبرون؟
كاتب وفاعل سياسي ومدني