الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

قضية الصحراء.. شيوعيو أوروبا ينتقلون من مناهضة الإمبريالية إلى تبني الوصاية الاستعمارية

 
محمد نجيب كومينة
 
يجد بعض الشيوعيين في أوروبا صعوبة قصوى في التأقلم مع التحولات، التي عرفها ويعرفها العالم، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وانعطاف الصين نتيجة الإصلاحات، التي أطلقها دينغ كساو بين وجيان زمينغ منذ 1978، والتي مكّنتها من البزوغ كقوة عظمى من جهة، وبعد أن غزت النيوليبرالية العالم وأدت إلى تغيرات قوّت النزعة الفردية والنفعية على حساب كل ما هو جماعي وأدت إلى ضعف بيّن لمختلف منظمات اليسار السياسية والنقابية وغيرها، جعلها تقاوم العزلة وحتى خطر الانمحاء، من جهة ثانية.
 
وبدل إعمال آليات البحث والتفكير، في ظل تبلور براديغمات جديدة لم يكن ماركس أو لينين أو حتى غرامشي ومن جاؤوا بعده قد انشغلوا بالأسئلة الجديدة، التي أفرزتها، ومنها العولمة في صيغتها الحالية، التي تخترق حدود الدولة الوطنية، وتضعفها، وتكوين التجمعات الإقليمية، والهجرة، وشيخوخة السكان، وإعادة انتشار الثروة والتنمية عالميا، ونشوء قوى عظمى جديدة تنتمي إلى حضارات غير أوروبية... إلخ، بدلا من ذلك تجد شيوعيي أوروبا يصرّفون اكتئابهم الناتج عن ردود فعل غير سليمة، على وضع جديد لا يملكون الاستعداد اللازم للفعل فيه والسعي إلى تغييره، وهذا ما يفسر اتجاههم إلى الهروب من واقعهم الأوروبي بحثا عن أدوار في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يمكن أن تشعرهم بوجود شرعية لم تعد لهم في مجتمعاتهم الأوروبية، التي تمتنع عن منحهم أصواتها انتخابيا وعن تبني أطروحاتهم حتى في الحركات الاحتجاجية المناهضة للرأسمالية أو الانتماء إليهم كما كان عليه الأمر خلال قرن من الزمن...
 
ومن المفارقات أن هذا البحث عن الذات وعن الشرعية المجتمعية خارج الحدود، قد قاد شيوعيي أوروبا إلى الانتقال من مناهضة الإمبريالية إلى تبني منطق الوصاية الاستعمارية لاشعوريا، وعندما يحدثك أحدهم، فإنه يمكنك الاستنتاج بسرعة أنه يشعر أنه نوع من المبشّرين الجدد الذين يتعالون على المتخلفين المتأخرين المحتاجين إلى أوروبي أبيض ليرشدهم إلى طريق الخلاص. هذا ما يفسر موقفهم المعادي لوحدتنا الترابية ودعمهم للنزعة القبلية المتخلفة التي تسيطر وسط انفصاليي بوليساريو، وأيضا لحركات انفصالية أخرى في أفريقيا وغيرها، وهذا عندما يكون المحرك إيديولوجيا وليست له صلة بالفساد والرشوة، وهو ما يفسر التقاءهم مع أنظمة دكتاتورية أو استبدادية تزعم أنها تمانع، بينما تمثل ممانعتها، إن وجدت فعلا، غطاء سحابيا للقمع والنهب الممنهج للثروات، الذي ينتهي عائده في حسابات بنكية غربية أو استثمارات طفيلية...
 
أما بعض شيوعيي آخر الزمان في العالم العربي، ومنهم حزب العمال التونسي، فإنهم يقومون بعمليات كوبيي كولي كأي كسول، مع افتراض أن عداءهم للوحدة الترابية للمغرب غير مؤدى عنه، والجميع يعرف أن النظام الجزائري يهدر موارد الجزائر وشعبها في الرشاوي...
 
كاتب وإعلامي واقتصادي