من الكفيل الآن؟ العثماني والبيجيدي كفيل حقيقي لعلبة المال وهو تحت سلطة أصحاب المال والأمن والداخلية
الكاتب :
د. سعيد جعفر
سعيد جعفر
أعرف جيدا ماكينة صنع الرأي العام عند البيجيدي. أعرفها عن قرب إذ تلقيت صحبة مهندسيها وخبرائها نفس التكوينات في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، والمعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI)، وحتى برامج معهد كارينجي، التي تلقت فيها قيادات البيجيدي، وعلى رأسهم وزير الاتصال الأسبق مصطفى الخلفي، نزلت برامجه من موقعه الرسمي، وفحصتها فحصا وأعرفها جيدا.
تقوم جزء من خطة صناعة الرأي العام عند حزب العدالة والتنمية على وضع الخصوم في الزاوية الضيقة بالتركيز على نقط ضعفها الأخلاقية والإيديولوجية.
وكل من يتذكر خطاب بنكيران وزمرته، في خمس سنوات الماضية، سيتذكر أنهم توجهوا الى الذمة المالية لإلياس العماري وحميد شباط، وإلى الولادة القيصرية للبام. وما زال حامي الدين والتليدي يلعبان هذه الورقة.
في العلاقة بالاتحاد الاشتراكي، تم اللعب بورقتين: الاتحاد التاريخي/ الاتحاد الحالي، ثم اتحاد لشكر/ اتحاد الزايدي، وقد ساعدهم كثيرون في نجاح هذه الورقة عندما اصطفوا بجانب البيجيدي.
مع مشاورات حكومة بنكيران الثانية، أنتج خبراء البيجيدي خطة جديدة لإضعاف التجمع الوطني للأحرار، الخصم الانتخابي والإداري والمالي الحقيقي للبيجيدي، عبر حرمانه من الخبرة السياسية، التي يفتقدها أخنوش وفريقه.
كان واضحا أن الحزب في التقارب السياسي الجديد بين التجمع والحركة والدستوري والاتحاد هو هذا الأخير أي الاتحاد. فالاتحاد حزب سياسي وقوة اقتراحية ويمكن لأي اتحادي واتحادية، قياسا على طبيعة تكوينه وانخراطه السياسي، أن تكون قراءته ومقترحاته مبدعة جدا.
وفعلا فمقترحات الحزب في هذه المرحلة كانت مربكة للبيجيدي وقيادته، مجرد اقتراح عضو من الاتحاد وتحقيق تحالف حوله كان ضربة قوية لبنكيران وفريقه.
الذي اقترح هذا المقترح كان يعرف أن اول ضحاياه لن يكون بنكيران، بل حلفاء بنكيران، وهذا ما حدث مع شباط الذي "زلق"، وهو يزايد من أجل المنصب، وسيربك بنكيران أكثر.
الاتحاد لم يكن مطروحا للمنصب لأن عدد مقاعده لا يتجاوز 20 مقعدا، لكن كان يمكن أن يكون ورقة سياسية لإضعاف البيجيدي في السنوات القادمة، لأن 2016 لم تكن مجرد سنة انتخابات وحكومة، كانت سنة بداية إعادة التوازن السياسي في المملكة بعد ما حدث في 2011، وبعد أدوار السفارة الأمريكية في الرباط وفي عواصم عربية أخرى.
كان من المفترض أن يستمر تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد 30 سنة، وكان الإسلاميون هم وكلاء التنفيذ كل هذه المدة، وهو ما يعني نهاية اليسار وضعف شديد لليبراليين.
حدث هذا في إيران ومصر والأردن ولبنان والسودان... ولكنه لن يحدث في المغرب. أبدا لن يحدث.
في تلك المرحلة كانت الانتخابات انتهت، وبالتالي لم يعد التنافس انتخابيا، و لم تكن هناك أزمة مالية أو اقتصادية لكي يكون التنافس ماليا واقتصاديا.
في تلك المرحلة كان التدافع من أجل تشكيل الحكومة، ولذا كان الصراع سياسيا. وهذا ملعب الاتحاد وليس ملعب البيجيدي، فقد خبره الاتحاد منذ 1959 والبيجيدي لم يبدأه إلا في 1996.
وكان بنكيران وخبراؤه يعرفون هذا جيدا. وفعلا فبعض لحظات عفوية بنكيران تكون غير محسوبة، فقد سبق له أن احتاج للاتحاد "باش يسخّن كتافو"، وعندما دفع بفتح الله ولعلو لعمودية الرباط قال "نريد أن نتعلم من الاتحاد".
كان بنكيران وخبراؤه يعرفون جيدا أن تسلح التجمع والحركة والدستوري بخبرة الاتحاد السياسية ستهزمهم، لهذا حاولوا صنع رأي عام ضد الاتحاد من أجل تفكيك التحالف، تُرك لتوفيق بوعشرين و"أخبار اليوم" تصريفه إعلاميا، ولبنكيران وفريقه تصريفه سياسيا، وتُرك للمؤلفة قلوبهم، وعلى رأسهم عبد الصمد بلكبير، مهمة تفجير الموقف الاتحادي من الداخل عبر تغليط الاتحاديين والاتحاديات.
وحتى لو لم يكن لشكر والمالكي من يقودان التحالف مع التجمع والدستوري والحركة، وحتى ولو كان الزايدي رحمه الله نفسه، أو كان ولعلو، أو أي أحد آخر، كان البيجيدي سيتصرف بنفس المنطق، لأنه لا يريد لأي أحد أن يقف في طريق هدفه الذي رسمه منذ تأسيس الشبيبة الإسلامية ثم الجماعة الإسلامية ثم التوحيد والإصلاح وصولا للذراع السياسي للحركة وهو طائفة العدالة والتنمية.
ضمن هذا السياق أنتجت علبة صناعة الرأي العام التي يقودها العمراني الخلفي والمدني خطة الكفيل وكانت مدروسة.
فعبارة الكفيل بالضبط لن يقبلها الاتحاديون لكيميائهم الثورية وتاريخ صراعهم ضد القصر وضد التبعية، كان الهدف هو ألا ينتبهوا إلى أن الأمر يتعلق بتقارب تكتيكي سياسي مشروع، ولهذا أخرج الحليف نبيل بنعبد الله آنذاك ليلعب ورقة الكتلة ويزيد في إحراج قيادة الاتحاد تجاه قواعدها.
وتعرف هذه العلبة أن جزءا من الرأي العام في المنظمات والجمعيات وغيرها ما زال اتحادي الهوى، ولهذا فالمزيد من الإحراج جيد لإضعاف خطة إضعاف البيجيدي.
لنلاحظ كذلك أن بنكيران نفسه استعمل عبارة الكفيل في صراعه مع البام عبر واجهة الرياضة، وما زال هذا الوصف ساريا على رئيس الوداد البيضاوي.
الآن بعد أربع سنوات من المرحلة ماذا خسر البيجيدي؟
خسر البيجيدي واحدا من عناصر قوته هو بنكيران، فلا هو رئيس حكومة ولا أمين عام الحزب ولا هو حر سياسيا. لقد فرضت عليه عزلة سياسية قاسية كان واجبا أن تطرح نتيجة الفظاعات التي ارتكبها في حق الشعب.
خسر البيجيدي جزءا من مناعته بعد قبوله استبعاد بنكيران وتولية العثماني. هذا الأخير يقاسي في الحكومة، وكل يوم يأكل من رصيد البيجيدي، وإلى غاية أمس تحول إلى "جفاف" حقيقي بعدما أصدر قرار إغلاق 8 مدن...
كل هذا من أجل عيد الأضحى.
العثماني والبيجيدي اليوم كفيل حقيقي لعلبة المال بالمغرب، وهو تحت سلطة أصحاب المال وأصحاب الأمن والداخلية...
هذا هو الكفيل الحقيقي؟
رئيس مركز التحولات المجتمعية والقيم في المغرب وحوض المتوسط