الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. بوتين والإرث السوفياتي والغرب والخبث السياسي
الكاتب :
محمد نجيب كومينة
محمد نجيب كومينة
الحرب الجارية في أوكرانيا أكبر من أن تختزل في حرب بين روسيا وأوكرانيا، هي حرب عالمية حقيقية تتداخل فيها حسابات جيوسياسية واستراتيجية واقتصادية واعتبارات تاريخية وغيرها، ومجالها الفعلي هو العالم وليس رقعة محدودة ومحددة جغرافيا.
الدول الغربية كانت على قدر كبير من الخبث السياسي والدهاء بحيث استطاعت أن تلعب على نفسية بوتين وأن تستفزه وتدفعه إلى القيام بخطوة غير محسوبة العواقب كي تسلط عليه عقوبات ستجعل روسيا عمليا خارج الاقتصاد العالمي، مع ما يعنيه ذلك من آثار كارثية اقتصادية واجتماعية ومالية ونقدية على مستوى روسيا، لأن العقوبات المقررة، بما فيها الاستبعاد من النظام العالمي للتحويلات البنكية سويفت، أسوأ من الحصار العسكري، ومن الصعب تصور أن أي دولة قد تغامر بالتحالف مع روسيا أو أن تجري معها معاملات بعملات غير الدولار والأورو والين، التي تمثل عملات أغلب المعاملات التجارية والمالية الدولية، دون أن تأخذ بالحسبان ما يتهدد تلك العملات وما يتهدد اقتصادها ككل. حتى الصين لن تستطيع ذلك، ولن تغامر بموقعها في الاقتصاد العالمي.
على عكس ما يراه البعض، فإن بوتين في ورطة، وهي ورطة وضع نفسه فيها عندما اتجه إلى إعادة روسيا إلى الموقع الذي كان للاتحاد السوفياتي، بدون الإيديولوجيا السوفياتية والمعسكر الإيديولوجي الداعم، إذ إن روسيا اليوم رأسمالية، وبدأ يتدخل في عدد من مناطق العالم بعيدا عن المجال التاريخي والجغرافي القريب بالقوة، كما حصل في سوريا، أو بتنظيم الانقلابات ووضع موالين، كما حصل في وسط إفريقيا ومالي، ودعم أنظمة معادية للولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية... إلخ، ونشر المرتزقة الروس (فاكنر).
فالأزمة الأوكرانية ليست معزولة عن كل هذا وغيره، وإن كانت أوكرانيا أكثر حيوية بالنسبة لروسيا، لأنها بمثابة الرأس كما وصفها لينين، وإلحاقها بالحلف الأطلسي يعني قطع الرأس.
الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يرغب في أي تغيير في التوازنات القائمة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، بل وحتى قبل ذلك، ولذلك، فإنه مستعد اليوم لكل شيء، وللأسوأ إن اقتضى الحال، وإن كان يميل إلى تحاشي الحرب مع الدول التي تملك السلاح النووي، وعلى رأسها روسيا..
ولكن وضع بوتين في الزاوية وخنق روسيا، ووضعها في موقف ضعف، قد تكون لها نتائج خطيرة، خصوصا وأن بوتين يقترب من باب الخروج ويمني النفس بترك بصمة خاصة في تاريخ روسيا كما يدل على ذلك خوضه في أمور تاريخية وانتقاده للقادة السوفيات...