الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بلاغ الأمين العام لمجلس بوعياش.. عندما تفوّض الرئيسة مهمّة التستّر على متهم بالتحرش الجنسي

 
عزيز إدمين
 
من داخل مؤسسة دستورية معنية بالحماية، إذ عوض الضرب تحت الحزام، وجب مناصرة المشتكيات والبحث عن الحقيقة، وتمتيع المشتكى به بضمانات المحاكمة العادلة، وعلى رأسها مبدأ قرينة البراءة.
في سابقة من نوعها، أصدر الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بلاغا بخصوص قضية إحالة المندوب الوزاري لحقوق الإنسان ملف مسؤول سابق، كمشتكى به، بالتحرش الجنسي على زميلاته في العمل على النيابة العامة، وهي سابقة لم يعهدها الجسم الحقوقي المغربي، حيث لم يصدر عن السيد منير بنصالح، منذ تعيينه في يوليوز 2019، أي بلاغ أو تصريح رسمي، باستثناء بعض المداخلات التي كان يقرأها عبر ورقة مكتوبة، حتى اعتقد الكثيرون أن مهمته ووظيفته كثاني مسؤول على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لا تتجاوز Retweeter على شبكة التويتر لأنشطة وتصريحات رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
قبل التفاعل مع بلاغ الأمين العام، لابد من إبداء ملاحظتين:
الأولى، حتى لا يقال إن مقدمة هذه المقالة فيها تحامل على رئيسة المجلس أو أمينه العام، فيكفي استقراء معطيين، الأول كون تاريخ المجلس الوطني لحقوق الإنسان بناه أيضا أمناؤه العامون السابقون، كالأستاذ محمد الصبار، والسيد المحجوب الهيبة، والراحل إدريس بنزكري، كل هؤلاء تركوا بصماتهم في المجلس وفي الحقل الحقوقي المغربي، مع العلم أن القوانين السابقة المؤطرة لعمل المجلس لم تكن تفتح لهم مجالات كثيرة للاشتغال، في مقابل القانون الحالي، الذي وسّع، بشكل كبير، من دور الأمين العام.
والمعطى الثاني، يتعلق بإعادة الهيكلة والتنظيم الإداري والمالي للمجلس، حيث "تسربت" إخبارية بخصوص الموضوع مؤرخة في 20 يناير 2022 تحت رقم SP/DA 007/22، وموقّعة من قبل أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبحكم أن الإخبارية موجهة إلى المدراء والأطر والأعوان، فكان "الأفضل" أن تكون موقّعة من قبل الأمين العام بتفويض )المادة 57 من القانون، الفقرة 1) ، لأنها من مهامه اليومية وليس الرئيسة، أما الإلحاق أو التوظيف فهو من اختصاص الرئيسة، وبالتالي فمن المفروض أن يكون البلاغ حول المشتكى به موقعًا من قبل الرئيسة وليس الأمين العام، مما يؤكد أن السيد منير بنصالح أوكلت له "مهمة" جديدة.
الملاحظة الثانية، تتعلق بالخلفيات وراء إخراج المندوب الوزاري لحقوق الإنسان لبلاغه، بتوقيته وأسبابه، في هذا السياق، فمن الموقع الحقوقي لا يحق التدخل أو الحكم على النوايا، بل يتم رصد الانتهاكات الحقوقية فقط، ولكل فاعل سياسي أو رسمي الحق الكامل في أن يحسّن موقعه أو يصفّي حساباته بالأدوات القانونية والمشروعة.
بخصوص بلاغ الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان:
 
أولا:
جاء في البلاغ أن الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بنى مضمون بلاغه على "الصلاحيات المخولة له بمقتضى القانون رقم 76-15، والنظام الداخلي الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6856".
إذا كانت لغة التحدي، لغة غير مقبولة في النقاش العمومي، وغير مؤدبة وليست لبقة، فاستعمالها للضرورة أحيانا يكون مفيدا، مما يدفع بالتحدي أن يقدم الأمين العام للمجلس مادة واحدة من القانون المنظم للمجلس أو نظامه الداخلي، تسمح له بإصدار هذا البلاغ.
فالذي وقّع العقد مع المشتكى به هي رئيسة المجلس، بمقتضى المادتين 62 و63 من القانون، والمادتين 4 و71 )الفقرة 2) من النظام الداخلي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وبالتالي، كان مفروض أن يصدر البلاغ بقوة القانون عن الرئيسة وليس الأمين العام، أو على الأقل الإشارة، في تقديم البلاغ، إلى أنه "في إطار تفويض الرئيسة، فإن الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بناء على الصلاحيات المخولة...".
 
ثانيا:
جاء في بلاغ الأمين العام "ولم يثر مسؤولو المندوبية الوزارية، في حينه، الأفعال المنسوبة للموظف ولا كونه كان أو قيد مسطرة بحث إداري لا أثناء جريان مسطرة الإلحاق ولا بعد استئنافه للعمل، إلى غاية صدور بلاغ يوم 8 فبراير 2022، بل إن ملفه الإداري تضمن تقييما "ممتازا" من طرف رؤسائه المباشرين بالمندوبية".
وهنا نقف على من قام بالتقييم؟
وفق قرار وزير الدولة السابق مصطفى الرميد رقم 3484.19 المؤرخ في 7 نونبر 2019 والصادر بالجريدة الرسمية في 9 دجنبر 2019، فقد تم تفويض السيد مراد حباد، باعتباره رئيس قسم الشؤون الإدارية والمالية، كل الصلاحيات الإدارية والمالية على المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان.
وفي هذه الحالة، فالتقييم الذي سماه السيد الأمين العام "الممتاز" يتحمل مسؤوليته شخصان لا ثالث لهما، المسؤولية السياسية الوزير السابق مصطفى الرميد، والمسؤولية الإدارية والجنائية الكاتب العام، الذي تحوم شكوك كثيرة، وفق مقالات نشرت مؤخرا، حول العلاقة التي تجمعه بالمشتكى به.
وللأسف، عوض تقديم أجوبة دقيقة للرأي العام، فضّل صائغ بلاغ الأمين العام الهروب إلى الأمام، وعدم تسمية الموقّع على الملف الإداري للمشتكى به.
 
ثالثا:
ورد في بلاغ الأمين العام "عدم الإفلات من العقاب، سواء بالنسبة للمتحرش أو بالنسبة للمتستر"، وهنا التستر يمتد من المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فمجرد نشر خبر ادعاء أو احتمال وجود تحرش جنسي بمكان العمل، ثم يضاف إليه أن الملف أصبح بيد القضاء، وأن عدد المشتكيات أربعة، وجب اتخاذ قرارات إدارية فورية في انتظار نتائج البحث القضائي.
مع توسيع تحمل المسؤوليات داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكون المجال الحقوقي المغربي صغيرًا جدا، ويكفي إجراء اتصال هاتفي أو شرب قهوة مع مسؤول لمعرفة كل ما يجري داخل أي قطاع وزاري أو مؤسسة رسمية، أما تذرّع صائغ بلاغ الأمين العام بأن "إدارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لم تتوصل، لحد الآن، بنسخة من نتائج البحث الإداري حول الموضوع المشار إليه في البلاغ"، فهو مجرد تغطية الشمس بالغربال، كما أن التقرير المشار إليه في البلاغ وثيقة إدارية داخلية لا يمكن تقاسمها مع أي جهة إدارية أخرى، باستثناء القضاء، مما يعزز ضعف "الصائغ" من القوانين.
 
ختاما:
بلاغ الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان هو نوع من الدفاع عن المشتكى به، أي امتداد للتستر عليه من داخل مؤسسة دستورية معنية بالحماية، إذ عوض الضرب تحت الحزام، وجب مناصرة المشتكيات والبحث عن الحقيقة، وتمتيع المشتكى به بضمانات المحاكمة العادلة، وعلى رأسها مبدأ قرينة البراءة.
مما يجعل المجلس أول المعنيين ببلاغه.
وأن لا تضاف إلى الأمين العام مهمة جديدة وهي الممسحة...
 
 
 
خبير حقوقي دولي مغربي مقيم في فرنسا