الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

المغرب ومجلس التعاون الخليجي.. انضمام كامل العضوية أم شراكة متقدمة؟

 
محمد أيت بوسلهام

أجمع المشاركون في ندوة فكرية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب بسلا، مساء اليوم الخميس 20 يناير 2022، على فكرة إحداث معهد متخصص في الدراسات المغربية الخليجية، من شأنه أن يتيح فهْمًا أكثر جدارة وعطاء ومردودية في تمتين وتطوير علاقات المغرب ودول الخليج...
 
رابط الندوة

هذه الفكرة، وردت في مداخلة محمد أيت بوسلهام، الباحث في العلاقات المغربية الخليجية ورئيس ملتقى الاستثمار المغربي الخليجي، خلال ندوة مؤسسة الفقيه التطواني، التي نُظّمت حول موضوع: "العلاقات المغربية الخليجية.. شراكة استراتيجية متعددة الجوانب"، والتي أطرها كل من أبوبكر لفقيه التطواني رئيس المؤسسة، وعبد الحق بلشكر مدير موقع "اليوم 24"، والتي شارك فيها، أيضا، كل من العربي الجعايدي، الباحث في مركز السياسات في مركز الجنوب الجديد، والموساوي الجعلاوي، الباحث في مركز أفريقيا والشرق الأوسط، وعبد الفتاح البلعمشي، أستاذ القانون في كلية الحقوق في مراكش...
هذه الفكرة، التي وردت في معرض النقاش، عقب مداخلة الباحث المغربي محمد أيت بوسلهام، جاءت في إطار مقاربة أيت بوسلهام لاستراتيجية العلاقات مع المغرب ودول الخليج، والتي طرح فيها مقترحات في غاية الأهمية، بنى فيها رؤيته لتلك الاستراتيجية على عدة محاور مدققة ومضبوطة، كل واحد منها يحتاج إلى ندوة قائمة الذات، حدّدها الباحث أيت بوسلهام في دعوته إلى إنشاء معهد للدراسات المغربية الخليجية، وتغيير الصورة النمطية عبر وسائل الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإحداث أقسام في الوزارات والمؤسسات الاقتصادية المغربية تعنى بالشأن الخليجي، واعتماد اللغة الإنجليزية، إضافة إلى العربية، في المنشورات الاقتصادية والاستثمارية المغربية الموجهة إلى المستثمرين الخليجيين، مع الدعوة إلى توظيف شبكة العلاقات الدولية للدول الخليجية لصالح وحدة المغرب الترابية...
كما تضمنت المداخلة التقديمية للباحث محمد أيت بوسلهام عدة أفكار وقضايا تكتسي أهمية كبيرة في مسيرة علاقات المغرب مع دول الخليج... وباعتبار أهمية هذه الأفكار المطروحة، التي تحتاج إلى الكثير من العناية والتفاعل والتداول، خصوصا في هذه الظرفية الدقيقة، التي تشهد مبادرات مغربية متنوعة ومتعددة لتدقيق العلاقات الدولية لمغرب اليوم، الذي ما عاد هو مغرب الأمس، أي التغيير في إطار استمرارية الثوابت المغربية بمبادئها الحضارية، نورد في ما يلي هذه المداخلة التقديمية...
 
 
 
مداخلة الباحث محمد أيت بوسلهام
 
أدت التطورات والتداعيات بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وتكسير جدار برلين إلى ظهور مفاهيم جديدة على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، ترتبط أساسا بظاهرة العولمة، وبروز تجمعات وتكتلات اقتصادية وتجارية حديثة إقليمية ودولية، والتي تجاوزت في معظمها الأهداف الاقتصادية لتشمل كافة مناحي الحياة المُعاصرة.

وقد أدت المصالح والأهداف المشتركة بين هذه الدول إلى إنشاء تكتلات مثل "الاتحاد الأوروبي"، و"منطقة التجارة الحرة آسيان"، و"منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية"...

وفي العالم العربي، تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 25 مايو 1981 خلال القمة الخليجية المُنعقدة بأبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. وكانت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، التي شدّدت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون في ما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية.

ورغم أن مجلس التعاون الخليجي ظل يُحافظ على طابعه الإقليمي، باستثناء انفتاح محدود في بعض القطاعات على العراق واليمن، فإن أحداث الربيع العربي، التي انطلقت نهاية 2010 وبداية عام 2011، أبانت عن الحاجة المُلحة لتعزيز التكتل الخليجي المغربي في إطار المنظومة العربية لتعزيز الاستقرار والتعاون الاقتصادي والتجاري بين هذه الدول، وتحقيق توسع ذكي وبراغماتي من الناحيتين السياسية والاقتصادية...

ومن هذا المُنطلق، وجّه قادة دول مجلس التعاون الخليجي في 10 مايو 2011 في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، الدعوة إلى المملكة المغربية للانضمام إلى المجلس، ورحبوا بطلب الأردن بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.

وقال الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني، إنه "وتماشيا مع النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وميثاق جامعة الدول العربية.. وبُناء على طلب المملكة الأردنية الهاشمية الانضمام إلى المجلس، فقد رحب قادة دول المجلس بهذا الطلب"، وفي الجانب المغربي، قال البيان "وبناء على اتصال مع المملكة المغربية ودعوتها للانضمام، فقد فوّض المجلس الأعلى المجلس الوزاري لدعوة وزير خارجية المملكة المغربية للدخول في مفاوضات لاستكمال الإجراءات اللازمة لذلك".

وردت المملكة المغربية ببيان رحبت فيه بالدعوة للانضمام لمجلس التعاون الخليجي وأشادت بالعلاقات الأخوية المغربية ـ الخليجية وبروح التضامن بين الجانبين، وعبرت عن استعدادها الكامل لإجراء مشاورات معمقة مع مجلس التعاون الخليجي لوضع إطار للتعاون الأمثل مع هذه المنطقة المهمة في العالم العربي الإسلامي، وأكدت تمسك المغرب ببناء اتحاد المغرب العربي باعتباره خيارا استراتيجيا أساسيا للأمة المغربية.

منذ توجيه الدعوة الخليجية إلى المغرب للانضمام لمجلس التعاون الخليجي عام 2011 إلى الآن تحققت الكثير من المكتسبات بين الجانبين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتم إنشاء لجان مشتركة خليجية ـ مغربية في مختلف القطاعات لتفعيل التعاون الأمثل بين الجانبين. لكنه في الواقع لم يعد النقاش مطروحا حول الانضمام كامل العضوية بل اصبح التركيز اساسا على الشراكة الخليجية المغربية.

إن التكتل الإقليمي الخليجي المغربي، رغم البُعد الجغرافي، ستكون له انعكاسات إيجابية على التعاون الاقتصادي والتجاري العربي ـ العربي. وقد أثبتت هذه الشراكة، منذ إعطاء انطلاقتها عام 2011، نجاحاتها في عدة مجالات، منها على وجه الخصوص رفع مستوى الدعم السياسي للقضايا السياسية ذات الأولية للمغرب وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، الشيء الذي أكد عليه قادة دول مجلس التعاون الخليجي بمساندتهم المطلقة للوحدة الترابية للمغرب، ورفض أي مساس بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو ما أشاد به جلالة الملك محمد السادس في اتصالات مباشرة مع القادة الخلبجيين.

وبالمقابل، أكد المغرب وقوفه الدائم إلى جانب الدول الخليجية في تعزيز أمنها واستقرارها ورفض أي مساس بالأمن القومي الخليجي، خصوصا ما يرتبط بالتهديدات الإيرانية لدول المنطقة إلى درجة جعلت المغرب يقطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، كما أن المغرب تعامل بحزم مع اعتداءات ميليشيات الحوثيين ضد الأراضي الإماراتية والسعودية، واستنكرت المملكة بشدة ما تعرضت لها أبوظبي من اعتداءات باستعمال الطائرات المسيّرة من طرف الحوثيين، وعبّر المغرب عن تضامنه مع دولة الإمارات ووقوفه ضد هذه التهديدات، وهذا ليس بغريب على المغاربة الذين انضمّوا إلى القوات الخلبجية في مواجهة الغزو العراقي وشاركوا في قوات التحالف العربي لإعادة الشرعية إلى اليمن.

ومن الانعكاسات الاقتصادية لهذه الشراكة هو تقديم منحة خليجية للمغرب بـ5 ملايير دولار بمساهمة أربع دول (الإمارات والسعودية وقطر والكويت) لتمويل مشاريع إنمائية في المرحلة الأولى، بينما كان من المتوقع تقديم منحة مماثلة في المرحلة الثانية مازالت لم ترَ طريقها إلى الوجود، بالإضافة إلى إطلاق صناديق استثمارية مثل إنشاء صندوق وصال كابيتال عبر شراكة بين مؤسسات تتبع الصناديق السيادية في قطر والإمارات والكويت، فضلاً عن المغرب، بهدف استثمار ما بين 2.5 و4 ملايير دولار في المشاريع السياحية في أرجاء المملكة المغربية. والمؤسسات المعنية تشمل قطر القابضة وآبار للاستثمار التابعة لصندوق (أبو ظبي) وصندوق الأجيال الكويتي والصندوق المغربي للتنمية السياحية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن المَعارض والمؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية التي تظمت بين الجانبين ساهمت في الانفتاح على رجال الأعمال المغاربة والخليجيين، وإطلاق مشاريع في قطاعات مختلفة، ولم تعد الاستثمارات الخليجية تقتصر على القطاعين العقاري والسياحي، بل تمتد إلى قطاعات الطاقة والطاقات المتجددة والصناعات الغذائية والزراعة والاتصالات، إلى درجة أصبحت الاستثمارات الخليجية، وعلى رأسها الاستثمارات الإماراتية، تحتل المرتبة الثانية على صعيد الاستثمارات الخارجية في المغرب، باستثمار يفوق 30 مليار دولار. بينما تضاعفت المبادلات التجارية بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي ثلاث مرات وتجاوزت 3 ملايير دولار.

إن الشراكة المتقدمة بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي من شأنها تعزيز دور هذا التكتل العربي على الصعيد الدولي بحكم الموقع الاستراتيجي للمملكة وعضويتها في عدد من التكتلات الإقليمية والدولية (حركة عدم الانحياز ـ الاتحاد الإفريقي ـ منظمة التعاون الإسلامي ـ الشراكة المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي...). وبالتالي، فإن هذا التكتل سيُساعد على الاستفادة من المزايا التي تتوفر لدى الطرفين الخليجي والمغربي، أخذا بعين الاعتبار اتفاقيات التبادل الحر التي وقّعها الجانبان مع الدول الكبرى والتكتلات الإقليمية والدولية.

إن الشراكة المتقدمة المغربية الخليجية تكتسي أهمية بالغة من خلال تزايد الحاجة الماسة في العالم العربي لبناء التكتلات، التي من شأنها تعزيز التعاون العربي ـ العربي، وتجاوز حالة الانقسام والخلافات العربية ـ العربية، التي تنعكس سلبا على الاقتصاد والتجارة بين الدول العربية، خصوصا أننا نعيش في عالم معولم يسير نحو بناء تكتلات قوية تتحكم في الاقتصاد العالمي.

وختاما، فإن الآمال ستظل معلقة على الشراكة المغربية الخليجية لتحقيق مزيد من التضامن والتنسيق السياسي وإنشاء منطقة حرة مشتركة بين الجانبين وإطلاق صناديق استثمارية مغربية خليجية لدعم الأمن الغذائي والطاقات المتجددة والصناعة وتعزيز التعاون في مجال التصنيع العسكري، وإنشاء مجلس أعلى مغربي خليجي برئاسة قادة هذه الدول لرسم خارطة طريق مستقبل العلاقات المغربية الخليجية...
 
 
باحث في العلاقات المغربية الخليجية ورئيس ملتقى الاستثمار المغربي الخليجي