إلى مهندسي مسيرات ولد زروال الجديدة.. رجاء لا تقدموا هدايا جديدة للبيجيدي
الكاتب :
د. سعيد جعفر
سعيد جعفر
أحزاب كثيرة اليوم تقدم هدايا مجانية للبيجيدي. نقط ضعف البيجيدي اليوم كثيرة، ويجب التركيز عليها وحدها وليس غيرها. في التدافع مع البيجيدي يجب القيام بما يشبه "معركة الضربات الفاصلة"، بعيدا عن واقعة "مِكرٍّ مِفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معًا"، التي يفهمونها جيدا، ويلعبونها "صح"، الضربات الفاصلة تضي إلى الهدف مباشرة، بكل دقة ويقظة، تتبع ملف بملف، وخطأ بخطأ، وسقطة بسقطة.
التدافع مع البيجيدي ليس نزوة قد تأتيك في مكتب مكيّف، أو في سيارة خدمة، ففي هذه الحالة الهزيمة مؤكدة، ومظاهرُها ظاهرةٌ اليوم للعيان: التسلل إلى مختلف مراكز القرار، بل والتسلل حتى إلى أسماء الشوارع والساحات. التدافع مع البيجيدي معركة دقيقة تحتاج فَهْما عميقا لبنية البيجيدي وأماكن خطئه وحدود قراءاته لنتائج مخططاته.
البيجيدي يخطئ في شيئين اثنين، يخطئ أفراده شخصيا، وهذه معركة مربوحة، ويخطئ في القرارات التي يفرضها ولاؤه الإيديولوجي.
يَصحّ في حق البيجيدي المثل الإنجليزي "لا يُنصح أن تصارع خنزيرا يفرح هو وتتسخ أنت"...
كثيرون اليوم في كل الأحزاب تقريبا يصارعون البيجيدي فيتسخون هم ويخرج هو سعيدا.
آخر أربع نقط خسرها البيجيدي هي:
- فضيحة يتيم وماء العينين
- فضيحة الرميد وأمكراز
- فضيحة رابطة التعليم الخاص
- فضيحة مساندة تركيا تجاريا ضد المغرب.
في هذه المعارك الأربع، خسر البيجيدي جزءا من الرأي العام وجزءا من المتعاطفين. ربما خسر حوالي 150 ألف صوت من العاطفين. لمن يضبط حسابات التصويت يمكنه أن يعود لتحليل توجهات الرأي العام، الذي تعكسه نقط التقاء الناس البسطاء في حوانيت البقالة والمقاهي وأبواب المساجد والسويقات... هؤلاء الذين شكلوا قوة دعم إضافية لمرشحي البيجيدي اليوم يعلنون غضبهم من البيجيدي، ليس لقراراتهم في الحكومة. فقد اتخذوا قرارات أسوأ مع بنكيران وتم إعادة انتخابهم. هؤلاء غاضبون منهم ويتوعدونهم بعدم التصويت عليهم لنفاقهم.
لننتبه لكلمة نفاق، فهي مهمة عند شعب محافظ كالمغاربة، فالمغربي له حساسية خاصة من الدين ومن النفاق، ويمكنك أن تمس خبزه اليومي، لكن لا يمكنك أن تضحك عليه أو تستغفله. المغربي "تجيه نيشان تديه بحوايجو".. هذه تربيتنا.. لكن "تشمتو، مشيتي فيها"، لن يغفر لك، وفي الوقت المناسب سيحاسبك حسابا عسيرا.. هاذو هوما المغاربة... والبيجيدي عرف كيفاش يديهم بحوايجهم.. لكن بعض أخطائه المرتكبة، هي من قبيل "الشمتة"!
هذا ما حدث للبيجيدي من خلال سلوكات مرشحيه وممثليه. حتى بنكيران الذي نجح في إقناع البسطاء ببلع قرارات مؤلمة جدا على أساس أن التقاعد والمقاصة والكهرباء، مثلا، كانت ضرورية لإنقاذ الاقتصاد الوطني، لم يستطع إقناع الناس بما صدر عن يتيم وماء العينين، بل لم يقنع جزءا من حزبه...
ورغم أن لجنة الاخلاقيات حاولت إيجاد مخرج للرميد وأمكراز، فإنها لم تقنع الرأي العام.
نقطة ضعف البيجيدي هي منطلق قوتهم، وهي الخطاب الأخلاقوي وخدمة الملك. وإذا وقع التركيز على فضح كذب هاتين الركيزتين، سينهار تبعا لذلك كل البناء.
الذين يهندسون عبر إسقاط البيجيدي بالكاو بمسيرات ولد زروال الثقافية والسياسية والإعلامية، لا يعرفون أبدا السياسة. منهم صبيان سياسيون وأعمارهم قصيرة جدا في السياسة، ومنهم من هو فقط يغشى السياسة ولا يعرف منها إلا بضع أبجديات فانتقل مباشرة للتقرير والهندسة فيها.
في عز أزمة تصريحات شباط حول موريتانيا كانت لي معه جلسة بدعوة من مؤسسة علال الفاسي حيث كنا نعد سلسلة ندوات وورشات كخبير في المسألة الدينية. قلت لشباط، وللإشارة هو رجل آفاقي شجاع، لكنه يعتمد قنوات خاصة لاستجماع معطياته وما يقوله سياسيا: "تصريحاتك ومواقفك فيها منحنيات حادة". ابتسم كنقابي أكثر منه سياسيا قائلا: "المسؤول السياسي غالبا يصرّف آراء مختلفة لفريق عمله فتختلف الإيقاعات".
كنت في تلك اللحظة أتخيل وجوها من هذا الفريق، بعضها كان ما زال غرا سياسيا، والصورة غير واضحة له، ومنهم من كانت الحماسة تأخذه أكثر من وقع الكلمات.
رجاء، في هذه المرحلة، التي تسبق الانتخابات، لا تعطوا هدايا للبيجيدي، وعوّلوا على مستشارين حكماء ورْزينينْ وفاهْمينْ مزيان ذهنية الإسلاميين، وليس مستشارين الصورة أمامهم مضببة ووردية في نفس الآن. ويمكن، في هذا الصدد، الالتفات إلى ما يصدر عن التجمع هذه الأيام تجاه البيجيدي، مضحك ومؤلم ومبكٍ. أحزاب أخرى ترتكب نفس الأخطاء.
ما تبقى قبل الانتخابات شبيه باللحظات النفسية في المباريات الكبيرة، لا يفوز بها اللاعبون، يفوز بها المدرب وفريقه التقني. المدربون الممرسون والمحاطون بمساعدين مجربين هم من يفوزون غالبا بهذه المباريات، هم من يعتلون المنصة، ويتركون لمن تبقى "التوش"...
رئيس مركز التحولات المجتمعية والقيم في المغرب وحوض المتوسط