الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الإخوان والسلطة صراع من أجل لا شيء.. من مصر إلى تونس.. قصة البداية والنهاية

 
عبد النبي الشراط
 
كاتب السّطور التالية كان ضمن قافلة الإخوان في يوم، في شهر، في سنوات...
 
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان صوت الحركات الإسلامية مرتفعا جدا، وسرت في البلاد الإسلامية موجة من الشباب المتدين، الذي لا يعرف من الدّين إلا كلمتين: حرام/ لا يجوز...
 
كاتب المقال كان ضمن قافلة الإخوان في سنوات خاليات.. وكان الشباب المتدين، لا يعرف من الدّين إلا: حرام/ لا يجوز... فعشنا على أنغام هذا المصطلح سنوات، كل شيء حرام، وكل شيء لا يجوز، وكان الشيء الوحيد الذي يجوز هو أن تطلق لحيتك إذا كنت ذكرا، وتغطي رأسك إذا كنت أنثى.. وما عدا ذلك حرام في حرام
 
عشنا على أنغام هذا المصطلح سنوات؛ كل شيء حرام، وكل شيء لا يجوز، وكان الشيء الوحيد الذي يجوز هو أن تطلق لحيتك إذا كنت ذكرا، وتغطي رأسك إذا كنت أنثى.. وما عدا ذلك حرام في حرام..
 
كانت مرجعياتنا الدينية والسياسية هي عقيدة الإخوان المسلمين التي كانت الرياح تأتينا بها من مصر عبر كتب الإخوان وأشرطة التسجيل، وكدنا نحفظ عن ظهر قلب كتب سيد قطب وشقيقه محمد قطب، وهذا الأخير كان يعيش في المملكة العربية السعودية، (معالم في الطريق، العدالة الاجتماعية في الإسلام، التصوير الفني في القرآن الكريم، وسواها من كتب سيد بالإضافة إلى كتابه الشهير: في ظلال القرآن)...
 
لم تكن للحركة الإسلامية المغربية أية مرجعية خاصة بها، يعني إسلام حركي مغربي (مافيهش)، أما حسن البنا فكان ضمن مقدساتنا، وقد قرأنا الكثير عن (بركاته ومعجزاته) التي كانت أحيانا تفوق معجزات الأنبياء.
 
حين انهارت الشبيبة الإسلامية وغادر قادتها البلاد بعد جريمة اغتيال الزعيم الاتحادي عمر بنجلون، وجدها الشيخ ياسين فرصة كي ينفرد بالدعوة داخل مملكة يقودها أمير المؤمنين، لكن ظهرت جماعة أخرى قيل إنها انشقت عن الشبيبة الإسلامية تدعى (الجماعة الإسلامية) يقودها شخص مغمور آنذاك اسمه عبد الإله بنكيران
 
وبالرغم من أن حركة الشبيبة الإسلامية كانت أول حركة إسلامية سياسية مغربية، فإنها بدورها كانت تعتمد على أدبيات الإخوان في مصر.. وفجأة طفا على السطح الشيخ عبد السلام ياسين، الذي رفض التعاون مع عبد الكريم مطيع مؤسس الشبيبة الإسلامية، حيث أسس بدوره حركة إسلامية سياسية تدعى (أسرة الجماعة)، تحولت لاحقا إلى (العدل والإحسان)...
 
حاول الشيخ ياسين أن يصنع حركة إسلامية مستقلة عن المشرق العربي معتمدا على مؤلفاته، التي كان أشهرها آنذاك: (الإسلام غدا، والإسلام بين الدعوة والدولة)، وحين انهارت الشبيبة الإسلامية وغادر قادتها البلاد بعد جريمة اغتيال الزعيم الاتحادي عمر بن جلون سنة 1975، وجدها ياسين فرصة كي ينفرد بالدعوة داخل مملكة يقودها أمير المؤمنين، لكن ظهرت جماعة أخرى قيل لنا إنها انشقت عن الشبيبة الإسلامية بعد جريمة الاغتيال، وكانت هذه الجماعة تدعى: ( الجماعة الإسلامية) يقودها شخص مغمور آنذاك اسمه عبد الإله بن كيران.
 
وفي تونس كانت حركة الاتجاه الإسلامي بقيادة السيد راشد الغنوشي، وهي التي تحوّلت لاحقا إلى ما يعرف الآن بحزب حركة النهضة، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن أدبيات الاتجاه الإسلامي التونسية كانت فارضة نفسها على الجماعة الإسلامية، وتحديدا كتابات الغنوشي.
 
-- في مصر كان هدف الإخوان هو الاستيلاء على الحكم بأي طريقة، لكن بصعود ثورة يوليو بقيادة عبد الناصر تبخرت أحلام الإخوان وزجّ بهم في السجون والمعتقلات بعدما تأكد للقيادة المصرية الجديدة حينئذ أن الحركة قامت بدعم بريطاني محض على غرار حركة محمد بن عبد الوهاب في الحجاز، وانتهى حلم الإخوان الأول في الوصول إلى السلطة، لكن مع مجيء أنور السادات تغيرت الأوضاع وتم الإفراج عن الإخوان بقرار رئاسي، لكن هؤلاء الإخوان هم من قتلوا السادات لاحقا..
 
حينما قامت انتفاضة 2011 في مصر، كان أول من استغلها الإخوان، وكان أول عمل قاموا به هو الهجوم على السجون وإخراج أنصارهم بالقوة وكان ضمنهم محمد مرسي الذي اعتلى سدة الحكم لأول مرة باسم الإخوان، وبدأت تصفية الحسابات مع الخصوم، ولأن الإخوان يفتقدون لبرنامج سياسي واقتصادي واضح، فقد تركوا الشعب يموت جوعا وتفرغوا للكلام على منصات الحكم إلى أن طردهم الشعب
 
وفي عهد الرئيس مبارك استمر الشد والجذب بين أجهزة الحكم وبين الإخوان، وحينما قامت انتفاضة شعبية سنة 2011، كان أول من استغلها الإخوان، وكان أول عمل قاموا به هو الهجوم على السجون وإخراج أنصارهم منها بالقوة وكان ضمنهم محمد مرسي الذي اعتلى سدة الحكم لأول مرة باسم الإخوان في مصر، وبدأت تصفية الحسابات مع الخصوم السابقين، ولأن الإخوان يفتقدون لبرنامج سياسي واقتصادي واضح، فقد تركوا الشعب يموت جوعا وتفرغوا للكلام على منصات الحكم متوعدين أنصار النظام السابق بالويل والثبور... لكن الشعب المصري كان لهم بالمرصاد، لقد قام الشعب بثورة من أجل محاربة الفساد ومن أجل أن يحصل الشعب المصري على حقوقه، لا أن يتفرج على الخطب العصماء للرئيس الإخواني ووعيده لخصومه وترهيبه لهم، فكانت ثورة ثانية مجيدة أطاحت بنظامهم الفاشل وتحمل مسؤولية قيادة الشعب رجل من داخل الجيش المصري، أعاد لمصر هيبتها، فما كان من الشعب إلا أن صفق له، وها هو عبد الفتاح السيسي رئيس مصر يقود بلده نحو التقدم والازدهار، لكن في صمت وبلا ضجيج...
 
-- وكما حصل في مصر، حيث ركب الإخوان على انتفاضة الشعب، ركب إخوان تونس على انتفاضة الشعب التونسي ووصلوا إلى الحكم بالخديعة والالتواء والتحايل، وبمقارنة بين ما جرى هنا وهناك، فقد تحمل التونسيون أكثر، فصبروا على زمن حكم النهضة الجائر وتحملوا الكثير من المعاناة، ومرت المرحلة الأولى بما يشبه الهدوء، في الوقت الذي كانت قيادات النهضة لا تفكر في إصلاح الأوضاع ولا في تنمية البلد، وإنما أول إنجاز قاموا به هو تأسيس هيئة شبيهة بما جرى عندنا في المغرب وبواسطة هذه الهيئة أرادوا أن يسرقوا ثروة التونسيين عبر يافطة التعويضات التي تفوق أكثر من مليار دولار أمريكي.
 
وضعوا على رأس الدولة في عهدهم شخص لا يتقن فن الحكم فاستغلوا عدم تجربته فأصبح خادما لهم وليس للدولة والشعب..
 
تجربة السبسي لم تستمر طويلا.. وجاءت انتخابات ثانية حصلوا فيها على ربع الأصوات التي كانوا قد حصلوا عليها في الانتخابات الأولى، وهذا يعني أن دورهم بدأ يتقلص.. وبحكم تحالفهم مع بعض الأحزاب، تمكنوا من الحصول على رئاسة مجلس النواب، ومن هنا بدأ شيخهم يتصرف كرئيس دولة مستغلا النظام الرئاسي البرلماني، حتى أن رئيس آخر حكومة (السيد هشام المشيشي) كان ضمن فريق ديوان الرئيس، الذي عينه وزيرا للداخلية ثم رئاسة الحكومة، لكن استقر المقام بالمشيشي في فلك النهضة، وراح ينفذ مخططاتها..
 
الرئيس قيس سعيد تعب من التنبيهات والتحذيرات.. ولا أحد سمع صوته، كانوا يعتبرونه رئيسا بلا رئاسة.. فوقعت الواقعة ليلة الخامس والعشرين من شهر يوليو/ تموز.. نفذ صبر الرئيس فمارس صلاحياته الدستورية.. وبما أن هم الإخوان هو الحكم والسلطة والتسلط، وعلى غرار ما جرى في مصر حيث أكد مرسي أكثر من مرة أنه لن يسمح لأحد بإبعاده عن السلطة ولو على جثته.. فتحقق له ذلك، وعلى دربه سار الغنوشي، حيث بمجرد إعلان رئيس تونس عن قراراته الجريئة، ذهب على الفور لمقر مجلس النواب، وكأنه اعتبر بناية المجلس التشريعي ملكا له.. لكن الجندي الذي كان ضمن رفاقه داخل سور المجلس لقّنه درسا من ثلاث كلمات، حين قال له الغنوشي: أنا أدافع عن المؤسسة الدستورية، فرد عليه الجندي الشهم بكلمات ثلاث: أنا أحمي الوطن...
 
ركب إخوان تونس على انتفاضة الشعب التونسي ووصلوا إلى الحكم بالخديعة والالتواء والتحايل، وتحمل التونسيون أكثر، فصبروا على زمن حكم حركة النهضة الجائر وتحملوا الكثير من المعاناة، ومن كذب الغنوشي الذي أصبح متمسكا بالسلطة وغارقا فيها حد النخاع إلى أن انتفض عليه الشعب ثم طرده الرئيس
 
الغنوشي هذا كذاب أشر.. خلال عودته من منفاه في لندن صرح وكتب بأنه سيعود لبلده فقط ليصلي بجامع الزيتونة، ولكي ينعم بهواء بلده، وأعلن أن لا رغبة له في أي منصب أو مسؤولية، لكنه غيّر رأيه بسرعة البرق وأصبح متمسكا بالسلطة وغارقا فيها حد النخاع.. وبينما كانت كل أطياف الشعب التونسي تحتفل في كافة شوارع الولايات بقرارات الرئيس قيس، كان الغنوشي مصرا على دخول المجلس دون أن يفهم أحد تمسكه بهذا الدخول إلى المجلس في منتصف الليل...
 
بعدها دعا راشد إلى تشكيل جبهة ضد الرئيس فلم يستجب له أحد.. فحركته نفسها عرفت وتعرف انقسامات متعددة حتى أن ثلثيها غير مؤيد له.. بمن في ذلك عدد من النواب والقيادات..
 
السؤال الأخير.. الغنوشي قاوم طيلة حياته، حسب ادعائه، الحكم الفردي ودعا ويدعو إلى التناوب على السلطة.. لكن لماذا لم يتخل هو (وقد بلغ من الكبر عتيا) عن منصب رئيس حركة النهضة؟
 
ألا يوجد غيره ليحتل مكانه؟
 
هو رئيس منذ عهد الاتجاه الإسلامي إلى الآن.. ثم نراه يتمسك برئاسته لمجلس النواب رغم تجميد نشاطه من قبل رئيس الدولة.. ترى لو كان رئيسا للجمهورية.. هل كان يقبل بالتناوب؟
 
السؤال مطروح على الذين ما زالوا يعتقدون أن الغنوشي فعلا رجل صالح للقيادة والحكم...
 
كاتب وإعلامي مغربي