الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مشروع نموذج تنموي جديد خارج الزمن الإعلامي

 
د. جمال المحافظ
 
ليست الغاية، هنا، الحديث عن مضامين مشروع النموذج التنموي الجديد أو التوقف عند مختلف محاوره ومفاصله، وذلك حتى لا نصاب بالتخمة، بدعوى أن وسائل الإعلام أوفت بالغرض وزادت فوق الواجب، وأكثر.
 
كما أن الهدف لا يتمثل في القيام برصد الإيجابيات التي أتى بها هذا المشروع الكبير، والتي قد تكون كثيرة، لكن سيتم التطرق إلى الجزء الفارغ من الكأس، انطلاقا من أن الصحافي -كما هو معروف في عالم صاحبة الجلالة في المجتمعات المتحضرة- ليست وظيفته الاهتمام بالقطارات التي تصل في مواعيدها، ولكن تلك التي لا تحترم المواعيد.
 
إذن ما هو موقع الإعلام في النموذج التنموي الجديد؟ وما العلاقة القائمة بين هذا النموذج ومشروع الهولدينغ الإعلامي الجديد؟ هل هناك اتصال أم انفصال بين النموذج التنموي الجديد ومشروع الهولدينغ؟
 
بداية أطرح خمس ملاحظات، تؤطر هذه المساهمة وهي:
 
أولا: نموذج تنموي خارج زمن الإعلام
ثانيا: هولدينغ إعلامي ونموذج تنموي، جزر معزولة
ثالثا: تركيز على النتائج وإهمال أسباب الفشل
رابعا: الحاجة لمخطط وطني شامل
خامسا: التغيير في الإعلام يحدث عبر مناهج بيداغوجية
 
فمشروع النموذج التنموي الجديد اقتصر فقط على إبراز أهمية دور الإعلام كـ"أداة للإخبار والنقاش العام، وتحيين السياسة العمومية للاتصال من أجل تحديد نطاق المرفق العام لوسائل الإعلام، وتحديد الحكامة وطرق التمويل التي يجب أن تسمح باعتماد نموذج اقتصادي، تتوفر له فرص الاستمرار، وأن يشكل إطارا فعالا للتعاون مع الحكومة واستقلالية التسيير، ومواكبة تحوله الرقمي، والتحفيز على الابتكار والجودة مع تقوية العرض الإعلامي الجهوي".
 
هذا ما كان نصيب الإعلام في نص تقرير النموذج التنموي الجديد، الذي اكتفى واضعوه في حصره ببضعة أسطر وجمل وعبارات فضفاضة. وكذلك لم يوضح المشروع، مع ذلك، الآليات والسبل الكفيلة بجعل الإعلام بالفعل، أداة للإخبار وفضاء يتيح الفرص لكافة الفاعلين والحساسيات للتعبير عن آرائها؟
 
وكيف تتحول وسائل الإعلام خاصة السمعية البصرية، إلى فضاء حقيقي للنقاش العمومي؟ كما لم يحدد النموذج التنموي الجديد مكامن الضعف القائم في السياسات العمومية في مجال الإعلام، وما هو المقصود مما طرحه بالحكامة والاستقلالية التحريرية، والجودة والعرض الإعلامي المنشود؟
 
وهكذا يلاحظ، بصفة عامة، أن مشروع النموذج التنموي الجديد، أهمل -كما هو شأن ما سبقه من مشاريع مشابهة- قضية الإعلام، في الوقت الذي أضحى هذا القطاع يشكل معادلة حاسمة في أي تطور مجتمعي مطلوب، على الرغم من أن كافة الأطراف تتفق، نظريا، على أهمية هذا الإعلام والاتصال في المرحلة الراهنة، خاصة في ظل الثورة الرقمية.
 
وهذا ما يجعل مشروع النموذج التنموي الجديد خارج إيقاع زمن الإعلام، الذي تحول، في المرحلة الراهنة، من سلطة رابعة إلى سلطة أولى، وبوظائف متنوعة.
 
وإذا كان مشروع النموذج التنموي الجديد، قُدم في 25 ماي الماضي، خلال الاستقبال الملكي لرئيس اللجنة المكلفة بإعداده، فالملاحظ أن مشروع الهولدينغ الإعلامي الجديد الهادف إلى الجمع بين شركة "صورياد دوزيم" و"ميدي 1 تيفي" تحت لواء الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، كشركة قابضة، قد تم تقديمه خلال اليوم ذاته، تحت عنوان "استراتيجية تنمية السمعي البصري العمومي الجديد"، أمام إحدى لجان مجلس النواب، وذلك في غياب تام لتنسيق واتصال ما بين هذا النموذج التنموى، ومشروع الهولدينغ، وكأن الإعلام جزيرة معزولة عن بقية القطاعات، مع غياب عنصري الملائمة والالتقائية ما بين التوجهات العامة التي يتطلبها بناء المشاريع من هذا الحجم.
 
فوسائل الإعلام، وإن رحبت، بما حفل به مشروع النموذج التنموي الجديد، بتخصيص حيز واسع احتفاء به والتحسيس بأهميته، فإنه على العكس من ذلك، لم يثر مشروع الهولدينغ الإعلامي الجديد، كثير اهتمام في الوقت الذي كان مشروعٌ من هذا الحجم يتطلب فتح نقاش عمومي حوله بمساهمة كافة الأطراف المعنية، وذلك للوقوف على مدى قدرة هذا المشروع على توفير معايير الجودة والمهنية والتنوع والتنافسية، وتدعيم قيم الديمقراطية والمواطنة والاستقلالية التحريرية، حسب ما التزم به واضعو هذا المشروع الحكومي.
 
وتحت عنوان "نص هادئ لمغرب يغلي"، جاء في افتتاحية إحدى الأسبوعيات الصادرة بالدارالبيضاء، أن تقرير النموذج التنموي الجديد "أريد له أن يكون سكانير حقيقي لأمراض بنيوية من أجل وصفة علاج جذرية، وليست تخفيفية أو تسكينية". إذن هل "حقق هذا (التقرير) المبتغى؟
 
وإن كان النموذج التنموي الجديد "لم يستطع الوصول إلى المطلب الملكي، برفع الحقيقة، فإنه قدم أفكارا جيدة"، وعلى رأسها الدولة القوية، والمجتمع القوي، والميثاق التنموي، وآلية المتابعة، ودعم الاقتصاد الاجتماعي"، على الرغم من تسجيل "احتشام في طرح مسائل جوهرية"، منها "الحسم في الاختيار الديمقراطي على الأرض، أو ما سبق أن سماه اليوسفي (...) بازدواجية الحكومة والدولة في المغرب"، كما يرى كاتب الافتتاحية.
 
من هذا المنطلق، فلجنة إعداد النموذج التنموي الجديد، وإن نجحت في التشخيص وتقديم البدائل لمغرب المستقبل، فإنها بالمقابل، لم تتمكن، لحد الآن، من تسويق عملها إعلاميا مهنيا وبالرهانات والتحديات التي يطرحها هذا المشروع الكبير، كما يرى البعض. وهذا ما يجعل الحاجة إلى مخطط وطني شامل بديل عن المخططات القطاعية، كما هو جاري به العمل حاليا، إذ يعود غياب الانسجام في المخططات، بالدرجة الأولى، إلى أن كل مخطط يحضر بشكل معزول عن باقي القطاعات، وهو ما يتطلب إعادة الاعتبار للمخطط الوطني الشامل.
 
وكما هو الشأن بالنسبة لواقع النموذج التنموي، الذى يتطلب تشخيصا صريحا وموضوعيا للواقع، فإن الإعلام بدوره في حاجة ماسة إلى مجهودات مضاعفة، حتى يكون في مستوى تطلعات وانتظارات الرأي العام، وضمان مواكبة إعلامية يقظة، تقطع بشكل نهائي مع أساليب الهواية والدعاية، وتتسلح بقواعد الاحتراف، والفاعلية والمسؤولية، وذلك من خلال تبني استراتيجية إعلامية مستقلة وذات مصداقية، تستند على ضوابط مهنية وأخلاقية واضحة المعالم، مع توفير المعلومات والمعطيات لنساء ورجال الإعلام، حتى تتمكن الصحافة من أداء رسالتها كاملة.
 
فالتغيير المنشود في الإعلام، يجب أن يحدث عبر مناهج بيداغوجية، وبواسطة الإقناع، وإقرار "إعلام الحقيقة"، الذي يتطلب الكف عن التنويم والتعتيم، ولغة الخشب، والتعامل مع المادة الخبرية، باعتبارها كل معطى يساعد الجمهور على التفاعل بكيفية واعية مع محيطه، كما كان يحث على ذلك المرحوم محمد العربي المساري، الذي استلهم منه رئيس لجنة مشروع النموذج التنموي الجديد شكيب بنموسى، في إحدى خرجاته الإعلامية الأخيرة، قولته الشهيرة، إن الأمر يتطلب تغيير العقليات. بيد أن التغيير، يتعين أن ينطلق من مصالحة المواطنات والمواطنين مع وسائل إعلامهم التي تزيد من أهميتها ما تؤكده التحولات المتسارعة على المستويين الوطني والدولي، ويزيد من ذلك الثورة الرقمية وما تطرحه من تحديات، والتأسيس لإعلام متحرر ديناميكي معانق للواقع مستشرفا للمستقبل.
 
____________________________________________________________
• مداخلة بالخزانة العلمية الصبيحية بسلا يوم 15 يوليوز 2021 في اطار جلسات التأمل لجمعية أبي رقراق
 
كاتب وإعلامي مغربي