الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الطريق الرابع.. طريق مقاومة الفشل

 
المصطفى المريزق
 
إن النقد الذي نوجهه اليوم لما تبقى من اليسار، يروم قول جزء من الحقيقة لمكوناته التي باتت غير قادرة على تدمير الهويات السياسية الكلاسيكية، وعاجزة عن الوعي بأن الهويات التي شكلت في زمن ما منطلقا لوجودها قد دخلت في صراع مع هويات أخرى جديدة. مما يقتضي اليوم بناء هوية وطنية ديمقراطية وحداثية مغربية جديدة (ليس بالضرورة تسميتها باليسار)، قائمة على الحرية والاختلاف وليس على الفونولوجيا.
 
وهنا لابد من التفريق بين مقصدية الهجوم على اليسار وبين مقصدية نقد اليسار، حتى نستطيع أن نتجاوز نقائص البراديغم السائد في النظرية الديمقراطية، خاصة وأن أمامنا فرصة تاريخية لإعادة النظر في مفهوم "الزعيم" السياسي، الذي يحقق في سياق البحث عن مصالحه "المصالح العامة".
 
إن الطريق الرابع، يعتبر أن آليات تجديد اليسار، وبناء الجبهة الديمقراطية الوطنية، موجودة في اليسار كثقافة وفكر، ذي الأفق الاستشرافي الذي يؤمن بتجديد ذاته ونقدها، ولا يتحرج في مقاومة فشله، ويؤمن بدور الفعل في تكوين الهويات الجمعية القائمة على الديمقراطية التعددية القادرة على التأثير في القرارات السياسية، وفي دعم كل المواقف التي تعزز الدفاع عن قضية ما، وفي مقدمتها قضايا الوطن الكبرى.
 
وحتى لا نسقط في التبعية الممجوجة الأيديولوجيات الجاهزة، والجمود النظري وغياب الانسجام بين الانفعال والفعل، اختار الطريق الرابع، عن وعي، قضايا التفاوتات الاجتماعية كقضية مركزية لدى مغاربة العالم القروي وسكان الجبل والواحات والسهول والسهوب وضواحي المدن، ميدانا لمقاومة الفشل وكل أشكال النضال اليساري الفوقي الضيق والمعزول.
 
كما اختار الطريق الرابع مقاومة احتقار المبادرات الميدانية وتبخيسها من طرف زعماء "العقل المستعار" وأصحاب "الأجوبة المعلبة" ضد مطالب "الحاشية السفلى"، التي يحتاج شبابها إلى تجارب جديدة، وإلى متنفس يحول التنمية المحلية والعدالة المجالية كعلم، إلى ثقافة تجعل مثلا من التعليم حقا من حقوق الانسان ، والحق الذي يجب أن يتساوى في التمتع به جميع المواطنين.
 
إن فشل ما تبقى من اليسار في مواجهة "الأسئلة المحرقة" ولجوئه إلى تتبع ميكانيكي لسياسة الحكومة ومواقفها بدل نقد النظام الاجتماعي كأساس لفهم واقع التطور الاقتصادي والثقافي الراهن، أسقطه في فقر نظري فظيع، ترتب عنه تيئيس فكري وتنامي الشعبوية الملفوفة بالكراهية.
 
وإذا كانت ثورة المعلومات قد أحدثت نقلة نوعية في حياة البشرية، فإن ما تبقى من اليسار، استغلها سلبيا، حين جعل منها منصةً للتنابز ولقتل كل إبداع ملتزم بتجديد نفسه وتصحيح أخطائه والاعتراف بنواقصه، وجدارًا لاغتيال الفكر النقدي، وممارسة الاستعلاء الزائف الذي يخفي "الكسل الفكري" بعقلية ارتدادية وخطابات شعاراتية، بعيدا عن منطق الصيرورة والجدلية.
 
هكذا أضحى هذا اليسار، عاجزا حتى عن تحديد هويته وانتمائه الطبقي ومنظومته الأيديولوجية، وطبيعة نضاله من أجل البديل، واستراتيجيات مقاومته للنيوليبرالية، ناهيك عن اغترابه الكبير عن قضايا مجتمعه. وبات زعماؤه لا يتكلمون لغة واحدة، ولا يُفهم من خطابهم نفس المعنى، وليست لهم سلطة مرجعية ومعرفية موحدة، وكل أرضياتهم متباينة ومتضاربة.
 
وعين الطريق الرابع الناقدة، أقرت بأن طغيان الشعبوية والشعاراتية قد دفعت بتنظيمات وإطارات ما تبقى من اليسار إلى مزيد من العزلة والاغتراب عن الشرائح الاجتماعية الواسعة من الناس، وهكذا حكم على نفسه، بالسقوط في أزمة بنيوية سياسية داخلية وخارجية تكرر خيباتها دون أن تتطور.
 
لقد نهج ما تبقى من اليسار نهج النكوصية، واستسلم للتقليدانية، وطلق المعرفة وأغلق الباب في وجه أي تجديد، دون أي اعتبار لشرط الثقافة والوعي النقدي المتطورين، ودون استشكال الصلة بين ممارساته وواقعه الراهن ، ودون رغبة في الانفتاح الفكري، والاهتمام بدراسة "المغرب المحلي" والمصالحة مع نخبه.
 
وإذا كان عنوان ما تبقى من اليسار هو الفشل، فإن الطريق الرابع هو ليس "وجهة نظر" بل "إعادة النظر". رؤية من أجل التغيير، ومقاومة الفشل، ومحاربة للتحجر والجمود، والانتصار للتنوير والديمقراطية والحداثة.
 
وبناء على ما سبق، فالطريق الرابع يعتبر أن المغرب ليس مجتمعا واحدا، بل متعددا وموحدا، مطبوعا بخصوصية قوية تطبع بطابعها جملة من القضايا مثل العلاقة بين الدين والمجتمع، وأنه ليس مجرد رقعة جغرافية تتعايش فيها البداوة والقبيلة والدولة والفرد، بل حلم شعب يريد التقدم والريادة العالمية.
 
الرئيس الناطق الرسمي لمنتدى مغرب المستقبل (حركة قادمون وقادرون)