الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الحكومة المغربية ومسار الانحدار إلى القاع

 
سامر أبو القاسم
 
إن اللامبالاة التي تميز العمل الحكومي، وهذا التوجه الذي ينحدر بالبلاد إلى قاع الفقر والتهميش والإقصاء، لا يمكنه إعادة الاعتبار لدولة الرعاية الاجتماعية، بل يساعد على سريان الإحباط العام في نفوس المغاربة، وإفقادهم الثقة، وقتل روح الأمل فيهم.
 
إن الكثير من الخسائر، التي تكبدتها العديد من القطاعات والمؤسسات، لا تعمل بخصوصها الحكومة سوى على المزيد من الإمداد من الميزانية العامة للدولة، وهذه الأخيرة لا تمتلك بخصوصها الحكومة سوى فرض المزيد من الضرائب والجزاءات على المواطنات والمواطنين المغلوب على أمرهم، في مقابل منح الإعفاءات والتمكين من التهرب لمن يحوز على الثروة الفعلية في البلاد. وكل ذلك دون الاكتراث لما لذلك من انعكاسات خطيرة أصبحت مهددة للتماسك الاجتماعي، ومهددة باحتقان على كافة الأصعدة.
 
إن ما نعيشه اليوم ليس تخبطا في التدبير، ولا ارتباكا في التسيير، بقدر ما هو عجز سياسي بنيوي في تركيبة هذه الحكومة، وضعف سياسي خطير في التصدي لسياساتها وقراراتها وإجراءاتها اللاشعبية واللاديموقراطية غير المراعية لمقومات وخصائص المواطنة الحقة، المفروض فيها التفاعل مع حاجيات وانتظارات وطموحات شعب بكل مكوناته وفئاته وشرائحه.
 
إن ما نعيشه اليوم ليس تخبطا في التدبير ولا ارتباكا في التسيير بقدر ما هو عجز سياسي بنيوي في تركيبة هذه الحكومة
 
 
ونتحدى هذه الحكومة التي تتبجح بنجاحها في تدبير الأزمة، وبعزمها على تشجيع المنتوج الوطني، وبالخروج من هذه الظرفية بأقل الأضرار، نتحداها أن تقدم بالوثائق والبيانات والأرقام والإحصائيات واقع الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية بالبلاد بالنزاهة والشفافية المطلوبة في تدبير الشأن العام، والملزمة بهما بموجب توقيع المغرب على العهود والمواثيق الدولية الخاصة بهما.
 
على هذه الحكومة، وأغلبيتها الداعمة لها، إدراك أن:
 
· ادعاءها للتوجه الاجتماعي لسياساتها، هو محض تشويش على الرأي العام الوطني وتضليل له، مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية القادمة، والاستفاقة المتجددة لنعرة المزايدات الحزبية ودغدغة عواطف الناخبين.
 
· ادعاءها استهداف سمعة المغرب والعمل ضد الحكومة والمؤسسات، هو خطوة متقدمة في مسار تخوين كل من ينتقد سياساتها ويعري ضعفها ويفضح ألاعيبها، بعدما فقدت ثقة المغاربة بفعل إطفائها لأي بريق أمل في مستقبل مغاير لواقع البؤس الذي تعيش على إيقاعه أغلب الفئات والشرائح الاجتماعية، وبعدما أصبح الوضع يحتمل السير في اتجاه احتقان اجتماعي جديد.
 
· حديثها عن خطاب التيئيس، لن يثني الفاعلين السياسيين عن توجيه الانتقاد لسياستها الفاشلة في تدبير الشأن العام للمغاربة في الظروف العادية، فبالأولى والأحرى تدبيرها الرديء لظروف الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا؛ الذي لم ولن يوقف نزيف فقدان الشغل، ولا ولن يصلح شأن الحماية الاجتماعية والصحية لغالبية المغاربة من الفقراء والمهمشين والمقصيين من استهداف السياسات العمومية للحكومة، ولا ولن يجعل من السجل الاجتماعي الموحد سوى شماعة لإلهاء المعوزين، ولا ولن يوقف مجزرة تشريد أصحاب المقاولات الصغرى والصغيرة جدا وأجرائها وعائلاتهم...
 
ادعاء استهداف سمعة المغرب والعمل ضد الحكومة والمؤسسات خطوة في مسار تخوين كل من ينتقد سياساتها ويعري ضعفها ويفضح ألاعيبها
 
 
· حديثها عن "الاستهداف الممنهج" لطريقة تدبيرها وتسيير شؤون المغاربة، لن يحجب عن المغاربة فضائحها البارزة التي عرتها كورونا؛ بداية بالاختلالات بسبب عدم احترام قانون الصفقات العمومية، مرورا بالعار الذي لحقها جراء عدم احترام وزيرين بقوانين تسجيل الأجراء بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وصولا إلى حرمان العديد من المستحقين للدعم في مقابل احتيال البعض لتلقي الدعم دون استحقاق، والتملص من تقديم حصيلة صندوق الدعم المخصص للتخفيف من تداعيات الجائحة...
 
· حديثها عن اشتغال كل قطاعاتها الوزارية، يكذبه واقع المغاربة العالقين بالخارج الذي يعد وصمة عار في جبينها، من حيث عدم الاكتراث لمواطنيها والاهتمام بمعاناتهم طيلة مدة الحجر الصحي بكاملها، وتعريه رغبتها في تقليص رصيد صندوق دعم العالم القروي، وكأن هذه الساكنة غير معنية بتداعيات الجائحة وليس لها موقع في الاهتمام بها داخل السياسات الحكومية، ناهيك عن غياب دور وزارة الثقافة ووزارة التضامن ووزارة الشباب والرياضة، أما عن وزارة الشغل والإدماج المهني ففضيحة عدم مواكبته لمجال اختصاصه لا تضاهيها أية فضيحة، حيث ترك الأجراء ـ كحلقة ضعيفة في سلسلة الإنتاج ـ لوحدها في مواجهة جائحتي كورونا والباطرونا...
 
· نكرانها لسوء تدبير الأزمة، تفضحه اختلالات التعليم عن بعد، وتكريسه للفوارق الاجتماعية والمجالية بدل الحرص على مبدأ تكافؤ الفرص، ويعريه الواقع المهترئ للمؤسسات الصحية والاستشفائية، والواقع الرديء والمر للخدمات الصحية بالمراكز الاستشفائية، والنقص المهول والفظيع للأطر الطبية والتمريضية.
 
فاعل سياسي ومدني