الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

تغيير النظام الانتخابي ومدى صلاحية بعض القيادات الحزبية

 
رشيد لزرق
 
لا يختلف اثنان على أن نمط الاقتراع يمكن أن يشكل مدخلا لإصلاح أعطاب المشهد السياسي، فالمشهد الحزبي به العديد من الأعطاب، تعيق ترسيخ التجربة الديمقراطية بصفة نهائية.
 
لهذا ينبغي تقييم التجربة انطلاقا من طرح مسألة العتبة؛ التي كانت الغاية من ورائها هي عقلنة المشهد السياسي، ذلك أن أزمة التشتت هي نتيجة فقدان الأحزاب لخيارات واضحة واعتمادها فقط على ممارسة التكتيك السياسي، إن الأزمة السياسية ليست هي أزمة تشتت فحسب، بقدر ما هي أزمة اختيارات فردية حزبية؛ فالأحزاب عجزت عن تكريس منطق المؤسسة، وخصوصا من طرف بعض قياداتها. إذ إن تعديل نمط الاقتراع ليس الغاية منه الإصلاح، لكون هذه للأحزاب لم تقم بنقد ذاتي، بل هو فقط محاولة من الحكومة لتجميل صورتها أمام الرأي العام مع اقتراب موعد الانتخابات، والنأي بنفسها عن تحمل فشلها في إدارتها للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد.. فبعض القيادات الحزبية التي تخرج علينا كل مرة بفذلكات لإيجاد مبرر لفشلها، وهي ما فتئت تعبر عن هوايتها في الركوب على منطق التحالفات الحزبية، وتبرر فشلها تارة بالقطبية المصطنعة، وتارة بالاتهام بتزوير الانتخابات، في حين أن الفشل ينبع من سياساتها ومقاربتها للشأن السياسي، من خلال احترافها للمناورة بغية البقاء بدون مدلول سياسي.
 
والمفروض قبل طرح تغيير النظام الانتخابي ينبغي طرح مدى صلاحية بعض القيادات الحزبية، بغية الانخراط في مرحلة تحول ديمقراطي، وإعطاء مجال للتجديد والتنوع حتى يصبح له معنى ومدلولا سياسيا، والذي يعطي المصداقية لتحالفات الأحزاب في ما بينها، ويضعها أمام تحد جديد، بحيث تصبح مطالبة بأن تكون أكثر وحدة، وأن تبذل المزيد من الجهد لإقناع الرأي العام بمشروعها باعتباره بديلا ناجعا يستحق فرصة للفوز بالثقة، في أفق وضوح المشهد السياسي في البرلمان، كما يمنح أغلبية قادرة على الحكم، في إطار التوافق.
 
صحيح أن نمط الاقتراع الحالي معقد وبحاجة إلى مراجعة، والعتبة الانتخابية لم تستطع تنظيم الحياة الحزبية المتسمة بمنطق الفردنة في خضم أزمة حكومية أصبحت أكثر استعصاء مع تضاربات بين أطراف التحالف الحكومي، وما تشهده بين الفينة والأخرى من تراشقات بين أطراف هذا التحالف، فالمنظومة الانتخابية الحالية أظهرت العديد من النقائص، وينبغي أن تدخل عليها مجموعة من التعديلات من أجل تطوير القانون حتى يستجيب للروح الأساسية للانتخاب الديمقراطي.. وهي إفراز أغلبيات تحقق الاستقرار، وهذا هو الأهم، والاستمرار أيضا؛ وهنا يمكن أن نقول إننا امام معادلة بين العدالة والفاعلية، الفعالية تكون من خلال الدفع في اتجاه بروز أحزاب كبيرة بإمكانها الوصول للحكومة أو تشكيل المعارضة، واستثمار الآليات الدستورية من خلال التشريع والرقابة في البرلمان، أو من خلال إفراز حكومة ذات سند سياسي قوي.
 
فواقع الحال أن هذه الغاية تحققت نسبيا في انتخابات 2016، ببروز حزب العدالة والتنمية كحزب أول يقود الحكومة، والثاني هو الأصالة والمعاصرة الذي اصطف في المعارضة. لكن الغريب أن شيئا من الفعالية لم يتحقق من ذلك، بحيث ظهر انحباس سياسي كلف المغرب نصف عام من الانتظارية بعد فشل بنكيران في تشكيل الأغلبية، ولم تتشكل الحكومة إلا بعد تعيين خلفه سعد الدين العثماني. وكما يظهر فإن ديمقراطيتنا التمثيلية ليست بالحصانة اللازمة، إذ ظهر في العديد من المحطات أن الاغلبية ليست بأغلبية؛ كما أن المعارضة ليست بمعارضة، واتضح ذلك جليا في انتخاب رئيس مجلس النواب، وفي القانون الإطار كذلك. ورغم أهمية العتبة فإنها لم تحقق المطلوب، إذ لم يكن ذلك بسبب غياب الأغلبية وإنما كان نتيجة عدم تحمل الأحزاب المتحالفة لمسؤولياتها.
 
إن المغاربة سئموا من المزايدات السياسية. وعليه فإن إبقاء العتبة وفق تقديرنا سيكون له تأثير سلبي على مستقبل الخيار الديمقراطي، لكونه يقتل جوهر النظام المغربي المتمثل في التعددية الحزبية، وإقصاء الكفاءات التي لا تجد لها فضاء في منظومة حزبية يسيطر عليها أفراد، كما أن إلغاء العتبة يمكن أن يعكس التنوع والتعدد الذي يتميز به المجتمع المغربي، ومراجعة القطبية، التي ظهرت في 2016، والتي لم تكن بمضمون سياسي، بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، والتي أفرزت تهميش باقي الأحزاب، كما أفرزت البلوكاج من خلال التكتل الرباعي.
 
فواقع الحال أن إقرار العتبة لم يؤد إلى الغاية المبتغاة منها والمتمثلة في ترشيد المشهد السياسي، عبر تحفيز الأحزاب الصغرى لتتحالف في ما بينها، وتتكتل في سبيل الوصول إلى نيل مقاعد لها وزن داخل البرلمان.
 
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية جامعة ابن طفيل القنيطرة