الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

تلويح الجزائر بشن الحرب على المغرب.. هل آن الأوان لإحداث المجلس الأعلى للأمن القومي؟

 
مراد بورجى

لابد أن يكون الرئيس الجزائري وجنرالاته قد استمعوا بإمعان للخطاب الملكي، الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ46 للمسيرة الخضراء، أول أمس السبت. 

ولابد أن يكون الرئيس عبد المجيد تبون ومعه رئيس أركان جيشه سعيد شنقريحة قد أُصيبا بخيبة أمل بعدما لم يُعر الملك أي اهتمام في خطابه للاتهام الموجّه للجيش المغربي بأنه وراء ضربات عسكرية استهدفت شاحنتين جزائريتين كانتا قد اخترقتا المنطقة العازلة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة رعايا جزائريين حسب ما جاء في بلاغ الرئاسة الجزائرية. 

وفي الوقت الذي تحاشى الجالس على العرش مخاطبة الشرذمة الحاكمة بالجزائر، التي تريد الدخول في حرب عسكرية مفتوحة مع المغرب، عقب فشل حربها الاقتصادية عليه، وجّه الملك خطابه إلى الشعوب المغاربية الخمسة، ليعبر لها عن متمنياته الصادقة، بالمزيد من التقدم والازدهار، في ظل الوحدة والاستقرار، بعدما طمأنهم، في نفس الخطاب، على أن المغرب يلتزم بالخيار السلمي، وبوقف إطلاق النار، ومواصلة التنسيق والتعاون، مع بعثة المينورسو، في نطاق اختصاصاتها المحددة.

أي أن الملك محمد السادس يُشهد شعوب البلدان المغاربية قبل المجتمع الدولي على أن الطغمة الحاكمة في الجزائر مسؤولة عن أية محاولة خرقاء لإدخال أمن المنطقة واستقرارها في مغامرة حربية غير محسوبة العواقب، خصوصا ضرب المصالح الاقتصادية لهذه البلدان وضرب سلم شعوبها الاجتماعي، ناهيك عن تحمّل حكام الجزائر مسؤولية المساس بالاستثمارات الأجنبية بالمنطقة التي تقدر ببلايين الدولارات. 

هذا كله ليس سببه الدفاع عن مصالح الشعب الجزائري، بل سببه احتضان العسكر الحاكم في الجزائر لمرتزقة البوليساريو بمخيمات تندوف لتصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب هدر مقابلها هؤلاء الحكام ملايير الدولارات من المال العام للشعب الجزائري، الأحق بها لبناء التنمية عوض صنع الدمار...

أمّا الاختباء وراء تبني طرح تحرير الشعوب ودعم تقرير المصير لتصفية الاستعمار فما هو إلا محاولة يائسة لإلهاء الشعب عن محاسبة حاكميه، الذين نهبوا ومازالوا يتفنّنون في نهب ثروات الجارة الشقيقة الجزائر وتهريب أموالها نحو دول بعينها معروفة بدورها باحتكار غاز وبترول الجزائريين منذ عشرات السنين مُقابل الفُتات والسكوت. 

وهذا ما يفسر سكوت هذه الدول على 20 سنة من حكم مومياء كانت تسمى عبد العزيز بوتفليقة، ثم حُكم رهينة بيد الجنرالات، تحت اسم عبد المجيد تبّون، كما عبّر عن ذلك صراحةً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون...

أوروبا، والغرب عموما، تركب على موضوع تقرير المصير، منذ 46 سنة، وتبتز به المغرب كلما كان هناك تعاقد للتبادل التجاري بالادّعاء أن الأراضي الصحراوية متنازع عليها، وهو الشيء الذي دفع الملك إلى أن يضع حدا لمثل هذه المواقف الضبابية والمزدوجة، بالقول، في خطابه، إن المغرب لن يوقّع أي اتفاق اقتصادي أو تجاري يستثني هذه الأراضي المغربية. 

وهنا، لابد من وضع النقط على الحروف، فقد انكشفت دول أوروبا بعد أن رفض الاتحاد الأوروبي والمحكمة الأوروبية والحكومة الإسبانية تقريرَ المصير الغير ملزم الذي نظمته الحكومة المحلية لإقليم كاتالونيا، كي تتمتع بالحكم الذاتي، فيما قامت المحكمة الوطنية العليا في مدريد برمي الداعين للانفصال بالسجون الإسبانية، وأصدرت مذكرة اعتقال دولية ضد الرئيس الكاتالوني السابق كارلس بيغديمونت...

وهو الشيء نفسه الذي ذهبت له معظم الدول ضد تقرير المصير الداعي لقيام دولة الأكراد شمال العراق.

فكيف للعالم اليوم أن يطالب المغرب بعكس ما يذهب إليه في العديد من الحالات، التي تُعرض عليه، إذ ليس الكاتالان والأكراد إلا نموذجين جزئيين، ولهذا قال الملك، في خطابه، إن المغرب لم ولن يفاوض على مغربية صحرائه. 

لقد كانت الرسالة الملكية واضحة في الخطاب الملكي للذين لهم موقف ضبابي، إذ وجّه لهم الملك الكلام بالقول "إننا ننتظر من شركائنا مواقف أكثر جرأة ووضوحا، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة". 

ما ذهب إليه ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة بخصوص محاولة انفصال لقبايل عن دولتهم الجزائر هو نفسه الذي وقع في إسبانيا، لكون لا دولة اسمها الجزائر ولا دولة اسمها إسبانيا كانتا موجودتين، أصلا، قبل وجود لقبايل أو وجود الكاتالان...

لكن المغرب كان موجودا منذ أزيد من 12 قرنا، ولم تكن هناك دولة اسمها الصحراء الغربية، وإلاّ ما كان الاستعمار الإسباني يسلّم الصحراء الغربية للمغرب بعدما وطأت أقدام 350 ألف مغربي الصحراء يطالبون باسترجاعها...

المغرب اليوم خبر دهاليز العلاقات الدولية، بتفاعله مع مختلف التحوّلات التي يعرفها العالم، بدوله ومنظماته، فقد حقّق نجاحا ملموسا في تدبير أخطر الأزمات الكبرى، التي مرت منها البلاد، بدءا بجائحة كورونا، التي هزّت دول المعمور أجمع، مرورا بالاصطدام مع كل من إسبانيا وألمانيا، وصولا، اليوم، إلى الأزمة، التي افتعلها النظام العسكري في الجزائر...

لا أحد يستطيع، اليوم، أن يشكك في نجاح تدبير المغرب لهذه الأزمات، التي باتت تشكل مصدر وعي رسمي وشعبي، بحجم المخاطر والتهديدات، التي تحدّق بالبلاد، كما جاء في الخطاب الملكي، من قبيل السياسات الخرقاء لنظام الجنرالات، الذي ابتُلي به الجزائريون الأشقاء...

وكل هذه المخاطر والتهديدات لديها تأثير عميق ومباشر على المشاريع التنموية في بلادنا، في كافة مجالات الحياة، مما أضحى ملحّا الاستفادة من جوهر المشروع التنموي الجديد، وهو السعي نحو مفهوم أشمل وأعمق وأقوى للأمن، يشمل الأمن الحدودي والصحي والغذائي والطاقي…، وبكلمة: بناء استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات...، مما يستدعي استكمال البناء الدستوري والمؤسساتي، بتفعيل الفصل 54 من دستور 2011، الذي ينص على إحداث "المجلس الأعلى للأمن"، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. ويرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. كما يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس...

نعتقد، مع وجود جنرالات فاقدي الأهلية السياسية والعقلية يحكمون دولة الجزائر الشقيقة، ويريدون افتعال حرب لعلّها تنقذهم من سقوطهم المحقّق، الذي بات على الأبواب، بفعل رفض الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري للعيش في دولة عسكرية وإرادتهم في بناء دولة مدنية ديمقراطية، وكذا مع توالي الأزمات، على المغرب وعلى العالم، أنه آن الأوان لإخراج المجلس الأعلى للأمن القومي إلى الوجود ليتحمّل مسؤوليته كاملة، تحت رئاسة الملك، في مواجهة الجوائح، الطبيعية والبشرية، ومن أجل تأمين إخراج بلادنا منتصرة وقوية من مثل هذه الأزمات، الحاصلة والمحتملة...