بعد "طرد" بنكيران والعثماني وتولّي الملياردير عزيز أخنوش رئاسة الحكومة.. الانقلاب المستمر!
الكاتب :
"الغد 24"
مراد بورجى
المقال رقم 01
الآن، وقد عيّن الملك محمد السادس أعضاء الحكومة الجديدة، بعدما مرت مختلف أشواط الانتخابات، بما أسفرت عنه من نتائج، جُلّها كانت منتظرة والهدف منها معروف.
والآن، ونحن نتتبع كيف أن الدولة اشترطت "شروط الخزيرات" على السيدات والسادة القضاة الراغبين في الترشح لانتخابات ممثلي القضاة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي ستُجرى يوم السبت 23 أكتوبر 2021، في الوقت الذي رأينا بأم أعيننا كيف فُتحت الأبواب أمام الطبقة السياسية الفاسدة والمفسدة "إلاّ من رحم ربي"، لتعود بقوة للسيطرة على كل مفاصل الدولة للاستفراد بـ"البزُّولة"، خمس سنوات أخرى، رغماً عن أنف الشعب وعن خطابات ملكه.
والآن، وقد "اكتمل القمر" وطُويت صفحة المهرولين عندما انطلق معظم "قادة" الأحزاب يلهثون وراء الملياردير عزيز أخنوش طمعًا في حقيبة وزارية من "كعكة" الحكومة، وتَخلّوْا عن الناخبين ومعهم باقي الشعب، ليصطفوا إلى جانب رئيس الحكومة المعين، الذي قرر مَنْ مِنَ الأحزاب سيلعب به دور "الكومبارس" داخل الحكومة الجديدة، ومَن مِن الأحزاب رمى به لـ"يُمثل" دور المعارضة رغما عن أنفه.
الآن، وقد انفرجت أسارير الداخلين للحكومة، فيما "الغُمّة" أصابت أمّة الخارجين "المگردعين"، لم يتبقَّ سوى حضور "ممثلي الأمة"، الذين لن يلج منهم إلى قبّة البرلمان سوى ثلاثة برلمانيين عن كل حزب، غدا الجمعة، للاستماع إلى ما سيقوله الملك محمد السادس في خطاب افتتاح الدورة الخريفية، الذي سيلقيه عن بعد من القصر الملكي بفاس، وسيحضر كذلك "نَفَرٌ" من حكومة الملياردير عزيز أخنوش "المسكين"، الذي أجهش بالبكاء، الأسبوع الماضي، عند إلقائه الكلمة خلال لقائه ببرلمانيي حزبه، الذين كانوا يرفعون له شارة النصر.
بكاء عزيز أخنوش هذا ليس من فرحة الانتصار، كما يعتقد هؤلاء أو أولئك، فقد يكون أخنوش تساءل مع نفسه هذا السؤال:
على من انتصر "أخنوش"، هل على السواد الأعظم من الشعب، الذي أعلن عليه حرب المقاطعة سنة 2018؟ أم على خطابات الملك وتوجيهاته وغضباته كتلك التي تساءل فيها الجالس على العرش كيف أن حفنةً محظوظةً (وعزيز أخنوش واحد منها) اغتنت غنًى فاحشا، فيما ازداد باقي المغاربة فقراً مدقعاً؟!
أم إن عزيز أخنوش، وهو يذرف الدموع، اعترته رهبة ما ينتظره في السنوات الخمس المقبلة، وبالأساس: هل سيجيب المغاربة، خلال ولايته الحكومية، عن سؤال الثروة، الذي حيّر الملك بعد أن أنجز البنك الدولي في 2005 و2010 دراستين لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب، حيث جرى تصنيف المغرب، آنذاك، في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة، غير أن الملك محمد السادس، بعد اطّلاعه على تلك الأرقام والإحصائيات، التي تضمنتها الدراستان المذكورتان، والتي تُبرز حجم تطور ثروة المغرب، تساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة وهل استفاد منها جميع المغاربة؟!
لن يُوهمنا صاحبنا السي عزيز، وهو يعتلي اليوم صهوة السلطة التنفيذية، أنه انتصر على الحزب الإسلامي، لأن الرجل كان وزيرا في حكومة عباس الفاسي منذ 2007، وعندما ترأّس عبد الإله بنكيران الحكومة سنة 2011، أبْعدَ حزب الأحرار من تشكيلته الحكومية، إلاّ أن عزيز أخنوش ظل متشبثا بالحقيبة الوزارية بدون حزب في انتهازية كبيرة. ولهذا، فأخنوش يتحمل أيضا مسؤولية الفساد الكبير، الذي نَخَر البلاد والعباد خلال 14 سنة الماضية.
الإسلاميون تركوا الجَمَل بما حمل لأخنوش في ما يشبه "صفقة" أبرموها مع من يهمهم الأمر في الداخل، وتماشيًا مع ما يجري إقليميا ودوليا في الخارج، دون الوصول إلى ما آلت إليه الأوضاع عند الجارة تونس، التي اضطر فيها الرئيس إلى حل الحكومة والبرلمان لإبعاد الإسلاميين من الحكم.
يكفي أن نعرف أن حزب العدالة والتنمية طلب من معظم صقور الحزب وقيادييه، بمن فيهم عبد الإله بنكيران، عدمَ الترشح لانتخابات 8 شتنبر، وشطّبت المحكمة على الباقي، ولعب سعد الدين العثماني دورًا أساسيًا في هذه الصفقة، حيث قام بترشيح 9 آلاف مرشح ومرشحة فقط لهذه الانتخابات، فيما رشح حزب الأصالة والمعاصرة 22 ألف مرشح، وحزب أخنوش 26 ألف مرشح.
ودخل على الخط 2.152.252 ناخبا جديدا، مقارنة مع انتخابات 2016، أنزلوا تصويتا عقابيًا على الحزب الإسلامي.
أمّا القاسَم الانتخابي، الذي "أُنزل من فوق"، فهو الذي قزّم حزب العدالة والتنمية إلى ذاك الحد، وفي الوقت نفسه حدّ من هيمنة أخنوش وحزبه على مقاعد مجلس النواب، التي كان بإمكان صاحبنا عزيز، لولا وجود هذا القاسم الانتخابي، أن يحصل وحزبه على ثلثي المقاعد تقريبًا مما كان سيجعل أخنوش يقود الحكومة لوحده بسبب حملته الانتخابية "الواسعة الأساليب".
ولا يختلف اثنان على أن انتخابات 8 شتنبر استفادت فيها معظم الأحزاب السياسية من 113 مقعدا برلمانيًا، فقدها حزب العدالة والتنمية، ووُزِّعت على كل من هبّ ودبّ.
دوْرُ "البارشوك" أو صمّام الأمان الجديد، الذي أراد عزيز أخنوش لعبه خلال انتخابات 2016، جرَّ عليه سخط النخبة السياسية والحقوقية، بداعي خلط المال بالسياسة وتضارب المصالح، مما أثار حفيظة فئة واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2018، الذين أعلنوا عليه الحرب عبر مقاطعة شركته الخاصة بتوزيع المحروقات.
العارفون بخبايا الأمور يقولون إنه بنهاية "الحرب" على استعمال الدين في السياسة، ستبدأ "الحرب" على زواج المال بالسلطة، منذ اليوم الأول من الإعلان عن الحكومة المقبلة بقيادة حزب رجال الأعمال، كما يُطلق على التجمع الوطني للأحرار.
ولهذا، فتصويت المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة في إقليم الرحامنة كان قد طَرح سؤالاً مهمًا وهو: لمن أعطى الهمّة صوته؟
طبعا ليس لعزيز أخنوش ولا لنبيلة منيب، وأغلب الظن سيكون أعطاه للحزب، الذي بمجرد أن أنشأه أُعلنت عليه الحرب، وعانى الأمرّين من أجله...
ثاني سؤال هو: لماذا صوّت الهمة في مدينة ابن جرير وهو يقطن بمدينة الرباط، التي كان قد صوّت فيها رغم أنه كان مرشحا في إقليم الرحامنة وقتها؟
هل هو جواب على منطق القبيلة، الذي استفزّ البعض بتصويت عزيز أخنوش وزوجته في عاصمة سوس أگادير وهو يقطن رسميًا بمدينة الدارالبيضاء؟
هل هي رسالة من الهمة إلى عزيز أخنوش تقول إن الأمور اليوم تختلف، وإن علاقة الصداقة مع الملك، التي كان يدّعيها أخنوش قد انتهت، وستبدأ اليوم علاقة عمل سيشرف القصر على معظم مناحيها، من تشكيل الحكومة، التي أُعلن عنها اليوم، إلى غاية تنفيذ الوعود التي قطعها عزيز أخنوش وحزبه على نفسيهما للمغاربة؟
هذه الوعود الثقيلة، التي فاقت كل الحدود في وقت لم تُحدد فيه بعدُ معالم مخلّفات جائحة كورونا على الاقتصاد المغربي، والمغرب يستنزف فيه الفساد 70 مليار درهم، حسب تصريحات وزير الاقتصاد والمالية السابق محمد بنشعبون، الذي قد يكون أبعده عزيز أخنوش بسببها.
وهي وعود وإغراءات انتخابية، سيكون قد تخوف منها احفيظ العلمي، ولذلك رفض الاستوزار في حكومة أخنوش، وهو ما فد يدفع به لدخول حكومة الظل لمراقبة تحركات أخنوش على رأس الساعة.
وعود لن ينتظر المغاربة خمس سنوات أخرى تنضاف إلى أربع عشرة سنة قضاها أخنوش يترأس حكومة موازية داخل الحكومات الثلاث (الفاسي وبنكيران والعثماني) التي شارك فيها، وعلى ذلك، فأخنوش ملزم بتحقيق نسبة من هذه الوعود كل سنة حتى لا يكون قد غرّر بالناخبين.
فالنقابات العمالية ستطالب أخنوش وحزبه بتسليمها 200 ألف منصب شغل كل سنة من أصل المليون منصب، التي وعد بها خلال الانتخابات.
والآباء سيطالبون أخنوش بتسليمهم 300 درهم عن كل طفل متمدرس.
والبالغون 65 سنة من العمر ينتظرون تعيين حكومة الأحرار لمطالبتهم بالألف درهم التي وعدهم بها رئيسهم.
وأساتذة التعليم الابتدائي ينتظرون إدماجهم براتب 7500 درهم بدل 5000 التي كانوا يدمجون بها في بداية مسارهم المهني.
كما الْتزم أخنوش، خلال حملته الانتخابية، بأن يمكّن كل مغربي من الولوج للتطبيب من خلال بطاقة "رعاية" أو "أخنوش كير" (Akhnouch Care) تيمّنًا بالمشروع الصحي الأمريكي (Obamacare).
إلى غير ذلك من وعود الحكومة التي لن تجد معارضة قوية داخل قبة البرلمان، ولهذا فإذا لم يلمس المغاربة الجدية في التعامل معها، سيدخل الشارع على الخط، وسيكون ذلك سببا في إشعال فتيل المظاهرات، التي قد تخلق حركةً للاحتجاجاتِ الشعبيةِ شبيهةً بحركة السترات الصفراء الفرنسية (Mouvement des gilets jaunes)، التي أركعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سنة 2018، وذهب أحد أعضائها إلى حد صفع الرئيس في الشارع العام، فيما ذهبت بلدان أخرى إلى رمي بعض وزرائها في حاويات الأزبال.
خصوصًا أن "ملتمس الرقابة" قد يأتي من داخل الحكومة وليس من خارجها كما حصل مع حكومة بنكيران بخروج حزب الاستقلال.
لهذا فُرض حزب الأصالة والمعاصرة على أخنوش، الذي كان يمقته ويمقت "صاحبه".
وبالمناسبة، لنتذكر أن فؤاد عالي الهمة نفسه، كاد خروجه للعمل السياسي أن يُودِي به لدرجة أن كتبت عنه أسبوعية لوجورنال لصاحبها الزميل أبوبكر الجامعي، وقتها، مقالاً وقّعه الحقوقي المعطي منجب يتهم فيه الهمة بمحاولة الانقلاب على الملكية، وبَصَمتْه الجريدة بعنوان مثير:
"الهمة أو الانقلاب المستمر"!
(El Himma ou le coup d’Etat permanent)
لهذا كان لابد أن يتحمّل عزيز أخنوش بنفسه مسؤولية رئاسة الحكومة، أو وِزْر المرحلة، حتى "لا تزِرْ وازرةٌ وِزرَ أخرى"، وهو الشيء الذي دفع عبد الإله بنكيران في خرجته الإعلامية الأخيرة للقول إن عزيز أخنوش غُرِرَ به "واش فهمتني ولا لا؟"!!!