الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الهوية المتعددة والمتنوعة سلاح قد يمكّن المغرب من التأثير في نزاع الشرق الأوسط والدفاع عن فلسطين

 
الرباط - (و.م.ع): يشكل الحضور التاريخي والثقل الذي يتمتع به المغرب لدى مختلف أطراف النزاع في الشرق الأوسط، عاملا متميزا يؤهله، أكثر من أي بلد آخر، للتأثير بشكل أفضل في طرفي النزاع، الفلسطينيين والإسرائيليين، بما يمكنهما من الخروج من النفق المسدود، في نهاية المطاف.
إن الموقف المؤيد لتسوية قائمة على حل الدولتين يتطلب ضمنيا الاعتراف المزدوج، كامتداد لرؤية متناسقة تجد تجسيدها الأول في تسعينيات القرن الماضي من خلال افتتاح مكتب اتصال إسرائيلي بالرباط، وآخر مغربي بتل أبيب.
وبفضل جنوحها الدائم نحو الوحدة ودعمها لها، تعمل المملكة المغربية على نسج روابط متينة ومتميزة مع الرعايا المغاربة بإسرائيل. روابط متجذرة في التاريخ الفريد الخاص للنموذج المغربي، بكل ما لديه من شمولية وكونية.
من هو البلد الآخر بالمنطقة الذي حفظ للمواطنين المعتنقين للديانة اليهودية مواطنة كاملة باعتبارهم ناخبين ومنتخبين؟ من هو البلد الآخر بالمنطقة الذي أقام نظاما قانونيا يتلاءم والتعاليم اليهودية؟ لا يمكن مقارنة الخصوصية المغربية مع أي تجربة أخرى، مع ميزة لا يمكن إنكارها تتمثل في قدرة المملكة على مواصلة مساعيها الحميدة لإيجاد أرضية للتفاهم بين الطرفين.
إن الأدوات التي يتيحها على الخصوص، مكتبا الاتصال، وكذا الجالية المغربية التي تعيش في إسرائيل، أو في مكان آخر، سبق واستثمرهما المغرب منذ السبعينيات لخدمة السلام بالشرق الأوسط. إنها سمات مميزة للمقاربة المغربية، التي مكنت الرباط من مد قنوات الاتصال بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وتجد هذه الخصوصية المغربية أساسها في الدستور الذي ينهل قوته من مؤسسة إمارة المؤمنين، ويجسد غنى مختلف أوجه كونية النموذج المغربي، الذي كرسه الدستور بتنصيصه على أن الهوية المغربية واحدة لا تتجزأ.
ويشدد الدستور على أن الهوية "موحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".
إن الزيارة التي قام بها وفد أمريكي إسرائيلي تندرج في إطار تنفيذ القرارات المعلن عنها خلال الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة الشق المتعلق بمسلسل السلام الإسرائيلي الفلسطيني، في إطار مقاربة دبلوماسية تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية، تتمثل في دعم حل قائم على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، والمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف.
وإن كان المغرب وإسرائيل قد وقعا اليوم على صفحة جديدة من تاريخهما، فإن الارتباط الراسخ للطائفة اليهودية المغربية ببلدها الأصل يمهد الطريق أمام البلدين لبناء علاقات متينة، وفوق كل شيء مميزة.
ومن هذا المنظور، فإنه من البديهي ملاحظة أن المغرب كان أول بلد بمنطقة شمال إفريقيا أدرج التاريخ والثقافة اليهوديتين في المناهج الدراسية، وهي مبادرة ترمي إلى إبراز تنوع الهوية المغربية.
وانطلاقا من النموذج الفريد للتعايش والتقارب بين الثقافات والأديان الذي توفره المملكة، فإنها كانت على الدوام بلدا رائدا في مجال التسامح الديني والذي يشكل جزءا من الوعي الجماعي للمجتمع المغربي.
وساعد هذا النموذج من التفاعل والتعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود المغرب على الحفاظ على جذوره المتعددة الثقافات، وكل هذه الروافد المتنوعة معترف بها في الدستور، كما مكنت المملكة من تقوية تنوعها ووحدتها وهويتها وكونيتها.
وبفضل نموذجها الفريد، جعلت المملكة من الدين عاملا للسلام، تسهر من خلاله على أن تعيش الطائفتان اليهودية والمسيحية في سلام وفي احترام لقيم التعايش. الركيزة الأساسية لهذه المقاربة، التي تعززت بدستور 2011، تقوم على مؤسسة إمارة المؤمنين، التي يجسدها الملك محمد السادس، الذي يسهر على تدبير وتنظيم التوجهات والاستراتيجيات، كما أن جلالته ضامن الوحدة الوطنية.
ولعل جهود المغفور له الملك الحسن الثاني من أجل السلام بالشرق الأوسط والحوار بين الأديان التوحيدية تسير في هذا الاتجاه، وكذا من قبله مواقف المغفور له الملك محمد الخامس الذي رفض التوقيع على المراسيم التي تفرض ارتداء النجمة اليهودية خلال نظام فيشي.
وهو موقف مبدئي يتواصل مع الملك محمد السادس الذي جعل من المملكة استثناء في العالم العربي، وذلك من خلال التنصيص على المكون العبري باعتباره من الروافد المشكلة للهوية المغربية وجزءا لا يتجزأ من الأمة.
وفي الوقت الذي يتم فيه استحضار اليهودية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موسومة بصور عدائية في الغالب، فإن المغرب يقدم نفسه كاستثناء فريد بالنظر إلى الإرادة المؤسساتية المعلن عنها لإبراز المكون اليهودي في التاريخ المملكة.
وحسب زعماء الطائفة اليهودية، يقدر عدد اليهود بالمغرب بحوالي أربعة آلاف، يقيم جلهم بمدينة الدارالبيضاء، يتمتعون بكامل الحرية والأمن والخدمات الضرورية لممارسة معتقداتهم، بما في ذلك وجود محكمة عبرية مكونة من حاخامات قضاة، وموظفي الدولة، الذين يحكمون في قضايا الأحوال الشخصية باسم جلالة الملك. كما أن نقل تقاليدهم وتعليمهم الديني محفوظ إلى جانب قانون التجمع في المراكز الثقافية.
إلى جانب ذلك، يزور المغرب سنويا بين 50 ألفا و70 ألف يهودي من أصول مغربية مقيمين بإسرائيل من أجل السياحة، ولكن أيضا من أجل الحج وحضور الأعياد الدينية. وتعرف مدينة الصويرة بموسم هيلولة رابي حاييم بينتو، الذي يعتبر من الشخصيات الرمزية لليهودية المغربية، والتي طبعت تاريخ المدينة، حيث يلتقي سنويا بين ألفين وثلاثة آلاف شخص.
ومنذ عدة سنوات، وبمبادرة من الملك محمد السادس، تم إطلاق عملية واسعة لتجديد وحماية التراث وأماكن العبادة اليهودية. كما تم تصنيف الكنيس اليهودي "صلاة الفاسيين" بفاس ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو.
كما أن المغرب يعتبر البلد العربي الوحيد الذي قام بترميم البيع والمعابد والمقابر اليهودية. وتحتضن الدارالبيضاء المتحف اليهودي المغربي، الذي يعتبر المتحف اليهودي الوحيد الذي تشغل امرأة مسلمة منصب محافظة به.
ووفق هذه المقاربة، وفي سنة 2017، تم تجديد الحي اليهودي بمراكش وتغيير اسمه إلى "الملاح". كما حملت أزقته من جديد أسماء عبرية لاستقبال السياح، القادمين جلهم من إسرائيل.
ومن اللافت أن قرابة مليون يهودي من أصول مغربية يعيشون بإسرائيل، لكنهم متمسكون بأرض أجدادهم، ولا أدل على ذلك من تظاهرات الفرح التي عمت شوارع إسرائيلية عقب الإعلان عن استئناف العلاقات مع المغرب.