الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
(صورة أرشيفية)

معاشات البرلمانيين أمام المحك.. الخلافات تشتعل وهذه مواقف الأطراف بين الإصلاح والتصفية والإلغاء

 
حكيمة أحاجو
 
 
الجدل المثار حول معاشات البرلمانيين ليس جديدا، ورغم أنه قارب العقد من الزمن، فلم يتمكن لا البرلمانيون، ولا الأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، من حسم النقاش حوْله، خصوصا أنه تحوّل إلى قضية رأي عام، فيكفي أن يثار موضوع "معاشات البرلمانيين"، حتى تتحول منصات مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب، يجمع روادها على ملحاحية وآنية إلغاء هذه المعاشات الريعية، التي تقدم للبرلمانيين، في الوقت الذي يعيش غالبية المغاربة العوز والفقر والهشاشة، بدون معاشات ولا تغطية صحية ولا حماية اجتماعية. وهذا ما حدث، أمس الثلاثاء، في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، حين انفجر خلاف كبير، حول الموضوع، كاد يوصل النقاش، في أكثر من محطة، إلى الباب المسدود، قبل أن تخلص اللجنة إلى ما يمكن تسميته "الاتفاق على اللااتفاق"، إذ إن رئيس لجنة المالية، عبد الله بوانو، يذهب إلى أن اللجنة انتهت بالاتفاق على كل شيء يتعلق بمآل صندوق معاشات البرلمانيين، وعندما تسأل أعضاء اللجنة عن الموضوع، كل واحد له تصوره لمضمون الاتفاق المفترض...
ويبقى الاتفاق الوحيد المؤكد هو تلبية طلب رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، الذي جاء على لسان رئيس لجنة المالية، والقاضي بتأجيل دراسة كافة مقترحات القوانين المقدمة ذات الصلة بمعاشات البرلمانيين، إلى حين إجراء الاستشارات القانونية والمالية اللازمة، خصوصا مع وزارة المالية والأمانة العامة للحكومة، على أساس استكمال الاستشارة بعقد اجتماع، اليوم الأربعاء 14 أكتوبر 2020، لرؤساء الفرق النيابية، بحضور الحبيب المالكي، رئيس المجلس، ومسؤولين عن صندوق معاشات البرلمانيين، لـ"تجميع مختلف عناصر الاستشارة القانونية والمالية والإدارية التي يتطلبها تنفيذ قرار إلغاء صندوق المعاشات"...
لنعد إلى الوراء، 48 ساعة فقط، للإحاطة بمختلف حيثيات الموضوع، وتكون صورة واضحة عن مواقف الأطراف الأساسية من هذا النقاش المشتعل حول معاشات البرلمانيين...
 
انعطافة "البيجيدي" تغضب الأغلبية الحكومية
 
عندما شرعت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أمس الثلاثاء، في دراسة مقترح قانون حول معاشات أعضاء مجلس النواب، اندلعت خلافات كبيرة وسط أحزاب الأغلبية الحكومية والمعارضة على السواء، والتي تفاجأت بما اعتبرته "موقف لامفهوما" لحزب العادلة والتنمية قائد التحالف الحكومي، إثر إقدامه على سحب توقيعه من مقترح القانون المتعلق بمعاشات البرلمانيين، ساعات قبل الاجتماع، دون أن يقدم أية تفسيرات واضحة لشركائه من باقي الأحزاب، التي تقدمت بمقترح قانون مشترك حول إصلاح نظام تقاعد البرلمانيين (فريق التجمع الدستوري والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية والفريق الحركي والفريق الاشتراكي والمجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية)...
في هذا الصدد، راسل مصطفى إبراهيمي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، أول أمس الاثنين 12 أكتوبر 2020، الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، لطلب سحب توقيع فريقه على مقترح القانون المتعلق بإصلاح معاشات البرلمانيين رقم 89، الذي كان وُقّع من قبل رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، وسُجّل بتاريخ 12 يونيو 2018، موضحا أنه يحتفظ بمقترح القانون، الذي قدمه فريقه بشأن تحديد شروط وكيفية تصفية نظام معاشات البرلمانيين...
خطوة "البيجيدي" بسحب توقيعه على مقترح القانون المتعلق بمعاشات البرلمانيين، أخرج الخلاف حول هذا الموضوع من السر إلى العلن، إذ وصف محمد مبديع، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، سلوك حليفه المصباح بغير المفهوم وغير المتوقع. وقال مبديع، في تصريح لموقع "الغد 24"، إنه لم يفهم أسباب إقدام حزب العدالة والتنمية على تغيير موقفه دون إخبار باقي الأحزاب، التي تقدمت بمعيته بمقترح قانون لإصلاح نظام معاشات البرلمانيين، قبل أن يستدرك معللا الأمر بما أسماه "أسباب سياسية شعبوية".
البيجيدي يقفز على جائحة كورونا إلى معاشات البرلمانيين
معاشات وتعويضات البرلمانيين كانت دائما مثار جدل، فبين داعٍ إلى مراجعة نظام تقاعد البرلمانيين من أجل إصلاحه (التجمع والاستقلال والحركة والدستوري)، ومطالب بإلغائه نهائيا (فيدرالية اليسار الديمقراطي)، ومنادٍ بالتنازل عن المعاشات (البام)، اختار الحزب الأغلبي مقترحا يقضي بالتصفية التدريجية لصندوق تقاعد البرلمانيين، في أفق إلغائه بشكل نهائي، والبحث عن صيغة يتم بموجبها إلغاء مساهمة الحكومة في تمويل الصندوق بشكل نهائي، وهنا الإشكال الحقيقي، الذي يلعب عليه البيجيدي، بالنظر لحجم التكلفة المهول، الذي ستتحمله الدولة إذا ما اعتمدت هذه الصيغة، خاصة أن البلد يعيش ظروفا استثنائية بسبب تداعيات جائحة كورونا، وهو ما نبه إليه حزب التقدم والاشتراكية، في بلاغ لمكتبه السياسي، الأسبوع الماضي، حين عبّر عن استغرابه لإقدام لجنة المالية بمجلس النواب على برمجة اجتماعٍ يُخصَّصُ لمناقشة معاشات أعضاء مجلس النواب، التي توقف صرفها منذ مدة طويلة. واعتبر المكتب السياسي لحزب الكتاب أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها بلادنا في هذا الوقت الصعب لا تتناسب وإدراج هذا الموضوع الذي لا يكتسي الأولوية، مُقارنةً مع باقي المواضيع التي يتعين الانكباب عليها باعتبارها انشغالات وتطلعات وانتظارات لأوسع فئات المواطنين...
 
لعبة التصفية ومخاتلةالمادة 3 من مقترح البيجيدي
هذا الصراع بين الأحزاب استهجنه خبراء ومتابعون تفاجأوا بدورهم بموقف حزب العدالة والتنمية الداعي لتصفية صندوق معاشات البرلمانيين، لأنها ستكلف الدولة أموالا ضخمة ستشكل عبئا ماليا إضافيا على ميزانيتها في هذه الوضعية الحرجة، ناهيك عن مردودية المؤسسة التشريعية بغرفتيها، التي لا ترقى إلى مستوى ميزانية التصفية التي ينادي بها حزب المصباح، بالنظر لغياب البرلمانيين في الجلسات العامة واجتماعات اللجان، مع فشل كل الإغراءات، التي قدمت لهم في عهد رئاسة الطالبي العلمي عن ثنيهم عن الغياب.
وبالرغم من محاولة فريق العدالة والتنمية الظهور بصورة الحزب القريب من مشاغل واهتمامات المواطنين، فقد كشفت المادة 3 من مقترح القانون، الذي تقدم به، حول شروط وكيفية تصفية معاشات أعضاء البرلمان، عن الصورة الحقيقية لحزب "مخاتل".
يقول نص هذه المادة العجيبة: "يصرف لأعضاء البرلمان السابقين المنتهية مهامهم، وكذا لأعضاء البرلمان المزاولين لمهامهم عند انتهاء مهامهم بعد فقدان الصفة البرلمانية لعدم إعادة انتخابهم أو لعدم قضائهم فترة تشريعية كاملة والذين لم يسبق لهم أن استفادوا من نظام المعاشات، لفائدة أعضاء البرلمان أو الذين استفادوا من مبلغ يقل عن مجموع اشتراكاتهم المباشرة المقتطعة من تعويضاتهم، مبلغ نهائي غير قابل للطعن، يساوي حسب الحالة مجموع واجبات اشتراكاتهم المباشرة المقتطعة من تعويضاتهم، طيلة ولاياتهم البرلمانية، أو مبلغ نهائي غير قابل للطعن يساوي الفارق بين مجموع واجبات اشتراكاتهم المباشرة المقتطعة من تعويضاتهم طيلة ولايتهم البرلمانية، ومجموع المبالغ التي صرفت لهم برسم نظام المعاشات لفائدة أعضاء البرلمان، وهو تعويض صافي معفى من أية ضرائب، ولا يخضع للتصريح، ويصرف، حسب الحالة، من ميزانية مجلس النواب أو ميزانية مجلس المستشارين".
وفي هذا السياق لم يتوان إدريس الأزمي، العضو والرئيس السابق لفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، في وصف المطالبين بإلغاء معاشات البرلمانيين بـ"التضليل والتدليس"، واتهمهم بـ"نشر الترهات والخوض في أعراض الناس"، كما دعا للتصدي لما وصفها بـ"الشعبوية المقيتة"، التي تهدد، في نظره، البنيان الذي تقوم عليه البلاد.
 
"البام".. معاشات البرلمانيين ريع وغير دستورية
يرى حزب الأصالة والمعاصرة أن معاشات البرلمانيين ريع يجب القطع معه، ولهذا يجب إصلاحه بإنشاء "صندوق للتضامن" بين البرلمانيين، لكن المفاجأة كانت بمطالبة هشام الصابري برلماني حزب الجرار عن بني ملال، إلغاء صندوق معاشات البرلمانيين وتخصيص ميزانيته لصالح صندوق كورونا.
وقال الصابري، في شريط فيديو، توصل به "الغد 24"، أنه من غير المقبول أن تنتهي هذه الولاية التشريعية دون الحسم في قضية معاشات البرلمانيين، بالتصفية النهائية لهذا الصندوق وتوجيه ميزانية تصفيته لصندوق مكافحة كورونا.
وقبله، كانت النائبة البامية ابتسام عزاوي وضعت، في شهر دجنبر 2019، مقترح قانون يتعلق بإلغاء وتصفية معاشات أعضاء مجلس النواب، شددت فيه على أن "المهمة البرلمانية مهمة انتدابية وطنية نبيلة، محددة في الزمان والمكان، وليست وظيفة تستدعي تخصيص معاش خاص. وبالتالي يجب أن ترتبط التعويضات المؤداة بمدة الانتداب البرلماني فقط".
 
مبديع.. معاشات البرلمانيين ليست ريعا
بالنسبة لمحمد مبديع، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، أكد أن رؤساء فرق الأحزاب والمجموعة النيابية سيجتمعون غدا (اليوم الأربعاء) مع رئيس مجلس النواب، بحضور ممثلين عن المؤسسة التي تدبر صندوق معاشات البرلمان، أي صندوق الإيداع والتدبير.
وقال مبديع، في تصريح لـ"الغد 24"، إن ممثلي صندوق الإيداع والتدبير سيقدمون، في الاجتماع، لرؤساء الفرق البرلمانية، صورة عن الوضعية الحقيقية لصندوق معاشات البرلمانيين وكم ميزانيته، لأن البرلمانيين لم يستفيدوا منه منذ أربع سنوات رغم اقتطاع المساهمات من أجورهم.
وأضاف الوزير السابق أنه بعد لقاء الغد سيتقرر، هل "سنذهب في اتجاه الإصلاح أم التصفية لأن الخيارين معا لديهما تكلفة".
وأبرز المتحدث أن موضوع صندوق معاشات البرلمانيين، أثير من جديد بالرغم من الظروف الاستثنائية التي يمر منها البلد، بسبب العجز الكبير الذي يعرفه بالنظر لتزايد عدد البرلمانيين، الذي يفوق عدد المستفيدين منهم عدد المساهمين، وأيضا لكون مدة المساهمة أقل بكثير من مدة الاستفادة.
وأردف الوزير السابق أن غالبية الآراء تذهب في اتجاه كيف سيتم إصلاح صندوق معاشات البرلمانيين، موضحا أن البرلمانيين يساهمون فيه بمبلغ 2900 درهم والبرلمان بـ2900 درهم.
واستحضر مبديع تجربة إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، الذي تم إصلاح عجزه بمراجعة بعض مقاييسه، موضحا أنه يمكن اعتماد نفس تجربة إصلاحه على صندوق معاشات البرلمانيين، بحيث لا تتم الاستفادة منه إلا بعد بلوغ 63 سنة، وعوض أن يستفيد بألف درهم سيستفيد بـ7500 درهم عن كل سنة انتدابية، وعوض المساهمة بـ2900 درهم سيساهم بـ3400 درهم، وهذه كلها مقاييس ستعيد الانتعاش للصندوق، يوضح رئيس الفريق الحركي.
وأردف أن جميع الفرق البرلمانية اتفقت على هذا الإصلاح، وكان من المفروض أن يناقش هذا المقترح اليوم في لجنة المالية، لكن الجميع تفاجأ بتغيير موقف العدالة والتنمية، الذي طالب بتصفية صندوق المعاشات.
وخلص مبديع إلى أن اختيار تصفية صندوق معاشات البرلمانيين، سيطرح عدة إشكاليات لان هناك مساهمين لمدة ثلاثين شهرا في هذا الصندوق، ولَم تسبق لهم الاستفادة منه.
وتساءل: "هل سنعيد للبرلمانيين أموالهم بشكل جزئي أو كلي؟، وهل الاحتياطات كافية لنعيد للبرلمانيين مساهماتهم؟ وهل ستساهم الدولة في فاتورة التصفية وهي التي تعيش ظروفا صعبة؟ وأضاف موضحا أن هذا النقاش يجب أن يحسم فيه قبل مناقشة قانون المالية لسنة 2021.
واعتبر مبديع أن معاشات البرلمانيين ليست ريعا، لأنها من مساهماتهم، موضحا أن جميع الصناديق تساهم فيها الدولة بنفس قيمة المؤمنين، كما هو حال صندوق التقاعد الذي تساهم فيه الدولة بنفس قيمة مساهمة الموظفين.
وأفاد أن مؤسسة البرلمان لديها وضعية اعتبارية، وليس جميع البرلمانيين أغنياء، وأن عددا كبيرا منهم يعيش أوضاعا مأساوية، ومنهم من لا يتوفر حتى على ثمن الدواء.
وقال مبديع إن بإمكان البرلمانيين، الذين لديهم موقف سياسي من المعاش، أن لا ينخرطوا في صندوق معاشات البرلمانيين، لأن لديهم معاشا أو مداخيل أخرى...
 
فدرالية اليسار الديمقراطي تتمسك بإلغاء معاشات البرلمانيين
جدد عمر بلافريج النائب البرلماني عن فدرالية اليسار الديمقراطي، أمس الثلاثاء، خلال اجتماع لجنة المالية، التأكيد على موقف فدرالية اليسار الديمقراطي المتمسك بمطلب إلغاء معاشات البرلمانيين، باعتبار أن العضوية في البرلمان ليست مهنة، وإنما مهمة وطنية، وباعتبار البرلماني يؤدي مهمة، فينبغي أن يتقاضى عنها تعويضا، وليس معاشا، معربا عن تشاؤمه من اجتماع اليوم الأربعاء مدللا على ذلك بأنه لن يحصل إجماع، ولا يمكن ترك الموضوع إلى أن يحصل التوافق...
وذكّر بلافريج، في هذا الصدد، أنه سبق أن تقدم، رفقة مصطفى الشناوي، سنة 2018، بمقترح قانون لإلغاء معاشات أعضاء البرلمان...
وحسب ديباجة هذا المقترح، فإن العضوية في البرلمان تعد مهمة وطنية تتمثل في تمثيل الأمة، وبالتالي فهي ليست مهنة كباقي المهن أو علاقة تعاقدية أو نظامية تستوجب تقاضي راتب والاستفادة من معاش، إذ هي علاقة تمثيلية سياسية، يقوم على إثرها النائب بتمثيل الأمة خلال فترة محددة في الزمن، مقابل تعويض يضمن استقلاليته ويمكّنه من القيام بمهمته بجدية. وبالتالي، تخلص ديباجة المقترح إلى أن "هذا القانون يهدف إلى إلغاء نظام معاشات أعضاء البرلمان"...
 
عمر الشرقاوي: من معاشات البرلمانيين إلى معاشات الوزراء
عبر عمر الشرقاوي، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، عن أمله في أن ينتهي النقاش بخصوص معاش البرلمانيين، اليوم، للمرور إلى المطالبة بإلغاء معاشات الوزراء، التي وصفها بالسيئة الذكر.
وأوضح الشرقاوي، في تدوينة على حسابه على موقع الفايسبوك، أن مجلس النواب شرع في مناقشة معاشات البرلمانيين، بسبب الضغط الذي مارسه رواد الفايسبوك، ولإفلاس صندوق التقاعد الخاص بهم، موضحا أن هذين العاملين لعبا دورا كبيرا في إثارة "بشاعة" هذا الريع.
وقال المحلل السياسي، في التدوينة ذاتها، إنه يريد من البرلمانيين اليوم أن "يستوعبوا أن ملايين المغاربة بلا معاش، ولم يفكر فيهم أحد، بينما أنتم بجشعكم تودون الحصول على معاش عن مهمة انتخابية لخمس سنوات".