ماتزال الصور ومقاطع الفيديو الموثقة لما جرى ببعض المدن المغربية، من خروج جماعي لبعض الناس، في الأحياء والشوارع، وهم يكبرون ويهللون ويسجدون على الإسفلت لطرد الوباء وفيروسه الفتاك، تحصد الاستنكار والشجب والتنديد من مختلف فئات المجتمع.
وإذا رأى كثيرون أن خروج هؤلاء في توقيت واحد، قد يكون وراءه شخص ما، أو جماعة أو تنظيم أو حزب حتى، فإن الفاعل الأساسي وراء هذا التحريض والعصيان، هو الجهل في شتى تجلياته. الجهل بخطورة الوباء.. بقيمة الحياة، بقيم المواطنة، والأكثر من ذلك كله، الجهل بتعاليم الدين. ذلك أن الذين استجابوا لدعوة "الداعي" بالخروج من المنازل، والتجمهر في الأحياء والشوارع للجهر بكلمتي "الله أكبر" و"لا إله إلا الله"، واستعمال الدين في غير محله، بتهور واندفاع وتنطع، لمواجهة عدو هلامي فتاك، حير كبريات الدول الرائدة في مجال الطب، ويحصد يوميا مئات الأرواح في العالم، هؤلاء يجهلون بقدر وافر تعاليم الدين، ويسيؤون إليه، بل ويحملونه من "الجهل والتخلف" ما لا يطيق.
في مثل هذه النازلة، وبالاعتماد على أحكام الدين، إن الذين تجمهروا للتكبير والتهليل، في بيئة موبوءة، يجهلون أنهم دخلوا وهم لا يشعرون في حكم "الخارجون عن الجماعة" بعد تكسيرهم إجماع المغاربة على ملازمة البيوت.. كما يُعتبرون من منظور الدين نفسه "عُصاة" لضربهم جوهر الآية الكريمة "يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم…". و"أولي الأمر" في هذه الحالة، المسؤولون الذين أصدروا قرارات بالمكوث في المنازل بغاية المصلحة العامة، المتمثلة أساسا في الوقاية والنظافة وتجنب الازدحام والاختلاط وترك المسافات بين الأشخاص درءا لانتقال عدوى فيروس كورونا.
كما أن هؤلاء المستعملين للدين، وقعوا في تناقضات عديدة يستنكرها الدين نفسه.. ألم يقل الله تبارك وتعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”؟ إذن، إن خروج هؤلاء في مناطق تشير أرقام وزارة الصحة إلى أنها الأعلى من حيث عدد الإصابات بفيروس "كوفيد 19" هو خروج صريح إلى "التهلكة"، أو الأحرى هي عملية انتحارية، تتجاوز إيذاء النفس الواحدة إلى إيذاء الجماعة ثم المجتمع.
اليوم، هناك قناعة راسخة، لدى السواد الأعظم من الأمة، أن ما جرى من تجمهر غير مبرر باسم الدين في عدد من المدن، تجاوز مسألة التضرع إلى الله لرفع البلاء، وامتد إلى مستوى آخر من الإيذاء العمد للنفس والغير، وتكسير قرار الحجر الصحي، والعصيان المدني، ومحاولة إرباك الدولة التي تسعى مؤسساتها جاهدة إلى محاصرة الفيروس في مهده، حتى لا تصل إلى مستوى الارتباك في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وهلم جرا من الدول استهان مواطنوها بنجاعة الحجر الصحي، ليصبحوا مجرد أرقام في مقابر لا طاقة لها بالموتى.
الآن، وحتى لا تتكرر مثل هذه المشاهد المستفزة والمستهترة، وجب على السلطات العمومية، مزيدا من الحزم والصرامة والجرأة في تطبيق القانون وجزر المخالفين، لأن أي تساهل أو تسامح مع مثل هذه الأفعال، سيكون مجال الندم عليها قد فات، لأن أولويات أخرى
ستفرض نفسها بقوة على الدولة والمجتمع.. آنذاك لا ينفع هؤلاء المتنطعين والمتمردين ندم ولا حسرة.