الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

عبد السلام الصديقي: سوق الأكباش.. المتضررون والمستفيدون

 
د. عبد السلام الصديقي
 
تفصلنا أيام قليلة عن الاحتفال بـ"عيد الأضحى" يوم الاثنين 17 يونيو، وفقا لما تم الإعلان عنه. الاستعدادات جارية على قدم وساق ومخاوف الأسر ذات الدخل المنخفض تتزايد في مواجهة الارتفاع المذهل في أسعار الأغنام وكل ما يصاحبها.
 
وعلى الرغم من أن أضحية العيد ليست فريضة دينية، فقد اعتادت العائلات على القيام بذلك مع استثناءات تمثل 13% من الأسر المغربية، حسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط. لذلك تسعى، بكل الوسائل، إلى اقتناء هذا الحيوان العاشب حتى لو كلفها الأمر اللجوء إلى الاقتراض بفوائد ربوية أو بيع مجوهرات الأسرة أو قطعة أرض. إنها محنة حقيقية في الواقع.
 
وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن المضاربين والوسطاء من جميع الأطياف ينتهزون الفرصة من أجل مراكمة الأموال والثراء على حساب محنة الفقراء. فالمعلومات، التي يتم تداولها وتبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتصريحات الصادرة عن المعنيين أنفسهم، تدعو إلى القلق والسخط...،
 
أولا، الحكومة عملت على تضليلنا مرة أخرى، إذ أكدت مرارًا وتكرارًا على أن سوق الأغنام مزودة بما يكفي لتلبية الطلب، مستعملة بذلك لغة مُطَمْئِنَة، واتضح أن الأمر ليس كذلك، لأن العرض الداخلي غير كافٍ لتلبية الطلب المقدر بأكثر من 6 ملايين رأس. وهو ما أدى إلى قيام الحكومة بمنح تراخيص استيراد لبعض الوسطاء، مع دعم مالي يصل إلى 500 درهم عن كل رأس غنم مستورد من الخارج وإعفائهم من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة. إن إجراء من هذا القبيل يعتبر غير عادل ولا مبرر له، إذ يروم "تسمين" المستوردين بدلاً من تقديم المساعدة المباشرة للأسر المحتاجة.
 
أما بالنسبة للأسعار الحالية، فهي بصراحة تتركنا عاجزين عن الكلام. فعلى عكس السنوات الماضية، عندما كانت أسرة متواضعة قادرة على اقتناء شاة تكلف ما بين 700 و1000 درهم، أضحى من الضروري هذه السنة دفع 3000 درهم على الأقل لنفس الذبيحة. فالأسعار الحالية تتراوح بين 4000 و6000 درهم. أما أولئك الذين يبحثون عن أوهام العظمة والبذخ، وهم بالطبع أقلية صغيرة جدًا، فيذهبون إلى حد دفع 10000 درهم وأكثر.
 
من كان يظن، قبل بضع سنوات، أننا سنلجأ إلى السوق العالمية لشراء أغنام العيد، وهو قطاع كانت بلادنا تحقق فيه الاكتفاء الذاتي عموما. وإذا كان لتوالي سنوات الجفاف تأثير سلبي على الثروة الحيوانية والإنتاج الفلاحي بشكل عام، فلابدّ من الاعتراف بأن السياسة الفلاحية المتبعة في السنوات الأخيرة لم تخدم الفلاحين كثيرًا، خاصة في ما يتعلق بتربية الماشية. تاريخياً، كانت تربية الماشية ممارسة فلاحية بامتياز إلى درجة أن توزيعها كان أقل تفاوتًا بكثير من توزيع الأراضي كما يتضح من الإحصاءات الفلاحية المختلفة. وفي ظل هذه الظروف، لعبت تربية الماشية دورًا في تقليص التفاوتات من خلال تزويد الفلاح بدخل نقدي يسمح له بتغطية عدد معين من المشتريات وحتى التعامل مع سنوات الجفاف. إذ في كل مناسبات عيد الأضحى، استفاد المزارعون الرعويون من تحويلات نقدية كبيرة من شأنها تعزيز سيولة العالم القروي وتقوية الطلب الداخلي.
 
لكن مقاومة الفلاحين هذه لها حدود لدرجة جعلت الوضع الحالي يتغير بشكل جذري. وهكذا، مع تهميش الفلاحين، لم يعودوا قادرين على إطعام قطعانهم المتواضعة بسبب الزيادة في أسعار الأعلاف وكلأ الماشية، إذ وجدوا أنفسهم مجبرين على التخلص منها بسعر منخفض لصالح الوسطاء والمربين الكبار، الذين يتوفرون على الوسائل الكافية وسهولة الحصول على القروض والإعانات العمومية. وفي ظل هذه الظروف، لم يُحرم الفلاح الفقير من تربية الماشية فحسب، بل أصبح يضطر إلى شراء الأغنام مثله مثل سكان المدن. إنه تحوّل اجتماعي عميق للعالم القروي يتسم بـ"البلترة" التدريجية للفلاحين وإفقارهم. وفي النهاية، فإن الأموال، التي تصرف لشراء الأغنام، والتي يمكن تقديرها بأكثر من 16 مليار درهم، لا تفيد العالم القروي، ولا تشكل وسيلة لتعزيز النشاط الاقتصادي كما كان الحال من قبل، بل هي بالأحرى ريع للوسطاء والمضاربين بالجملة.
 
وعليه، فنحن لا ندفع فقط تكاليف الخيارات الفاشلة، ولكننا نعرض للخطر استقلال بلدنا في مجال حساس كان لدينا فيه تفوّق حقيقي ومعرفة لا جدال فيها. نحن محظوظون لأن لدينا فلاحين متجذرين في التاريخ، فلاحون يكدون ويتوفرون على مهارة وخبرة لا مثيل لها. فلو وفرنا لهم حدا أدنى من الوسائل، لتمكنوا من خلق المعجزات وتمكنوا منً تحقيق تنمية فلاحية مرتكزة على الذات وموجهة نحو تحقيق السيادة الغذائية لبلادنا.
 
لقد حان الوقت لتصحيح الوضع، ووضع صوب أعيننا هدفنا الوحيد المتمثل في تحقيق سيادتنا الغذائية وتحسين مستوى معيشة السكان وفي المقام الأول الفلاحون الكادحون. لا يمكننا تصور كل المعاناة الجسدية والنفسية التي تشعر بها الجماهير الشعبية وجزء كبير من الطبقة المتوسطة للحصول على كبش العيد. إنها تضحية لا حصر لها تؤثر بشكل كبير على قدرتهم الشرائية اليوم وغدا.
 
ملحوظة: هذه المقالة عبارة عن تحيين لمقالة في نفس الموضوع نشرت السنة الماضية.
 
__________________________
ترجمه إلى العربية الأستاذ عبد العزيز بودرة
__________________________
 
 
اقتصادي وأستاذ جامعي ووزير سابق