الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

حسن الصعيب: العمل المنزلي أو العمل غير اللائق في زمن ما بعد كورونا

 
حسن الصعيب
 
مرت ست سنوات على دخول "قانون رقم 19.12 لتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين" حيز التنفيذ، ومن أجل تسليط الضوء على مضامينه وخلفياته، ارتأينا تقديم هذه القراءة، أخذا بعين الاعتبار التدهور الاجتماعي لهذه الفئة الاجتماعية، نتيجة اجتياح كوفيد -19، بعد أن سدت في وجهها إمكانية الولوج إلى العمل، أو تكثيف استغلالها من طرف شركات الوساطة.
 
أصبح العمل المنزلي يكتسي أهمية قصوى، في ظل التحولات الديمغرافية والاجتماعية، وتوسع المجال الحضري على حساب المجال القروي، فضلا عن تعميق تقسيم العمل الذي يزداد تعمقا مع توسيع منطق السوق الذي يحول كل عمل إلى بضاعة.
 
وتستمد هذه المهنة جذورها من التاريخ العالمي للعبودية والاستعمار وغير ذلك من أشكال الاستعباد.
 
في المغرب، مثل غيره من بلدان العالم الثالث، أصبح الطلب على مهنة العمل المنزلي، مطروحا بإلحاح، من قبل أسر الطبقات الميسورة والفئات الوسطى من البرجوازية، من أجل التخلص من عبء العمل المنزلي والاندماج في أعمال السوق الرأسمالية ولخلق التوازن أو التوافق بين الحياة الأسرية وظروف العمل.
 
وفي سياق الشكاوى العديدة، التي فجرتها عائلات وأولياء عاملات البيوت، في السنين الأخيرة، على إثر سوء المعاملة والاستغلال المكثف والتحرش الجنسي والاغتصاب وهزالة الأجور وانتشار السمسرة في هذه الفئة الاجتماعية الهشة، يأتي صدور قانون "رقم 12.19 لتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين".
 
تتكون بنية هذا القانون من خمسة أبواب، تشمل إعطاء تعريف لهذه الفئة الاجتماعية، وشروط التشغيل، ومدة العمل والراحة، وطبيعة الأجر، وأخيرا المراقبة والعقاب، التي تدققها 22 مادة.
 
1- في التعريف
 
يعرف هذا القانون العمل المنزلي بأنه "العمل المنجز لدى أسرة أو عدة أسر" (المادة الأولى)، وفي المادة الثانية يحدد لائحة الأعمال المرتبطة بالبيت وهي: "الاعتناء بشؤون البيت، الاعتناء بالأطفال، الاعتناء بفرد من أفراد البيت بسبب سنه أو عجزه أو مرضه أو في وضعية إعاقة، السياقة، أعمال البستنة، حراسة البيت".
 
يحاول المشرع من خلال هاتين المادتين، إيهامنا بالمساواة القانونية بين العمال والعاملات المنزليين، بينما يتضح في مواد أخرى، استحالة هذه المساواة وخصوصا في المادة السادسة، التي تحدد الحد الأدنى للشغل، وهو ما بين 16 و18 سنة، ولن يتم العمل بسن 18 سنة إلا بعد مرور مرحلة انتقالية تصل إلى 5 سنوات.
 
هذا يعني أن الفئة المستهدفة هي القاصرات باعتبارها الفئة الأكثر عرضة للهشاشة، أما أعمال البستنة والسياقة وحراسة البيت، فهي من اختصاص العمال الراشدين.
 
2- في شروط تشغيل العاملات والعمال المنزليين
 
يحدد المشرع العلاقة الشغلية بين المشغل والعاملة أو العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل محدد أو غير محدد، مع مراعاة رضى الطرفين عند التوقيع.
إنه في غياب طرف ثالث ممثل في هيئة خاصة للعائلات وأولياء أمرهم، أو من خلال نقابة تمثلهم، يصبح هذا الإجراء شكليا ولا يترتب عليه في الواقع أي أثر قانوني بموجبه يتم احترام بنود العقد.
 
وإذا كان المشرع قد منع الوساطة عن طريق أشخاص ذاتيين، فإنه في المادة الرابعة قد شرع "تشغيل العاملات والعمال المنزليين عن طريق وكالات التشغيل الخصوصية المحدثة، المتعلقة بالوساطة في الاستخدام وتشغيل الأجراء المرخص لها".
 
إن بيت القصيد في هذا القانون هو مأسسة استغلال القاصرات، والتي تعني إدماج فئة اجتماعية جديدة، وهي عاملات البيوت، في عملية الإنتاج الرأسمالية، كقوة عمل جديدة، ستساهم في التنمية الذاتية لرأسمال شركات ووكالات الوساطة، وإذا أضفنا إلى ذلك الحد الأدنى للأجور، الذي "يقل عن 60 في المائة، من الحد الأدنى للأجور المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة"، وفي غياب تام للحماية الاجتماعية، الغير منصوص عليها في هذا القانون (الضمان الاجتماعي، الحماية من الحوادث...) يتأكد مدى الاستهتار بحقوق القاصرات، والدوس بقوة القانون على كرامتهن.
 
وإذا كانت المادة 7 تمنع "تسخير العاملة أو العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا"، فإن شروط إثباتها، حسب المادة 9، لا تفي بالغرض، إذ يترك المشرع بياضات كثيرة غير مملوءة، عندما يعتبر المشرع أنه "لا يمكن إثبات عقد شغل العاملة أو العامل المنزلي بجميع وسائل الإثبات" ونحن نعلم بالتجربة، أن أغلبية العاملات هن فتيات قاصرات وأميات، اضطررن للهجرة من البادية، كما أن أولياء أمرهن يقمن بزيارتهن فقط من أجل تسلم نقود إجارتهن.
 
وفي الوقت الذي تخلت الدولة عن مسؤوليتها في محاربة الأمية وتعليم النشء، منذ عقود طويلة، خاصة في المناطق القروية والجبلية، تتحفنا بالمادة 11 التي تعبر عن "استفادة العاملات والعمال المنزليين من برامج التربية والتكوين التي توفرها الدولة، لاسيما برامج محو الأمية والتربية غير النظامية وبرامج التكوين المهني"، ويبقى -ويا للمفارقة- تنظيم هذه الاستفادة من البرامج المذكورة تخضع لاتفاق بين المشغل والعاملة أو العامل المنزلي.
 
3- مدة العمل والراحة
 
يطالب المشرع المشغل باحترام مدة العمل التي لا يجب أن تتعدى 48 ساعة في الأسبوع، مع العلم أن نسبة كبيرة من الباطرونا في المصانع والشركات لا تلتزم بهذه المدة، رغم المحاضر، التي دبجها بعض مفتشي الشغل ضد الباطرونا، ورغم طرح هذه المسألة مرارا وتكرارا في قبة البرلمان من طرف النقابات المركزية، فجميع المواد 13 و14 و16 و17 و18 التي تعبر عن الحقوق الاجتماعية التي من الواجب أن يجسدها المشغل في علاقته بالعاملة أو العامل المنزلي لا تتوفر نهائيا شروطها.
 
4- الأجر
 
رغم أن ظروف العمل المنزلي، تتسم بكثرة الأعمال الشاقة وتنوعها: من الطهي إلى الرعاية، فالأجر الذي حدده المشرع هو "60 في المائة من الحد الأدنى القانوني للأجر، المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، ولا يمكن بأي حال اعتبار مزايا الإطعام والسكن ضمن مكونات الأجر النقدي"، ألا يعتبر هذا وحده نوعا من هدر كرامة العاملة أو العامل المنزلي.
 
أما ما تبقى من مواد تحت هذا الباب، وهي متعلقة جميعها بالحقوق المترتبة عن الفصل أو الطرد من العمل لأسباب مختلفة، تبقى مجرد حبر على ورق، إذا قارنا وضعية هذه الفئة بوضعية الطبقة العاملة في المصانع والشركات، التي تتعرض يوميا للطرد التعسفي، دون أن ينصفها القضاء، بل منهم من زج به في السجن لأنه "عرقل حرية العمل".
 
5- المراقبة والعقاب
 
تحت هذ الباب، تُقنّن المواد 22 و23 و24 و25 و26 و72 الغرامات والعقوبات ضد المشغل في حالة "عدم تنفيذ عقد العمل المبرم بينهما" وخاصة في الحالات التالية:
 
- عند تشغيل عاملة أو عامل منزلي يقل عمره عن 18 سنة، بعد انصرام الفترة الانتقالية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 6 أعلاه.
- كل شخص شغل عاملة أو عاملا منزليا يتراوح عمره ما بين 16و18سنة دون إذن من ولي أمره.
- كل شخص ذاتي يتوسط في تشغيل عاملات أو عمال منزليين بمقابل.
- كل شخص استخدم عاملة أو عاملا منزليا خلافا لأحكام الفقرة الثالثة من المادة 6 أعلاه
- كل شخص استخدم عاملة أو عاملا منزليا جبرا.
 
وتتراوح "الغرامة بين 3000 و5000 درهم كل مشغل لم يتقيد بأحكام المادة 3 أعلاه".
 
الخلاصة أن هذا القانون جاء لتكريس ثلاثة أهداف مترابطة: أولا المساهمة في تنظيم هذه المهنة لدرء مخاطر اتهام الدولة بالتقصير في حق هذه الفئة الاجتماعية، ثانيا محاربة سماسرة العمل المنزلي كأفراد، فيما تم السماح بمزاولتها لشركات الوساطة، وثالثا تكريس الهشاشة في الشغل كشكل حديث في أنظمة الشغل الرأسمالية الذي أصبح معمما في كافة المعمور.
 
يتضح من كل ذلك أنه في غياب شروط العمل اللائق كما حددتها منظمة العمل الدولية، المتمثلة في التنظيم الجماعي للعاملات والعمال المنزليين، ذلك أن العمل النقابي والحق في المفاوضة الجماعية مبدآن أساسيان من مبادئ منظمة العمل، أي أنه في غياب التنظيم النقابي لهذه الفئة الاجتماعية، يستحيل الوصول إلى ضمان حقوقها الاجتماعية وحمايتها والترافع عنها في المحاكم.
 
وتتمثل المهمة الثانية في الدعم القوي الذي يجب أن تتلقاه من طرف هيئات المجتمع المدني النزيه، من خلال تجسيد على أرض الواقع برنامج للدعاية بحقوق هذه الفئة الاجتماعية، وبفرض مساعدات اجتماعيات بصفتهن مؤهلات للتواصل مع هذه الفئة الاجتماعية وإعطائها الصلاحيات القانونية للتفتيش والمعاينة على غرار مفتشي الشغل.
 
 
كاتب مغربي وفاعل سياسي