درس البريكس للجزائر.. في الحاجة إلى علاقات جديدة تعزز التعاون بين الشعوب المغاربية
الكاتب :
مسعود بوعيش
مسعود بوعيش
من بين النتائج المعلنة، بعد اختتام أشغال قمة دول مجموعة "بريكس"، المنعقدة يومي 23 و24 غشت الجاري في جوهانسبورغ، عاصمة دولة جنوب أفريقيا، الدولة العضوة والمستضيفة، قبولُ طلب انضمام 6 دول جديدة (الأرجنتين بمؤشرات اقتصادها المتنوع من قارة أمريكا الجنوبية، وإثيوبيا مقر الاتحاد الأفريقي وموقعها الجغرافي على الساحل الشرقي لأفريقيا، ومصر الأفريقية بثقلها السكاني الواقعة على نهر النيل وممر قناة السويس، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الدولتان العضوتان في منظمة الأوبيك OPEC ومنظمة الأوبيب OPEP والعضوتان في مجلس التعاون الخليجي بثقله الاقتصادي المتنوع وقدراته العسكرية، والواقعتان جغرافيا في المنطقة الآسيوية، وجمهورية إيران الإسلامية بموقعها الآسيوي وثرواتها الطاقية وثقلها الاقتصادي والسكاني وموقعها في المجال الحيوي للأمن الاسترايجي لروسيا والصين والهند، مع رفض طلب الانضمام المقدم من قبل دولة الجزائر النفطية، والتي بذل رئيسها مساعي حثيثة خلال سنتين للفوز بالعضوية، معتمدا في ترافعه على إيديولوجية حقبة الحرب الباردة بعد سقوط جدار برلين في نونبر 1989 وبداية تفكك الاتحاد السوفياتي...
توافقت جميع الدول الأعضاء المؤسسة والمشكلة حاليا لمجموعة بريكس على رفض طلب الجزائر لعدم توفرها على الشروط المطلوبة.
كلمة وزير المالية الجزائري الممثل الشخصي للرئيس تبون في القمة، الرئيس الذي تلقى دعوة شخصية من رئيس جنوب أفريقيا ولم يحضر ولم يَنتدب وزيره في الخارجية، بل كلّف وزيره في المالية لتلك المهمة الديبلوماسية...، كلمة الوزير ركّزت على التذكير بـ"التاريخ المجيد للجزائر"، عوض الترافع والإقناع بمؤهلات وقدرات الاقتصاد الجزائري على التنافس والتكامل...
الندوة الصحفية، التي انعقدت بعد اختتام الأشغال، جاءت بتعليقات وتدقيقات مهمة حول الشروط المطلوبة للانضمام، والتي يمكن تلخيصها، من خلال ما جاء في مضامين المتدخلين، في "الأفكار المشتركة" و"وزن وهيبة الدولة" وأدوارها في حل النزاعات وتقوية التعاون والتبادل بين الدول والتنوع والتعدد الاقتصادي وقدرة القطاع الخاص على الاستثمار داخليا وخارجيا والسعي إلى التكامل الاقتصادي بين الدول المجاورة والانخراط في التكتلات والمجموعات المالية والاقتصادية وحجم الناتج الداخلي الخام... إلخ...
حول الأفكار الاقتصادية المشتركة: الجزائر المرشحة لعضوية بريكس ليست عضوة في منظمة التجارة العالمية OMC، التي تأسست بمدينة مراكش في أبريل 1994! وخرجت رسميا إلى حيز الوجود في 1 يناير 1995، تضم حاليا 184 دولة، 160 دولة عضوة و24 دولة بصفة مراقب.
مجموعة بريكس "BRIC+S" (الدول الأربع الصين وروسيا والهند والبرازيل "بريك"، التي تأسست سنة 2009، زائد جنوب أفريقيا، التي التحقت سنة 2011) تكون وضعت مرجعية ومصادر الفكر الاقتصادي، الذي يسبح فيه النظام الجزائري، محط تساؤل...
وعليه، فإن بريكس تسجل حالة اللامغارب اقتصاديا وماليا، وتحمّل المسؤولية للنظام الجزائري عن أحوال الأوضاع السائدة في فضاء الاتحاد المغاربي، الذي يقع في منطقة شمال أفريقيا، المطلة على جنوب البحر الأبيض المتوسط، وعلى الدول الأوروبية الواقعة شمال المتوسط، المقابلة للدول المغاربية الخمس بالمنطقة، والتي يجمع بين شعوبها التاريخ والجغرافيا والأديان والثقافات واللغات، في التشكل والروافد والتطورات والحلم الجماعي المشترك لشعوبها في العيش جميعا بسلام وبتحقيق التنمية والتقدم والرفاه...
وبعبارة أوضح، فإن النظام الجزائري، الذي لا يسعى عمليا الى التكامل بين اقتصاديات دول الاتحاد المغاربي، ولم يستطع الانخراط في أي تكتل اقتصادي ناجح، ولم يساهم في حل أي نزاع دولتي قائم، بل عمل ويعمل على افتعال نزاعات إضافية مع جيرانه شرقا (ليبيا وتونس)، وغربا (المغرب)، وجنوبا (موريتانيا ومالي والنيجر)، يُعتبر (النظام الجزائري) غير مفيد للانضمام إلى مجموعة (بريكس +6)، وبالتالي لا يجوز قبول عضوية دولة تشكل سياساتها مصدر فتن وقلاقل، وكان نظامها السياسي في ظل الحزب الوحيد السبب في فشل "الاتحاد المغاربي" القائم منذ اجتماع قادة الدول الخمس بمراكش سنة 1989 والإعلان عن تأسيسه. كما يعتبر نظام الجزائر الفاعل المباشر في صنع ورعاية نزعة الانفصال لدى جماعة البوليساريو والميليشيات المسلحة والمدربة من قبل الجيش النظامي الجزائري، الذي يُسهّل توافد عناصر ومرتزقة من الخارج إلى منطقة تيندوف الواقعة تحت نفوذ دولة الجزائر، العضوة في الأمم المتحدة، وهي عناصر من عدة جنسيات ينتمي أعضاؤها لمنظمات إرهابية مسلحة لأجل تدريب المرتزقة.. نظام الحكم بالجزائر، الذي عمل، خلال 48 سنة الماضية، على مناهضة حق المغرب في استكمال الوحدة الترابية باسترجاعه لصحرائه الغربية من الاستعمار الإسباني وفق اتفاقية مدريد الموقعة في نونبر 1975، والمسؤول سياسيا عن تَحوُّلِ جبهة البوليساريو الانفصالية، المقيمة عناصرها بمحافظة تيندوف فوق التراب الجزائري، إلى ميليشيات مسلحة تشكل مصدرا لتنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والاتجار في المخدرات والهجرات البشرية الغير النظامية في منطقة الساحل الأطلسي وبين دول أفريقية جنوب الصحراء...
هل استوعب حكام الجزائر الرسالة السياسية البليغة الواردة من قمة جوهانسبورغ عاصمة دولة حليفة له؟!
الذكاء الجماعي السياسي لقادة دول مجموعة بريكس يعني أنه لا يجوز قبول نقل مشاكل النظام الجزائري المعقدة إلى "حظيرة" مجموعة بريكس، التي تسعى إلى تحقيق أهداف سامية لصالح السلم والسلام وتصحيح طبيعة العلاقات الدولية الحالية التي يهيمن على اقتصادياتها قطب اقتصادي واحد ووحيد، والذي أصبح يشكل تهديدا للتوازنات الدولية المطلوبة في ظرفية الانتقالات الكبرى التي تجتازها البشرية فوق كرة أرضية تعيش اختلالات أيكولوجية ومناخية مستجدة صعبة..
ومهما تكن تلك الأبواب، التي ستظل مفتوحة للدول المعنية الراغبة في الانضمام مستقبلا لمجموعة بريكس +6، فإن عدم الإسراع في نهج سياسة جديدة تساهم في حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية بانخراط الجزائر في جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي يشجع الأطراف على الحل السياسي السلمي بقبول مخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية منذ 2007 بعد إقرار المبعوثين الشخصيين للأمين العام للأمم المتحدة السابقين، منذ سنة 2003، باستحالة إجراء الاستفتاء... المقترح المغربي الذي لقي دعم مجلس الأمن الدولي الذي يتولى حصريا تدبير الملف ويحظى بدعم أكثر من 90 دولة عضوة في الأمم المتحدة، ذلك الدعم المرشح للارتفاع وبالتالي العمل بجدية على إحياء هياكل الاتحاد المغاربي الكفيل بتصفية أجواء التوتر وفتح الحدود البرية والجوية بين الدول الخمس، وهي المبادرات الكفيلة بفتح صفحة جديدة من العلاقات تساهم في تعزيز التقارب والتبادل والتعاون بين الشعوب المغاربية ودولها الخمسة من جهة، وبين الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، ومع كل التكتلات الإقليمية الاقتصادية والمالية والسياسية، التي تعمل تحت ظل القانون الأساسي للأمم المتحدة، وتسعى إلى تصحيح علاقات التبادل الغير المتكافئ بين دول الشمال والجنوب الناتجة عن منظومة سياسية عكست تصورات المنتصرين في الحرب العالمية الثانية سنة 1945 وتداعياتها خلال الحرب الباردة من حقبة القطبية الثنائية، وبناء علاقات جديدة من الشراكات تكون كفيلة بتعزيز دور المنظمات الحكومية وغير الحكومية الدولية وخلق فرص جديدة في التنمية والتحرر والتقدم لكافة الشعوب...