الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الطريق الرابع.. طريق مقاومة البيروقراطية

 
المصطفى المريزق
 
لقد شكلت تعددية الأحزاب والتنظيمات المغربية اليسارية عقبة حقيقية أمام تطور اليسار نفسه، خاصة وأن هذه التعددية وُلدت من رحم الانقسامات والانشقاقات التي لم تتوقف طيلة أزيد من 60 سنة لأسباب موضوعية وذاتية، أظهرت العديد من العلل والأمراض بشكل مكثف.
 
ويَعتبر الطريق الرابع أن ما وقع، لم يحظ بالاهتمام والنقد الضروريين، حيث سقط اليسار في الانفعالات أكثر من الأفعال (بالمعنى السبينوزي)، خاصة في السنوات الأخيرة من عمره مع احتداد الخلافات بين مكوناته (التي حرمته من الرغبة كطاقة حياة ومن الغاية لتحرير الطاقات)، والتي للأسف توارثتها الأجيال اللاحقة، وتعمقت هوتها جراء غياب الديمقراطية الداخلية، وتغييب الرؤى الاستراتيجية، وتحكم البيروقراطية وسيطرتها على الأجهزة التنظيمية.
 
من هنا، فالطريق الرابع، هو حراك داخل المجتمع، يؤسس للقدرة على امتلاك رؤية جديدة للحرية كفعل وفق الضرورة وليس وفق الرغبة، أساسها المساهمة في إعادة البناء، لتجاوز التيه الذي وصل إليه اليسار وانسداد الأفق منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين، وبناء قاعدة تنظيمات لا مركزية، وإعطاء المناضلين والمناضلات قدرا كبيرا من الحرية في العمل الميداني، وتشجيعهم على الإبداع وروح الابتكار والمبادرة، والسماح لهم بالنفاذ إلى وثائق الأرشيف، نظرا لخاصيتها المعرفية والأكاديمية، وتمكين الباحثين والدارسين من الاطلاع على ذاكرة اليسار وما تبقى منه.
 
إذ لا يخفى أن البنيات المغلقة لليسار قد ساهمت في طمس جزء من هويته، وخلقت التراتبية البيروقراطية التي أدت في السنوات الأخيرة إلى انحسار الحركة الجماهيرية حوله، والإجهاز على حرية العقيدة والفكر والثقافة والسلوك الفردي، وإضفاء طابع القداسة على القرارات الفوقية وجعل المناضلات والمناضلين منفذين بدل التمكين لهم بجعلهم متفاعلين، وتبني نوع من الخطاب السياسي الشعبوي لدغدغة مشاعر الناس طمعا في جذب الأنظار، واستقطاب الناس، وجلب الأصوات الانتخابية.
 
إن مساهمة الطريق الرابع في إثراء هذا الحوار الضروري، هو مساهمة من أجل تحرير المناضلين والنخب من الوهم لتحقيق سعادتهم، كما تطمح هذه المساهمة إلى تلمّس مكامن النقص ومظاهر الخطأ، وتجاوز المعوقات وتحريك المياه الراكدة لفترة طويلة، والبحث عن سبل إعادة البناء ومقاومة الشيخوخة السياسية والبيروقراطية.
 
فهناك اليوم كما هو باد للعيان، شعور جارف بوطأة أزمة اليسار، ولجوء ما تبقى منه لعرقلة الحراك الشبابي الواعي والمسؤول، أو للركوب على مبادراته، وعلى وقفاته الاحتجاجية.
 
وفي غياب النقد الفكري والعلمي للواقع، والتثقيف السياسي عبر مراكز البحث والجامعات الشعبية والمنتديات الموضوعاتية والمقاهي الثقافية والأدبية ودور السياسة والتاريخ والقانون وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، لاحتضان التجاذبات الفكرية، أفرزت الساحة موجة صاعدة من المدونين الذين تجاوزوا ما تبقى من اليسار، وفرضوا أنفسهم على وسائل الإعلام المختلفة، بتدويناتهم، وبياناتهم، وتعليقاتهم السياسية والأدبية والاجتماعية، واحتجاجاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
 
إن الحرب الطاحنة، الخفية منها والمعلنة، بين مكونات ما تبقى من اليسار، سمحت لاجتثاث جذور اليسار من المجتمع، وقطع أواصر العلاقات بينه وبين الشباب والنخب الجديدة وفقراء المدن والقرى وسكان الجبل والواحات والسهول والسهوب، والضغط على كل العناصر المتنورة منه، وخنقها، وتحطيم عنفوانها، وسلب حريتها، وهو ما أدى إلى ضعفها ومحدودية تأثيرها، وتقزيم وجودها في إطارات تقودها ظواهر صوتية تدعي اليسارية، وتكتفي برفع شعارات ترددها حتى الجمعيات المبادرة.
 
الطريق الرابع رؤية تريد تأسيس وجودها على الفهم وليس على الحكم: ما الذي يجعل اليسار عبدا للانفعالات؟ ما هي مصلحة اليسار الآن؟ هل ما تبقى من اليسار اليوم إيديولوجيا (لملء الفراغات) أم ثقافة ( لترميم الفروق والشقوق وإصلاح العيوب) أم فلسفة (محنة وجودية، نشاز وإزعاج) أم ديمقراطية (مع العلم أن سقراط قتلته الديمقراطية)؟
 
الرئيس الناطق الرسمي لمنتدى مغرب المستقبل (حركة قادمون وقادرون)