الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الخطاب حول حرية الصحافة في الجزائر تسويقي ينفيه واقع احتكار السلطة للإعلام

 
أعده للنشر: د. جمال المحافظ
 
إن القول بوجود حرية الصحافة في الجزائر، كما يشهر له الخطاب الرسمي، يبقى خطابا تسويقيا ينفيه الواقع، وتكذبه تصريحات مختلف الفاعلين الإعلاميين، فالسلطة تحتكر الطباعة وتوزيع الصحف والإشهار الحكومي والرسمي، حسب دراسة علمية قدمها أستاذ جزائري باحث في الإعلام والاتصال.
فتحت عنوان "النظام الإعلامي في الجزائر من 1962 إلى 2016: دراسة في ثالوث النسق السياسي، والمنظومة التشريعية والنموذج الاقتصادي"، قال الدكتور رضوان بوجمعة الأستاذ بكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر3، في هذه الدراسة، إن السلطة ما زالت مستمرة في استخدام الإعلام العمومي كإعلام حكومي، خارقة بذلك مختلف القوانين المنظمة للقطاع ولدفتر شروط الإعلام العمومي.
 
الإعلام دعامة للمحافظة على الوضع القائم
وأوضح رضوان بوجمعة، الذى قدم هذه الدراسة في احدى ورشات عمل احتضنتها العاصمة اللبنانية بيروت، أن فتح القطاع السمعي البصري على الاستثمار في الجزائر، لم يخرج في أحسن الحالات عن إعادة إنتاج ما حدث مع الصحافة المكتوبة، فكل ما يتم، له هدف مركزي، هو تسيير الإعلام بمختلف وسائله ووسائطه كدعامة للمحافظة على الوضع الراهن والقائم.
وإذا كان النسق السياسي في الجزائر يعيد انتاج نفسه، ويتفادي تحوّل الإعلام إلى سلطة مستقلة تمارس دورها في الرقابة وفي الوساطة، فإن الهدف الاستراتيجي للسلطة في الجزائر هو تفادي أي تحول نحو مسار ديمقراطي فعلي يفرض السيادة والشرعية الشعبية.
وتناولت الدراسة الإشكاليات التي تطرحها بنية الإعلام الجزائري منذ استقلال الجزائر، مع التوقف عند أهم المراحل التي عرفها تطور النظام الإعلامي في الجزائر، في مستوياته السياسية والقانونية والاقتصادية، مع البحث في جذور النظام الإعلامي، والمحطات التاريخية والسياقات السياسية والتشريعية والاقتصادية، التي صاحبت التطور البنيوي والتنظيمي للظاهرة الإعلامية في الجزائر.
 
إعلام للدعائية وتبعية اقتصادية وولاء سياسي صارم
وأكد الأستاذ بوجمعة رضوان على حقيقة تاريخية مهمة، تتعلق بارتباط الظاهرة الإعلامية في الجزائر بالدعاية والسياسة، وأن السياسة الإعلامية في الجزائر لم تنجح في تغيير النظام الإعلامي الذي يبقى من 1962 إلى الآن لصيقا بالبنية الدعائية للخطاب الإعلامي، وبالتبعية الاقتصادية للمؤسسة الإعلامية، وبالولاء السياسي لمسؤولي المؤسسات الإعلامية للنخب الحاكمة بمختلف توجهاتها وزمرها وشبكاتها.
وإذا كانت المنظومة الإعلامية في عهد الأحادية الحزبية (1962-1988)، ترجمة واضحة لفلسفة النظام السلطوي الذي مكّن الدولة من احتكار وسائل الإعلام، وتوجيه سياستها، ومنع الملكية الخاصة، فإن هذه المنظومة في عهد ما سمي بالتعددية (1989-2016)، يضف الباحث الجزائري، حتى وإن لم تتغير في عمقها الاستراتيجي، إلا أنها تحولت على المستوى الدستوري والمؤسساتي، والتشريعي، رغم أن ذلك لم يصاحبه أي تغيير عميق في الممارسات السياسية والإعلامية والاقتصادية.
ومن أجل ضمان أكبر قدر ممكن من الوضوح في تفسير هذه التحولات في النظام الإعلامي بالجزائر، قسم الباحث الجزائري مساهمته العلمية، إلى سبع مراحل أساسية، كل مرحلة توقف فيها عند أهم التحولات التي عرفتها المنظومة الإعلامية في علاقتها بالنسق السياسي والتشريعي والاقتصادي.
 
وسائل الإعلام في خدمة السلطة وتوجهاتها
أما في ما يخص السمعي البصري العمومي، فبقي محتكرا من قبل السلطة، إذ إن القنوات الإذاعية، والتلفزيونية العمومية، تقوم بخدمة السلطة والحكومة، لذلك كثيرا ما وجهت لها سهام الانتقادات والتهم بأنها منحازة للسطة ورجالاتها وأحزابها وكل من يواليها.
هكذا يرى الباحث الجزائري أن النسق السياسي في هذا البلد المغاربي، مر بسبعة مراحل، فالمرحلة الممتدة ما بين 1962 إلى 1965، تميزت بهيمنة الرئيس على كل السلطات، وهيمنة الحزب على الدولة، واحتكار السلطة في مجال الإعلام على الطبع والنشر والتوزيع. فهوية الصحافي في الخطاب الرسمي، يوضح الباحث الجزائري، لم تكن لها أبعاد مهنية، ولم يطلب منه أن يكون ذكيا ولا حتى أن يعرف كيف يكتب ولكن كان يطلب منه، أن يكون مرهف الاستماع وأن يوجد في الوقت وفي المكان المناسبين.
وفي الفترة الثانية، التي تمتد من 1965 إلى 1978، كانت الممارسة الصحفية، تختصر المهنة في النضال الإيديولوجي والولاء للحزب، ففي هذه المرحلة التي كانت السلطة التنفيذية، تؤدي حتى وظيفة التشريع، حصرت مهام الصحافي في النضال والتعبئة والتجنيد، وهو ما كان له الأثر البالغ على مستوى نوعية الصحافة ليزداد ضعفها مستوى الصحافة وشخصية الصحفي وهو ما يزيد من احتمالات خضوع الصحافي لأهواء المسؤولين...
وفي عهد الأحادية الحزبية والتي تبدأ سنة 1978 وتنتهي في يناير 1989، عرفت صدور أول قانون للإعلام سنة 1982 والذي قنن استحواذ الحزب والمنتمين له على الأجهزة الإعلامية، وهو القانون الذي لم يدم أكثر من سبع سنوات، بعد انتهاء عهد الحزب الواحد بعد أحداث أكتوبر 1988، ودخول الجزائر عهد ما سمي بالتعددية السياسية والإعلامية، في الوقت الذي بدأت المرحلة الرابعة في فبراير 1989، مع إقرار دستور ما سمي بالتعددية السياسية والإعلامية، وتنتهي في يناير 1992 مع استقالة الرئيس الشاذلي، وإلغاء المسار الديمقراطي والانتخابي.
 
وسائل إعلام للتضليل وإشاعة الكراهية
أما في الفترة التي تبدأ من سنة 1992 إلى غاية 1999، فيمكن القول إنها أحد أصعب وأخطر المراحل على مهنة الصحافة التي ذهب فيها عشرات الصحافيين ضحايا العنف والإرهاب والاختطاف القسري...
فالصحافة، استخدمت في حملات تضليل وإشاعة الكراهية، من أجل ضمان إعادة انتاج النظام السياسي، والأمثلة على ذلك كثيرة، من ذلك استخدام الصحافة الخاصة في حملة ما عرف بصيف 1997 من قبل بعض الزمر داخل السلطة ضد رجال الرئيس والجنرال ليمين زروال، كما أنها استخدمت كما استخدم الإعلام العمومي ضد كل رموز المعارضة التي كانت تدعو إلى حل سياسي وسلمي شامل للأزمة الجزائرية، حسب الأستاذ بوجمعة رضوان.
في حين أنه في الفترة من 1999 إلى يناير2011 والتي بدأت بصعود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في أبريل 1999، يمكن وصفها بمرحلة احتكار السلطة للدولة وللإعلام، فخطابات الرئيس تخلط بين السلطة والدولة، وهو الذي وصل به احتكار التلفزيون والإذاعة، ووكالة الأنباء الجزائرية إلى درجة جعلت الكثير من المتتبعين يصفون النشرة التلفزيوينة الرئيسية للتلفزيون العمومي بأنها نشرة رئاسية وليست نشرة رئيسية.
وتبدأ المرحلة السابعة من فبراير 2011 إلى آخر سبتمبر 2016، فيمكن وصفها بمرحلة التغييرات الدستورية والتشريعية لكن مع المحافظة على الوضع القائم في الوقت نفسه. إلا أن الأستاذ رضوان بوجمعة، خلص في هذه الدراسة التي قدمت في إطار ورشة عمل بعنوان "الإعلام والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية" شارك فيها عدد من الإعلامين والخبراء من عدد من البلدان العربية سنة 2016، نظمها منتدى البدائل العربي للدراسات بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية ونشرت مؤخرا ضمن منشورات المنتدى لكن كل هذه التغييرات "لم تزد الإعلام بالجزائر إلا انغلاقا، ولم تمنع الأزمة المالية الخانقة للكثير من العناوين الصحفية من الاستمرار، وكل ذلك كان يهدف للمحافظة على استقرار مفروض، وعلى الوضع الراهن والقائم".
وعلى صعيد آخر، تمتنع وسائل الإعلام الرسمية من اذاعة وتلفزيون ووكالة الأنباء الجزائرية عن تغطية ومواكبة الحراك الشعبي، وتتجاهله كحدث مركزي له تداعياته السياسية. وعلى الرغم من مقاطعتها للتظاهرات في الجزائر، لا يجد التلفزيون الرسمي والقنوات المحلية حرجاً في إيلاء اهتمام وتغطية للانتفاضة في العراق ولبنان، واليمن، وتفتح نقاشات حولها وتداعياتها، كما أفاد موقع "العربي الجديد" الإخباري في إطار متابعته للحراك بالجزائر.
وأشار موقع "العربي الجديد" إلى أن السلطات الرسمية تمارس ضغوطاً كبيرة على القنوات التلفزيونية، لمنعها من تغطية الحراك الشعبي، وهو أمر لا يروق جزءاً مهماً من الصحافيين العاملين في هذه القنوات، مذكرا بأن عددا من الصحافيين في التلفزيون الرسمي كانوا قد نشروا في بداية الحراك الشعبي فيديو وثّق نقاشاً في مقرّ عملهم، حول ضرورة تجاوز هذه الضغوط، وتحرير التلفزيون من الأوامر الفوقية، والتعامل مع الحراك الشعبي والتظاهرات كحدث يدخل في إطار نقل الخبر وتقديم الخدمة العمومية.
 
كاتب وإعلامي مغربي