الحكومة الفاشلة وتغول القطاع الخاص.. الديمقراطية الاجتماعية كحل!
الكاتب :
عمر إسرى
عمر إسرى
* ما وقع في الدارالبيضاء، خلال الفيضانات المترتبة عن التساقطات المطرية القوية، والتي تسبب فيها اختناق قنوات تصريف المياه، وإخلال مجلس المدينة الذي يترأسه "الإخوان" ومعه الشركة المكلفة بالتطهير السائل بمهامها التي تتقاضى عليها الملايير، مع عدم تجاهل مسؤولية الحكومة كذلك، لأن المسؤول الأول أمام المواطن هي تلك المؤسسات المنتخبة، التي تعاقد معها من خلال صناديق الاقتراع.
* ما صدر خلال جائحة كورونا، عن عدد من المصحات الخاصة من سلوكات رأسمالية جشعة، على حساب حياة وسلامة وصحة المواطنين، وجيوبهم المُنْهكة أصلا.
* ما قامت به المدارس الخصوصية تجاه آباء وأولياء التلاميذ من مطالبة، بدون رحمة، بأداء "مستحقات تعليم أبنائهم"، والأبناء أصلا كانوا في حجر منزلي.
* ردود فعل الحكومة والمنتخبين كان مخجلا ومُرسِّخا ومشجعا للسلوكات الرأسمالية المتوحشة، حيث دعا رئيس مجلس جهة الدارالبيضاء المواطنين المتضررين من الفيضانات إلى متابعة الشركة المكلفة بالتطهير السائل، للحصول على التعويضات، أما وزيرا الصحة والتربية الوطنية فتحدثا عن عدم وجود سلطة للوزارتين على المصحات والمدارس الخاصة، وإن قام الأول بإجراءات محدودة على ضوء بعض الشكايات، والثاني بتدخلات ودية هشة بين المواطن وباطرونا التعليم الخاص.
كل هذا يؤكد مرة أخرى على عدم تحمل الحكومة والسياسيين لمسؤولياتهم، ويبين أن التوجه الذي تتبعه هو توجه نيوليبرالي متوحش يمكنه حماية الشركات والمقاولات الخاصة، دون القيام بما يجب عليه لحماية المواطنين من جشع الباطرونا والقطاع الخاص، حتى في عز أكبر أزمة صحية وإنسانية يعيشها العالم خلال القرن الواحد والعشرين.
إن مصدر المشكل هنا في الحقيقة، هو اتباع توجه يمنح صلاحيات واسعة للقطاع الخاص فتكون الحكومة غير قادرة على جزر سلوكاته التي تتنافى مع الالتزامات الاجتماعية للدولة تجاه مواطنيها، وهنا تبرز أهمية توجه مشروعنا الحزبي "التجمع من أجل التغيير الديمقراطي"، الذي يتبنى الديمقراطية الاجتماعية، والتي من بين أسسها تحمل الحكومة لكامل مسؤولياتها انطلاقا من إجراء إصلاح عميق يتأسس على تشجيع القطاع الخاص لأهمية ذلك في خلق الثروة، لكن تحت مراقبة الحكومة لهذا القطاع حتى يتم توجيهه نحو المساهمة في تمويل سياساتها الاجتماعية وأخذها بعين الاعتبار في أنشطتها وسلوكاتها، سياسات يجب أن تنبني على روح ما يسمى "دولة الاستثمار الاجتماعي"، وعلى توفير الخدمات الأساسية للمواطن وعلى رأسها تعليم وصحة مجانيان في كل الظروف والسياقات، كجزء من استراتيجية متكاملة عميقة ومحكمة، في اتجاه تقليص الفوارق الطبقية والمجالية.
إن التوجه نحو تبني هذا النموذج صار أمرا ملحا، ولابد من امتلاك شجاعة سياسية لمراجعة علاقة الحكومة بالقطاع الخاص، وسن قوانين من شأنها وقف تغَوُّلِه على المواطن، وفرض شروط صارمة على تلك المقاولات والشركات التي تشتغل في مجالات اجتماعية من قبيل التعليم والصحة والتطهير السائل وغيرها، مع إخضاعها قانونيا للانخراط في حمل جزء من تكاليف الأزمات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية.
ليس هذا فقط، بل إن بلدا مثل بلدنا يحتاج إلى فرض ضريبة على ثروات الأغنياء لتذهب عائداتها إلى جيوب الفقراء، أو جيوب منتجيها الحقيقيين وعلى رأسهم العمال، كشكل من أشكال إعادة التوزيع العادل للثروة، وتشغيل ضعف أضعاف المفتشين الماليين لمتابعة ومراقبة أرباح الشركات والمقاولات، ووضع استراتيجية دقيقة لوضع حد للتهرب الضريبي، مع مراجعة النظام الضريبي لتحقيق عدالة جبائية.
بدون إصلاحات عميقة مثل التي ذكرناها، وإجراءات أخرى تمس مختلف القطاعات، لا يمكننا السير قدما نحو "دولة الاستثمار الاجتماعي"، نحو المساواة وتكافؤ الفرص، من أجل وطن تتقلص فيه الفوارق الطبقية والمجالية، كشرط من شروط تقوية "المواطنة الحقة" و"الديمقراطية الراسخة" وتحقيق "الاستقرار" في أفق الرفاه.
إن الحكومة الحالية التي يترأسها حزب يميني نيوليبرالي بكفاءات محدودة، غير مؤهلة للقيام بإصلاحات مهمة في اتجاه جعل الخدمات الأساسية للمواطن أولوية لها، بل إنها لا تستطيع حتى تحمل مسؤولياتها أمام المواطنين في مشاريع بسيطة تدخل ضمن صلاحياتها، لذلك تتركهم وجها لوجه مع الشركات المتغولة، ضاربة عرض الحائط "عقدها الاجتماعي" مع المواطن، الذي مكنها من اعتلاء الكراسي دون فائدة تذكر، فيصير مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في مهب الريح.
المواطن من جهته يجب ألا يملك ذاكرة سمكية، وأن يتذكر كل هذه الاختلالات وعدم الوفاء بالالتزامات أثناء العودة إلى الصناديق، وإلا فإنه يتحمل جزءا من المسؤولية في تكريس الفساد و التراجع عن المكتسبات وضرب قدرته الشرائية وتضييع فرص كثيرة من شأنها المساهمة في الارتقاء بأوضاعه وتنمية مدنه وقراه على كافة المستويات.