الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

عبد السلام الصديقي: السنة الأمازيغية الجديدة.. رمز للوحدة الوطنية والتنوع الثقافي

 
د. عبد السلام الصديقي
 
يتأهب الشعب المغربي للاحتفال يوم غد 14 يناير بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 حسب التقويم الأمازيغي، والمعروفة باسم عيد "يناير". ومنذ العام الماضي، تم إقرار هذا اليوم من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس كيوم عطلة وطنية مؤدى عنها. ويكتسب هذا الحدث زخماً متزايداً والتزاماً شعبياً مع مرور السنين، مما يعبر عن المصالحة مع ماضينا والاعتراف بذاكرتنا الجماعية كشعب جذوره ممتدة في تاريخ عريق لا يمكن لأحد أن يمحوه أو يعيد تشكيله بما يخدم أهدافاً غير معلنة.
 
إنها فرصة استثنائية لنا نحن المغاربة للاحتفال بثلاثة رؤوس سنة في عام واحد. كل منها يشير إلى معالم محددة في انسجام تام، مما يجعل المغرب والمغاربة على ما هم عليه اليوم.
 
فالتقويم الميلادي يضعنا في إطار الكونية، مما يتيح لنا التواصل مع العالم لنتمكن من تحديد مكاننا في هذا الفضاء الكوكبي المشترك للبشرية، ونكون بذلك في تناغم مع متطلبات العصر.
 
أما التقويم الإسلامي، فإنه يغمرنا في الروحانية ويعزز تقاسم عيشنا مع "الأمة". وبالتالي، فإن العام الهجري يحمل دلالات رمزية ومعاني عميقة. إلى جانب رأس السنة الهجرية، الموافق لفاتح محرم، يحتفل المسلمون حول العالم كما ينبغي بمجموعة من المناسبات الأخرى التي تمثل لحظات متميزة للتقاسم والتآخي.
 
التقويم الأمازيغي، الذي يعود إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة، هو الأقدم على الإطلاق. يُعتقد أن أصله يعود إلى اعتلاء أمازيغي عرش مصر كفرعونً سنة 950 قبل الميلاد. يُطلق عليه أيضًا "السنة الفلاحية" نظرًا لتناغم فصول السنة الأمازيغية بشكل أفضل مع سير الأعمال الزراعية. وهكذا، ومع الاحتفال بأول أيام السنة الأمازيغية في 14 يناير، حول وجبة عائلية مشتركة، يستعد الأمازيغ في أجواء من البهجة الشعبية والاحتفالات لبداية السنة الزراعية على أمل تحقيق محصول وفير (ⴰⵙⴰⴱⴰⵜ assabath / ⴰⵏⴻⴱⴷⵓ anebdu بالأمازيغية)، بينما يبدأ الأطفال في الرقص على إيقاعات "حگورة".
 
هذا الارتباط بالأرض ازداد قوة على مر السنين والقرون. وهذا يؤكد أن الفلاحة المغربية ليست وليدة الأمس، بل هي نتيجة عملية تاريخية طويلة تمتد على مدى قرون، اكتسب خلالها الفلاح المغربي مهارة ومعرفة معترف بها، سواء في تقنيات الري أو في طرق معالجة الأراضي أو تنظيم الدورات الزراعية.
 
إن التكنوقراطيين والخبراء في الزراعة "المكثفة" لديهم الكثير ما يتعلمونه من الاقتراب من الفلاح المغربي التقليدي ودراسة أنماط الزراعة المستخدمة، التي تتكيف بشكل مثالي مع الظروف المناخية واستعمال المياه، التي أصبحت موردًا نادرًا في هذه الأيام. وهذه الثقافة العريقة الفيزيوقراطية والبيئية هي التي ينبغي اليوم الحفاظ عليها.
 
بعض الترددات الأولية، عرفت بلادنا كيف تقدم تدريجياً إجابات إيجابية لهذه الإشكالية. لقد أطلق الخطاب الملكي في أجدير سنة 2001، الذي أعلن عن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (إيركام)، دينامية حقيقية من خلال إعادة بناء الثقة عبر الاعتراف بالمكون الأمازيغي في ثقافتنا الوطنية وقطع الطريق على أولئك الذين يصطادون في المياه العكرة.
 
وجاء دستور 2011 ليعيد الأمور إلى نصابها نهائيًا، ويضبط ساعة البلد على التوقيت الأمازيغي، من خلال اعتبار اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
 
مسألة الهوية الوطنية لم تعد تعاني من أي لبس: فديباجة الدستور واضحة وضوح الشمس. يبقى فقط العمل على جعل المقتضيات الدستورية عملية وفعّالة.
 
لكي تصبح اللغة الأمازيغية فعلاً لغة وطنية، يجب أن تُدرّس على نطاق واسع في مدارسنا. لكن هذا ليس هو الواقع حتى الآن، على الرغم من كل الجهود المبذولة في هذا المجال. ومن المقرر تعميم تعليم اللغة الأمازيغية في التعليم الابتدائي في أفق عام 2030. ولتحقيق ذلك، يجب التغلب على سلسلة من العقبات التي تعترض تحقيق هذا الهدف، وأهمها تكوين المعلمين.
 
وبالمثل، فإن إنشاء قناة تلفزيونية أمازيغية خطوة ممتازة. لكنها تحتاج إلى توفير موارد كافية لتقديم منتوجً تنافسي.
 
الفن الأمازيغي غني للغاية ومتنوع. وللحفاظ عليه وإغنائه، يجب إدماجه في مدارس الفنون والمهن ، ولمَ لا يتم إنشاء متحف وطني للفنون الأمازيغية.
 
لقد أنشأت الحكومة صندوقاً خاصا للنهوض با للغة والثقافة الأمازيغية، بميزانية قدرها 300 مليون درهم في عام 2024، لترتفع إلى مليار درهم في عام 2025. يجب أن يمول هذا الصندوق جميع الأنشطة المتعلقة بتعزيز اللغة والثقافة الأمازيغية. ومع ذلك، دعونا نعترف بأن هذا مجرد قطرة ماء في البحر، على افتراض أن هذا الصندوق سيُستَخدم بالفعل.
 
لكن المجال الذي يجب أنً يبذل فيه المزيد من الجهود هو تنمية المناطق الجبلية والمناطق النائية في البلاد. لأسباب تاريخية لا داعي للخوض فيها، فإن هذه المناطق يغلب عليها الطابع الأمازيغي. يكفي أن نتجول عبر سلاسل جبال الريف والأطلس لندرك ذلك. ومن الواضح أن هذه المناطق تعاني من عجز كبير في مجال التنمية البشرية والتنمية بشكل عام. إنها مسألة عدالة اجتماعية وجبر للضرر الذي لحق هذه المناطق في الماضي.
 
وفي هذه المناسبة التي تتزامن مع السنة الأمازيغية الجديدة، من الواجب علينا أن نؤكد ونعلن بفخر أننا أمازيغ (إمازيغن)، وعرب، وقبل كل شيء وقبل أي شيء مغاربة. أسكواس أمباركي.!!
 
 
اقتصادي وأستاذ جامعي ووزير سابق