الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الشاعر محمد البريبري في قصيدة جديدة: لا تهتم!

 
محمد البريبري
 
يعْتَرضُ الطريقَ لُغْزٌ صَدِئٌ
حيثُ الْتوى الظنُّ حَسيراً، مِن هُنا
كُلُّ اتِّجاهات نوايا السَفر
هل أَرجَفَتْ نفّاثةٌ في العُقدِ،
أمْ وسوستْ أمّارةٌ بكُلِّ غَيّ؟
تَبُثُّ في لَيْلِ السّمَرِ
أزهارَ صُبّارِ الخريفْ،
نَجوَى حديثِ مَقْعَديْنِ ذاتَ صيفٍ هارب،
كَمْ أَرْهَفا سَمْعَيْهِما
وَجْهٌ لِضِدٍّ شَبَهٌ.
 
******
 
قد باعَدتْ ما بَيْنَنا
عُوجُ زوايا الطُرُقِ،
أَراكَ طَلْحاً مِنْ بَعيدْ
لمّا دنا أسألهُ ،
مُنذُ متى لم نَلْتقِ؟
يَسْتَبِقُ الردَّ الفضاءْ،
يُفحِمُني صوتُ الصّدَى:
ما كُنتُ تحت الجِسْرِ عَدّاداً لِكَمِّ القِرَبِ،
فَانْكَفَأتْ كَفُّ العِتابْ:
لَيس عَنِ الأيّامِ يَلْحَنُ اللِّسانْ،
بَلْ نَبْضَةُ البابِ إذا طالَ الغِياب،ْ
لَكْنَتُك البَحّاءُ مَوْجةٌ تَعالَتْ مِنْ أقاصي الجُزُرِ ،
تَبْدو وحيداً دونَ زادِ السفَرِ،
كَأَنّك الْهَجْهوجُ أَسْرى نائيا،
(يَهْديك الله يا السايرْ وحدُه).
_لا تَهْتَمْ...
مِثْلَ مَدارِ الْقَمَرِ،
شَرَّدَهُ رَيْبُ الضِّياءِ بَعْدَ غَيْبِ الْحَلَكِ،
تَدَحْرجَ الْعُمْرُ قِطاراً فاته خطُّ الوصولْ.
أَلِفْتُ رِحْلةَ الشِّتا والصيفِ والجِهاتِ اَلْأرْبَعِ،
كُلَّ الرِّضى بِقِسْمَةِ الرِّهانِ عِنْد الخَطَأِ.
مِثْلَما تقْسِمُ القَشَّةُ ظَهْرَ الْجَمَلِ،
بَعْدَ اشْتِعالِ النّجْمِ في عَزِّ النهار،
والرَّأيُ يَخْذِلُهُ الْهَوى، أطًلَّ منْ لافِتَةٍ:
[مِنْ أجْلِ كُلِّ غايةٍ مُفيدةٍ]
اِصْطَنَعوا لي فَكَّ عاجٍ وحَديدْ،
واسْتَأْصلوا المَعِيَّ بعْدَهُ الوَريدْ،
أبحَثُ عن ذاتي فَلا أَعْرِفُها،
أنْكَرني مَلْمَسُ كَفِّي وَالسؤالْ،
ثُمّ صَحَوْتُ مِثْلَ مَوْلودٍ مِنْ جَديدْ ...
_ يَحْكونَ أَنّ النّحْلَ عافَ زَهرَةَ الطِّينِ الهَجِينْ...
_لا تَهْتَمْ...
_ دَعْ عَنْكَ لَسْعَ العَقْرَبِ،
وَجْهَ البَراري المُعْتِمِ،
قَدْ سَلَبَ الفِلْزُ الحَشا فِطْنَتَها،
نَعْصِر حَبَّاتِ الضِّياءْ،
مِنْ ياقةٍ فوقَ جِدارِ الأُفُقِ،
لمْ يبْقَ مِنْ سِكَّةِ مِحْراثٍ قديمْ،
غَيْرُ ضَريحٍ من تُرابْ،
تَلْتَفُّ حَوْلَهُ أهازيجُ السُّياحْ.
_ وَالْوَتَرُ الحُرُّ إذا أشْجى الرَّبابْ،
هلْ حَذَفوا مِنْهُ الْفُؤادْ؟
_ لاَ تهتمْ...
أعقابُ أَنْفاسِكَ فحمٌ وَرَمادْ،
كَأَنَّما أَزْعَجكَ الْمُمْكِنُ كُفْءً لِلْمُحالْ،
دَعْ عَنْكَ، نَظّىارَةً تَرْتَدُّ ضِدَّ السّاعةِ،
رُبّ غدٍ يُسْفِرُ عنْ وَعْدٍ جَديدْ،
إذْ يَحْذِفونَ ما وَعَى دُهْنُ الدِّماغْ،
كَيْ يَزْرَعوا رَقائقاً
أوْ أيَّ نانو مِنْ بَديعِ الْجِنِّ ،
تمتدُّ أوْصالٌ لهُ تَسْتَغْرقُ الحُلْمَ وحَدْسَ الجَسَدِ ..
_أَخْشى عَلَيْكَ مِنْ وَهْمِ "إيكارَ" العنيدْ
يَرْقى الفَضاءَ هالَةَ الشّمسِ يُريدْ،
ما فَضْلُ هَذي الزُ بَرِ ؟
قَدْ كُنْتَ عَنْها في غَناءْ،
تَزْرَعُ حَبَّ الوَرَقِ،
بَدْءاً مِنَ الْأعْلى إلى كُلِّ الضِّفافْ،
_لا تَهْتَمَ...
يَلْتَـزِمُ الْعَقْلُ بما لا يَلْزَمُ،
عَطْفاً على ما يَلْزَمُ،
قَهْقَهَ لَيْلُ الشُّهُبِ،
تَمايَلَتْ كاساتُهُ،
غُنْجاً مِزاجَ الفَرحِ،
حَتّى انْبَرى مُثَلّثُ الضوْءِ الْمُريبْ،
كطَلْقةٍ مَكْتومَةٍ فَحَّ لِسانُ الشّبَحِ:
أنْ أكونَ أوْ بَعْدي الْجحيمْ،
 
******
 
اِصْغِ هو الهَجْهوجُ أبْكى وَبَكى،
يَحْكي كأنّ الْغابَ أَمْسى قَلِقاً.
حامَ على الأيْكِ خَيالُ الحَدَإ
فَاهْتزَّتِ الأغصانُ مِنْهُ فَرَقاً
غاضَتْ عُيونٌ طالما،
جادَتْ حياةً وَالْغَداةُ طَفْرَةٌ،
نَوْرٌ وَصَيْفٌ حافِلٌ،
وَالنّهْرُ في عُرْيِ السّما يَغْتَسِلُ،
مِثْلَ الحَنينِ يَقْتَفي صَبْوَ الخروجِ الأَوّل.
_لا تَهْتَمْ...
كَأَنّـني بِالنّايِ تَمْتَدُّ بِهِ،
النّجْعَةُ مَرْجاً مِنْ رَحيقٍ مُسْتَدامْ ...
_لَعَلّهُ أَسْأَمَهُ نَهْرُ الخَطيئاتِ الطويلْ،
مَنْطِقُ خُرْدَةِ الْحُروبْ،
يَحْشو هُلامَ العُنْفُوانْ،
تَحْتَ أديمِ أَفْروديتَ الشّاحِبِ.
 
 
كاتب وشاعر مغربي