عمر إسرى: تمغربيت... الوطن أولا ⵜⴰⵎⵓⵔⵜ ⴷ ⵜⴰⵎⵣⵡⴰⵔⵓⵜ
الكاتب :
عمر إسرى
عمر إسرى
عندما لوى الملك بوكوس دراع روما وأجبرها على التفاوض لصالح الوطن... عندما انتصر المغاربة على الأمويين في معركة الأشراف، وعلى البرتغاليين في وادي المخازن، وساهموا في سقوط الإمبراطوريتين معا بعنجهيتيهما... عندما غلبوا العثمانيين في وادي اللبن... عندما قهر الخطابي الإسبان، والزياني "أزايي" فرنسا، في معركتي "أنوال" و"لهري"... كان المغاربة يعبّرون عن أنفة وشموخ هذا الوطن واستقلاليته، ويرفضون التبعية للشرق أو الغرب كيف ما كان الثمن... كيف ما كان لبوس محاولات التدخل، قوميا أو دينيا أو حتى باسم "تحضّر" مزيف!
تمغربيت، ترفض التبعية، وتأبى إلا أن تشكل بحضارتها العريقة مركزا يتمدد شرقا وغربا، وطنا يفتح نوافذه لاستقبال نسيم كل الثقافات بدون مركب نقص، لكنه لا يتوانى في تحويل كل محاولة هيمنة أو إلحاق حضاري إلى عاصفة تكسر شوكة الإمبراطوريات مهما كانت قوتها.
هي هذه تمغربيت التي نسجها شعبنا منذ "أمغار أطلس" ابن الزعيم بوسايدون (الذي تحدث عنه هيرودوت)، والذي ماتزال جبال الأطلس شاهدة على شجاعته... تمغربيت التي يعاد لها الاعتبار اليوم بشكل تدريجي في اتجاه جعلها عنوانا لنهضة وطنية بأنفة حضارة تليدة، من خلال ري جذورها الأفريقية وحماية ثمارها المتوسطية...
لاشكّ أن تمغربيت الشامخة، وهي تتقدم إلى الأمام حاملة معها كل هذا التراكم الحضاري والثقافي الضاربة جذوره في قلب التاريخ، كما تستمد قوتها من رجالات يحمون مسارها وجاهها كمركز حضاري ويذودون عن قيمها الفريدة، فهي بلاشكّ ليست بمنأى عن بعض جيوب المقاومة ممن يصرون على إلحاقها شرقا وغربا، تارة باسم قومية أو إيديولوجيا أصولية تخدم مركزا يسيء لصرح "تمغربيت" العظيم، وتارة باسم "تحضّر" غربي فَقَدَ إنسانيته أمام قيم أجدادنا التي تستمر في تصدير عِبَرِ الحكمة والتضامن والتسامح والتعايش للعالم.
لا يضرنكم أن تشاهدوا ورثة إيديولوجيا الأمويين والعثمانيين والفرنسيين ينتصرون لرموز الناصرية والإخوانية و"الماكرونية"، على حساب شموخ وطن لم يكن يوما منغلقا على نفسه، بقدر ما كان دوما وفيا لاستقلاليته ومركزية حضارته بين حضارات الأمم، مميزا بين التثاقف والتعايش بين الثقافات وجعل التنوع في خدمة التقدم، وبين "التذيل" الذي لا يليق بـ"تمغربيت" ولا بجذورها وملاحمها وسلاطينها وأحرارها.
تمغربيت التي حافظت على عمقها منذ آلاف السنين، وتفتخر بكل أبنائها وكل الثقافات التي هبت على سمائها في مختلف فترات التاريخ، مستوعبة لها من خلال جعلها مصدر غنى لهذا التراكم المجيد... ترفض التعصب الذي يصب في نهر الانغلاق، كما تنبذ الذوبان في بحر الظلام...