الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

التفسير الإخواني لـ"نكبة العدالة والتنمية" نفسه جزء مهم من عناصر النكبة الانتخابية الأخيرة

 
عبد اللطيف أگنوش
 
شاهدت وسمعت وتمعّنت في صلب مجموع التفسيرات، التي أدلى بها الإخوان المسلمون، كتنظيم دولي، انطلاقا من قناة الجزيرة بقطر، وكتنظيم قُطري بالمغرب على لسان السيد عبد الإله بنكيران..
 
وتكونت لدي فكرة مفادها أن هذه التفسيرات هي عينها جزء مهم من الأزمة التي يعيشها الإسلام السياسي المشتغل من داخل المؤسسات السياسية القُطْرية خاصة في المغرب…
 
عناصر هذا التفسير يمكن إيجازها في النقط التالية:
 
1- سقف التحرك السياسي والمجال السياسي الذي يتحرك فيه الإسلام السياسي المغربي والموسوم بضيق سعة المجال المتروك تحت تصرفهم، والذي لا يتعدى التدبير السياسي، دونما الوصول إلى إمكانية التغيير الجذري للمؤسسات والدولة وحتى المجتمع… مما جعلهم عاجزين عن تطبيق استراتيجيتهم الهادفة إلى إنشاء دولة الخلافة "النظرية"، التي ينشدونها دون الإفصاح عنها، أي "دولة إسلامية" حسب ما يعتقدون…
 
2- عجزهم السياسي عن التصدي لمشروع "الرؤية الاستراتيجية للتربية والتكوين والبحث العلمي"، التي احتضنها الملك وسهر على إنجازها جراء الكوارث التي يعرفها قطاع المدرسة العمومية والتربية والتكوين في البلاد، منذ ما يفوق ثلاثين سنة… فالإسلاميون يدركون أنهم أضاعوا فرصة "أسلمة المجتمع" انطلاقا من إديولوجيتهم وانطلاقا من رؤيتهم للهدف الذي ينشدونه… خاصة وأن هذه الرؤية الاستراتيجية للملك تروم إعادة ترميم التربية والتعليم انطلاقا من مبادئ كونية معمول بها في مجموع العالم المتحضر، وخاصة انطلاقا من اللغات المستعملة في منظومة التعليم والتي تحاول إعادة إدماج الفرنسية واللغات الحية العالمية والفلسفة في برامج التعليم والتكوين… إذ إن الإسلاميين انتبهوا إلى أن تهميش اللغة العربية سوف يزيح البساط من تحت أرجل مشروعهم في جعل المجتمع يقبل بإقامة دولة الخلافة المنشودة…
 
3- عجزهم عن التصدي للتقنين الرسمي لزراعة القنب الهندي لأغراض تطبيبية لكونه يتعارض -حسب تقديرهم- بفهمهم ونظريتهم في الإسلام وفي دولة الإسلام التي ينشدون بلوغها وإرساءها في المغرب!!!
 
4- أن تجربتهم في ممارسة السلطة جعلت قياداتهم تنسى الإيديولوجية الأصلية المعتمدة على إظهار الورع والتدين والعفة، وتبحث بدورها -كيا أيها الناس- عن الانتفاع بملذات السلطة وخيراتها بشكلٍ لا يختلف عن غيرهم وعن سابقيهم ولاحقيهم.. بل وتجاوزوا جميع الحدود المعقولة في المس بنفس المعتقدات التي ما فتئوا ينشرونها بين الناس طيلة الخمسين سنة التي خلت…
 
غير أنني من الذين يعتقدون أن هذه التفسيرات هي جزء مهم من النكسة الانتخابية التي أصابت تنظيمهم وجعلتهم "كعصف مأكول" في المغرب… والسبب في اعتقادي بسيط، بسيط لأنه جد معقد!!
 
فالطبقات الوسطى والفقيرة في المغرب والتي شكلت القاعدة الانتخابية الصلبة لحزبهم في الانتخابات، راهنت عليهم ليس لإقامة الخلافة الإسلامية، وليس لتطبيق قواعد الشريعة، بل لأنهم يمثلون وجوها جديدة تدعي العذرية السياسية وتدعي "المعقول" والرزانة والمسؤولية والنقاء وسمو الأخلاق… غير أن الزمن كشاف، وسرعان ما ظهر أصحاب بنكيران أوسخ من السابقين، وربما سيكونون أوسخ من اللاحقين، فقرروا إزاحتهم من سدة التدبير السياسي… فهذه الطبقات نفسها هي من تبحث عن تقنين نبتة الكيف لأغراض طبية لأنها مستفيدة من ذلك لامحالة اقتصاديا واجتماعيًا وصحياً، وهي من تريد إعادة الفرنسية واللغات للتعليم والتكوين لأنها تدرك أن مستقبل أبنائها مرتبط بفرنسا وبالعالم أسره… أما الأخلاق والإسلام والعفة، فهي مغربية ومن المغرب، والمغرب والإسلام والأخلاق الجنيدية هي أساس التعاقد الاجتماعي والتاريخي بين سكان المغرب من قرون خلت، ولا تنتظر من الإسلام السياسي شيئا مادام أجدادها عاشوه طوال ما يفوق الألف ومائتي سنة تقريبا…
 
كاتب وأستاذ جامعي