الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أخنوش ووهبي.. سوسيان ودكان واحد وحزب ليبرالي كبير واحد يكفي اليوم لإنجاز "المهمة"

 
يونس وانعيمي
 
في اعتقادي، وجود حزب ليبرالي كبير (تمثيليا)، ووسطي وملكي، واحد، ربما يكفي اليوم لإنجاز "المهمة".
 
وأظن أنه إن تم "إخراج" البام للمعارضة للمرة الثالثة (بعد التغاضي عن إدراجه في تحالف حكومي مرتقب)، ربما يندرج في مخطط تفكيك آلة "حرث كبيرة"، لم يعد لها نفس الدور الحيوي الأصلي، وتشكل اليوم عقبة أكثر من كونها تشكل دعامة لنسق استحواذي مركزي تمركزي.
 
يفضّل زعيم الأحرار، عزيز اخنوش، أن ينعش حياة أحزاب متوسطة (عدديا طبعا) من حوله ويقوّي مؤسسة رئاسة حكومته وجهازه التنفيذي، على أن يدبّر تعايشا حكوميا مع توأم ضخم يشبهه وله نفس الامتداد وإحداثيات متشابهة.
 
التشابه لم يعد يفيد الحزب الحاكم المحتل للمركز الأول.
 
أضيف متغيرات أخرى تدعّم فك الارتباط بين الحمامة والجرار:
 
1- الزعيمان سوسيان (من سوس)، لحزبهما نفس الارتكاسات الانتخابية، ولهما نفس البراغماتية في استقطاب جماعات التأثير المحلية (الأعيان). وكانت لهما نفس العقيدة الخلقية المتمثلة في تقويض الاستحواذ الإسلامي على السياسة بالمغرب، حتى جاء عبد اللطيف وهبي، زعيم البام، وأربك ذلك التعايش المحتمل بين الحزبين الأزرقين. البام مع وهبي غامر كثيرا في جعل تعاطفه وتآخيه وتحالفه الانتخابي مع العدالة والتنمية (معاهدة وهبي والعثماني الأخيرة) ممرا للوصول للاستقواء بحزب إسلامي في نظره سيكون مستحوذا بعد انتخابات 2021. أعطى عبد اللطيف وهبي إشارات للجميع أنه تورط في براغماتية مفرطة في الثقة والتوقع، وإشارات على أنه ليس كما الشيخ بيد الله وإلياس العماري وحكيم بنشماس، ولا يشبههم، لكنه نسي أنه، بوضع يده في يد الإسلاميين، وضع على وجهه نفس قناع حميد شباط، الذي أدى به تحالفه مع الإسلاميين إلى اندحار سياسي..
 
الإسلاميون ومن معهم، كل من جالسهم ومن أكل في موائدهم هو تيار أو حزب لا يُؤتمن به وله...
 
2- "نحن سنعمل مع من يتقاطع معنا في الرؤى وسنقدم البديل والقطيعة".. هذا ما خاطب به عزيز أخنوش جمهور المريدين وهو ينتشي بفوزه. لم نلمس اشتراكا في "الرؤية" بين الأحرار والبام، وإلا لكان تحالفهما في الحملة الانتخابية أمرا حتميا وواقعيا وطبيعيا.
 
عكس ذلك، فإنه بعد تلك المحطة، التي احتك فيها وهبي وأخنوش وكلاهما خرج بفيديو يكيل الاتهامات للآخر، بعدها لم يتخاطب الحزبان ولا الرجلان، ولم يذكر أحدهما الآخر، بل وتجنب كل زعيم أن يتواصل مع الآخر كما لو أعطيا إشارة مسبقة لقطيعة سياسية صامتة.
 
نفس الإشارات طبعت كلمات عزيز أخنوش وهو يكرر مصطلحين لهما دلالة تساعد على استقراء التحالف الحكومي القادم. ردد كلمة "القطيعة" التامة مع الماضي، وكرر عبارة "تقديم بديل سياسي حقيقي". أظن أن القطيعة ستكون مع ما خلّفه الإسلاميون من صور ذهنية ورموز وسلبيات... ويقصد بـ"البديل" أنه سيعيد إحياء نفس "دفتر التحملات" السياسي الذي فشل البام في الإيفاء ببنوده وأولها تقويض الإسلام السياسي ووضع الدولة في سكة عقيدة وضعية positiviste فيها إنجازات مادية بدون إيديولوجيات مشوشة وبدون تنابز سياسي هامشي...
 
هل ممكن لحزب البام أن يحافظ على حيويته بدون أن تكون له حقائب حكومية؟ هل يمكن لحزب كان دوما محتلا للمركز الثاني في البرلمان أن يعيش دوما في المعارضة؟ ليست هناك قاعدة رقمية لوضع حزب ما في المعارضة، لكن كيف يمكن للبام أن يظل متماسكا بدون أن يكون قادرا على تنفيذ برنامجه الانتخابي والوفاء بوعوده التي قدمها لقواعده وأعيانه؟
 
إذا كانت الأجندة طبعا هي التخلص من هذه "الباخرة الكبيرة" المسماة بام، والتي لم تعد تبحر ولم يعد منها فائدة وبدت تشبه أشلاء بوارج الحرب العالمية الأولى، فإن وضعها في المعارضة هي أسرع وأنجع تكتيك تفكيكي ممكن.. مع الإبقاء طبعا على بعض أجهزتها الصالحة للاستعمال من خلال إعادة استدماجها في الحزب الكبير "الجديد/القديم"...
 
سيكون من الناحية الشكلية والتواصلية الإبقاء على "شبه معارضة" متوازنة عدديا ولها سياسيون مثل وهبي، يتمتعون بقدرات في الصياح والصراخ والخطابة (وهي مقومات ضرورية لتجعل المغربي مهتما بالسياسة)، من أجل تأثيث حياة نيابية "سليمة".
 
ليس من صالح اخنوش والأحرار أن يقتلا ويحرقا كل شيء.. ولهما ذكرى سيئة مرتبطة بخطورة الاستحواذ. ففي 1984 وجد النظام السياسي والنيابي المغربي نفسه أمام وضعية استحواذية شاذة عندما فاز الأحرار بكل شيء تقريبا في الانتخابات التشريعية، مما اضطر إلى تفكيك هيمنته النسبية وإخراج أحزاب جديدة من بين ضلوعه (حزب الراحلين عبد الله القادري وأرسلان الجديدي)..
 
الأحرار إن هو أدمج البام في حكومته، سيجعل المعارضة هزلية ومنعدمة (عدديا وسياسيا)، وسيعطي الانطباع بالاستحواذ وقتل "الجدل السياسي" وقتل المعارضة التي لها نفس أهمية قوة الأغلبية اليوم.
 
لكل ذلك، أستبعد تعايش السوسيين الغريمين معا في مكان واحد...
 
باحث مغربي