الحيرة والمبدأ.. لنجعل من حيرتنا مدارا للنقاش السياسي في ما وراء لحظة الاقتراع
الكاتب :
عز الدين بونيت
عز الدين بونيت
قرأت عدة مشاركات في الطريق إلى الانتخابات، وكان القاسم المشترك بينها هو التعبير عن الحيرة وعدم التمكن من حسم الموقف والاختيار بين الذهاب إلى مكاتب التصويت أو الإعراض عن ذلك.
الحيرة في حد ذاتها موقف سليم جدا.. لا يوجد عاقل لا تعتريه الحيرة، وإلا لا معنى للعقل ولا للتفكير. حتى الأنبياء اعترتهم الحيرة ولحظات الشك.
في تقديري أن مصدر الشعور بالحيرة الذي يعترض كثيرا من المواطنين الديمقراطيين المبدئيين هو فقط فقر الخطاب السياسي وضموره، وليس نضوب الوازع الأخلاقي كما يروج في النقاش. العودة إلى الأخلاق في صيغتها الأولية شبه الدينية (الساذجة) يحدث حين تتقلص مساحات التفكير السياسي، وتكون المقترحات السياسية هزيلة. والسبب في هذا الهزال هو مرة أخرى الركود الانتخابي الذي نسميه بالعزوف أو المقاطعة، لأن هذا الركود يقلص فرص المواجهة السياسية ويحولها إلى مواجهة أخلاقية (مزعومة) أو مواجهة مالية، أو مواجهة عنيفة ماديا ومعنويا.
الأمر قريب من حالة الحلقة المفرغة: نقاطع لأن الممارسات المنسوبة إلى السياسة لا تقنعنا، فتتردى السياسة، فنزداد عزوفا، فتزداد السياسة فقرا وضمورا، إلى ما لا نهاية. هذا يشبه، من جهة أخرى، سؤال البيضة والدجاجة، أيهما أسبق: هل جودة السياسة شرط سابق على مشاركتنا السياسية؟ أم إن المشاركة هي الخطوة الأولى، تتلوها خطوات تجويد العرض السياسي؟ المؤكد أن ضمور المشاركة السياسية له من ينتفع منه، وهم على العموم تجار الأزمات، الذين سرعان ما يتحولون إلى تجار أو أمراء حرب. الوضع اللبناني مثال دال على هذه الحالة.
لنجعل من حيرتنا مدارا للنقاش السياسي في ما وراء لحظة الاقتراع.