الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

نداء وتجاوب.. معا ضد الانعزالية

 
عز الدين بونيت
 
نشر الروائي الجزائري أمين الزاوي نداء إلى مثقفي البلدين الجارين، ضمّنه دعوة إلى عدم الانضمام إلى من يصبّون الزيت على النار، وأن يحافظوا على حياد إيجابي يسهم في مد الجسور بين الشعبين وجدانيا وثقافيا، محذرا من أن التقلبات السياسية زائلة، أما العمق الثقافي فهو الباقي، ومن أن ذاكرة السياسي قصيرة، بينما الثقافي لا ينسى، مؤكدا على أن دور المثقف هو المساهمة في البناء وليس أن يكون معولَ هدم.
 
نشر الروائي الجزائري أمين الزاوي نداء إلى مثقفي البلدين الجارين، ضمّنه دعوة إلى عدم الانضمام إلى من يصبّون الزيت على النار، وأن يحافظوا على حياد إيجابي يسهم في مد الجسور بين الشعبين وجدانيا وثقافيا، مؤكدا على أن دور المثقف هو المساهمة في البناء وليس أن يكون معولَ هدم
 
حاولت أن أعرض مضمون هذا النداء بشكل مقتضب دون أن أخل بأفكاره الإيجابية. وأتمنى أن أكون قد وفقت إلى ذلك.
 
أنا أنضم إلى هذا النداء وأسانده. أعتبره نداء معقولا جاء في وقته وسياقه. وأتفق تماما مع أمين الزاوي في أن المثقف، في مواقف التوتر مثل هذه، واجبه أن يبني الجسور لا أن يهدمها.
 
لدي إضافات إلى هذا النداء:
 
♦ بناء الجسور يمر أيضا عبر تثمين المبادرات السياسية، التي تسعى لمد الجسور، والتمكين لها ثقافيا عبر تأصيلها ودعمها ومساندتها. ليس للمثقف أن يقف محايدا صامتا تماما عن التعليق على الأفعال السياسية بالنقد والتحليل والمناهضة إذا كانت تستحق ذلك، وأيضا بالمساندة والتطوير والتجويد إذا كانت تستحق ذلك. ليس في هذا أي تلويث لعذرية المثقف.
 
♦ لا أتفق مع الحياد الموغل الذي يكتنف نداء أخينا العزيز أمين الزاوي بخصوص مواقف النظامين (الواقع أنني لم أعد أستسيغ ولا أرتاح لاستعمال كلمة "نظام" لوصف قيادة الدولة، في بلدي. هذا استعمال جاءنا من أوصيائنا الغربيين، هم الذين يستعملونه كلما كانوا بصدد الحديث عن دولنا، بغاية نزع الشرعية عنها، حتى ولو كانت تلك الشرعية لا غبار عليها، ولا يستعملونه إطلاقا في الحديث عن دول بلدانهم). هناك في الحقيقة فرق واضح في الأفعال بين قيادتي البلدين. هناك فرق بين جهة اتخذت المبادرة بتوجيه دعوة للحوار والتواصل والتصالح، وجهة اتخذت خطوات في الاتجاه المعاكس، بالتجاهل والاتهام وقطع العلاقات. نحن لسنا ديبلوماسيين يلتزمون الحياد ليحافظوا على نفس المسافة من الخصمين، وعلى خيوط التواصل معهما معا، فيرددون عبارات خشبية مكرورة.
 
♦ نحن مسؤولون عن مشاركتنا في تحليل الأوضاع والمواقف ونقد الأفعال والخطابات. أحد أدوار المثقف أن يقول الحقيقة ويحرج من ينبغي إحراجه، وليس البقاء في المنطقة الرمادية.
 
المثقف من واجبه أن يزيل الظلال المعتمة ويعيد طرح القضايا بمنطق المثقف المستشرف، وليس بمنطق السياسي المرهون إلى تحدياته اللحظية. هنا يكمن الفرق بين فعل المثقف في العمق وفعل الأبواق والمسوّغين والمبررين للقرارات السياسية مهما كانت مخطئة وأحيانا ظالمة ومعتدية
 
♦ ثم بعد ذلك، علينا بالفعل أن نناقش كل القضايا، حتى ولو كانت فيها مناطق مؤلمة. علينا أن نناقشها من أجل الهضم وتضميد الجراح بعد تطهيرها من أوساخ التاريخ والإيديولوجيا وادعاءات اللحظات السياسية المحايثة لحدوثها، وليس من أجل المسح أو النسيان. ومن أقدر على ذلك من المثقف؟
 
♦ المثقف من واجبه أن يزيل الظلال المعتمة ويعيد طرح القضايا بمنطق المثقف المستشرف، وليس بمنطق السياسي المرهون إلى تحدياته اللحظية. هنا يكمن الفرق الأساس، في نظري، بين فعل المثقف في العمق وفعل الأبواق والمسوّغين والمبررين للقرارات السياسية مهما كانت مخطئة وأحيانا ظالمة ومعتدية. ولا تناقض بين هذا الانخراط في فعل البناء والتنوير، وبين هدف مد الجسور.
 
♦ نمد الجسور بفتح الملفات كلها، وموضوعات العتاب كلها، ونناقش كل التفاصيل، ونكون مستعدين لسماع كل الانتقادات وهضمها وتجاوز عقدها الخلافية. علينا أن نفعل كل ذلك، ولكن بروح رهانها الوحيد هو إخراج هذه الملفات، من منطقة الوجدان والتلاطم العاطفي إلى منطقة المساءلة والتأزيم (mise en crise) للتوصل إلى ابتكار سبل وآفاق للعيش معا، والسير معا، والتعاون معا، من أجل المستقبل، لا من أجل الماضي.
 
أنا مع أمين الزاوي وواسيني الأعرج وكل أصدقائي المثقفين الأحرار (المتحررين من الأجندات اللحظية) المستشرفين للمستقبل، في الجزائر وفي المغرب، وفي كل أقطار المغرب الكبير. من أجل جبهة مغاربية ضد الانعزالية
 
♦ بهذه الدينامية، نستطيع أن نبطل حجج الذين يصطادون في المياه العكرة، ونبدد مخاوف بعضنا، ونصحح سردياتنا عن ماضينا القصير بعد الاستقلالين، ونجعلها سرديات مشتركة بعد تنقيحها من الروايات المغرضة، ومن تلاعبات الماضي، ومناورات الأطراف الخفية التي كانت لها أياد في هذا الماضي، وبعيدا عن منطق التنزيه لهذا الطرف أو ذاك. هذا هو ميدان معركة المثقف، وملعبه الأثير.
وأخيرا، أنا مع أمين الزاوي وواسيني الأعرج وكل أصدقائي المثقفين الأحرار (المتحررين من الأجندات اللحظية) المستشرفين للمستقبل، في الجزائر وفي المغرب، وفي كل أقطار المغرب الكبير. من أجل جبهة مغاربية ضد الانعزالية.
 
علينا أن ندفن الماضي، كما قال عبد الكريم غلاب في إحدى رواياته. لكن واجبنا أن نحسن تكفينه قبل دفنه، وذلك بإخراجه أولا من منطقة الأسطورة إلى منطقة التاريخ. وهذا عمل دؤوب ينبغي أن نتعاون عليه بطول نفس ومسؤولية.
 
كاتب وباحث ومخرج مسرحي