الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مقاطعةٌ في خدمة الفساد

 
أحمد التجاني حريري
 
حكومتنا وسياسيونا، بياعو الكلام، أضحوا يسقطون عند كل الامتحانات.. عند امتحان التنمية ومحاربة البطالة والصحة والتعليم وكل القضايا الكبرى، التي تستلزم رؤية وجرأة وكفاءة عند اتخاذ القرار وتنفيذه...
أصبح مسؤولونا ومنتخبونا ينتظرون التعليمات والإشارات من القصر أو الولاية أو العمالة بل وحتى من الباشوية أو القيادة، كل على حسب مستوى تدخله ومحيطه... لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية التسيير والقرار، يأكلون الغلة ويرفلون في الريع، ويريدون من الآخرين أن يقرروا عنهم وينفذوا.. وإن قرروا ونفذوا، فاعلم أن الأمر فيه مصلحة، وله ثمن، وإلا فالأمر لا يستحق، ولنا دولة قادرة على تسيير نفسها بنفسها ومواجهة الأزمات ومطالب المواطنين، وكأن المنتخب خُلق فقط ليفترس إلا من رحم ربك.. حتى اقتنع الناس أن الانتخابات رديف الفساد، والمنتخبين أس الفساد ومحوره، ولهم العذر في ذلك، فمنذ عقود والمنتخبون يدخلون حفاة عراة للمجالس ويخرجون وهم يرفلون في النعم، أو يدخلون أغنياء وتزداد ثرواتهم عند نهاية الولاية، وولاية تلو الأخرى خلقت لدينا مهنة جديدة مهنة المنتخب، أناس لا نعرف لهم من حرفة سوى الانتخابات وضرب الصفقات وتنفير الناس من كل أشكال الديمقراطية التشاركية...
العيب ليس في السياسة، العيب في من يمارسها بخبث وانتهازية ويصعد السلالم خارج الضوابط الديمقراطية حزبيا، ويستغل الفرص ليعين الخلان والمريدين وشركاء الفساد الحزبي والانتخابي، بل وحتى موظفيهم، في مواقع المسؤولية، دون أي رؤية أو كاريزما أو حضور...
النتيجة صفرٌ وتمييعٌ للمشهد السياسي، وتأكيدٌ على أن أبناء عبد الواحد كلهم واحد، وفي ذلك انتصار ودعم لمن يريد أن يبقى العزوف عن السياسة والعمل العام حصرا على فئة لا تشتغل إلا لمصالحها الخاصة والقبلية الحزبية.. وكل من أراد التغيير أو التأثير من داخل المربع، ينشرون فكرة أنه فاسد أو مشروع فاسد..
باعونا تجارتهم الفاسدة وأقنعوا الأغلبية أن التغيير من داخل المؤسسات مستحيل، لينفردوا بنا ويغتنوا ويتسلطوا على مقدراتنا ونحن في هرج عقيم...
حين يصل وقت الحسم معهم نقاطع، ثم يطبقون علينا ما يكبل أيدينا ويكمم أفواهنا بالقانون ويستقوون بالدستور ويصوتون في المجالس وينشرونه في الجريدة الرسمية، بعدما نكون قد عبّرنا عن أصواتنا وأقمنا ثورتنا الافتراضية خلف شاشات هواتفنا وحواسيبنا...
ثم نعود إلى حيواتنا نشكو قدرنا الذي أسقطنا مع قوم جهل أميين ونتهم كل سياسيينا بالرجعية والأمية والفساد، إلى محطة أخرى نقاطع فيها كل شيء حتى تقرير مصير أبنائنا...
ننتشي بمعاركنا الصغيرة خلف حواسيبنا وفي جمعياتنا، ونتعالى عن الأميين والجاهلين المغيبين في وطننا، من تتحكم فيهم الآلة الجهنمية للانتخابات والقوانين القروسطوية التي تجعل الفقيه الأمي يربح الطبيب، وتاجر الأزمات يفوز على الأستاذ الجامعي، ليس لأنهما لا يقدران على الصراع، ولكن لأن من في قدرته قلب الموازين، يتغنى بالحداثة والديمقراطية والحزب الثوري وهو غير مسجل في اللوائح، ولا صوت له في أي قرار يهم وطنا يقول إنه مستعد للموت من أجله..
ليس مطلوبا منا الموت من أجل الوطن، المطلوب فقط أن تجعل علمك وصوتك في خدمة أبناء شعبك "الأميين" و"الجهلة" المنصوب عليهم من أجل الانتخابات.. أيها الحداثي الصنديد والتقدمي العظيم، لا تبك كالجهال وطنا أضعته كالمثقفين..
يوم يقرر مصير الوطن وتخرج عصابات سرقة الأصوات والفساد للعبث بالبلاد والعباد، تذكر أن لا تجلس في مقهاك المعتاد تنفث دخان سيجارتك وتلعن القدر الذي خلقك في مجتمع يصوت مواطنوه على الفاسد مقابل مائة درهم أو وعد بقفة في رمضان.. حرك مؤخرتك وأصرخ بأعلى صوتك لا للفساد، أو قم وصوّت على من ترى ربما أنه الأقل حظا في الفوز، فهم عادة الأفضل بين المرشحين...
السياسة ليست هي الانتخابات، ولكن الانتخابات هي التي تحدد من يحكمنا ويسن القوانين التي تنظم حياتنا.. والطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن لم يَقُد الكفؤ، حَكَمَ الجاهلُ، وغَرقَ الجميع...
 
كاتب رأي