الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

جندي النضال المجهول

 
يونس وانعيمي
 
أضواء الاهتمام الحقوقي مصوّبة في اتجاه قضيتي الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي المعروضتين أمام القضاء. والكل متوجس مما سيسفر عنه إضرابهما عن الطعام، والذي نرجو جميعا أن لا يفضي إلى نتائج وخيمة.
 
تضامن إعلامي يزيد توهجه يوما بعد يوم في الوقت الذي يقبع المفكر سعيد ناشيد بين براثن الشطط والمرض والإهمال، بعدما تم فصله من وظيفته، والتقييد الممنهج لكتاباته وإنتاجاته، وسحله المعنوي، ليس مما سماه المعطي منجب بـ"البوليس السياسي"، بل من طرف مسؤولين عموميين ينتمون لحزب العدالة والتنمية، وذلك حسب ما رواه السيد ناشيد في رسالة عمّمها على الرأي العام.
 
"يتباكى" إخوان العدالة والتنمية على مريديهم وذويهم بنفس الاحترافية المعهودة، وينجحون دوما في حشد تعاطف الجميع، حتى من ملة اليسار الحقوقي. وفي الوقت ذاته، لا يتردد الإسلاميون القابعون في مقاعد السلطة من استعمال جرعات كبيرة من الشطط والقمع في حق حداثيين عزل، وذلك بالضبط ما وقع مع المفكر سعيد ناشيد.
 
انا دوما متوجس من حركات التضامن مع أشخاص ذاتيين، لأنه دائما ما يتم التركيز على أشخاص بعينهم كـ"أبطال" بحسب شجرة انتمائهم السياسي والإيديولوجي والعقائدي، وننسى أشخاصا آخرين في الطريق... أشخاصا منسيين ومجهولي الهوية، إما لعدم انتمائهم السياسي أو لراديكاليتهم الإيديولوجية وتطرفهم مع الأنماط واللوغاريتم السياسي السائد.
 
أتذكر أنه لما قرر الملك الحسن الثاني في بدايات ثمانينات القرن الماضي العفو عن المناضلين المطرودين من وظائفهم بعد أحداث 1981، أوكل للأحزاب ونقاباتهم بإحصاء المتضررين لتعويضهم.. ما حدث هو ان من تم تسجيلهم رسميا كمتضررين كانوا فقط وحصريا من حملة بطائق الانخراط والمنتمين حزبيا ونقابيا والمعروفين في "ساحة النضال".. والذين لم يتعرف أحد على هوياتهم، أو كانت لهم سوابق منهجية عكسية، حرموا من الاستفادة من عملية المصالحة، بالرغم من أن جلهم كان نشطا في الصفوف الأمامية للأحداث...
 
إذّاك فهمت أنه لكي يتم تسجيلك كمناضل برقم استدلالي يفيدك في نواميس النضال، ويذر عليك أرصدة من المؤازرة والتعاطف، عليك أن تكون خالتك "من مدعوات العرس"..
 
أنا متضامن مع حق الريسوني والراضي في محاكمة عادلة، ومتفق مع مساعي وقف إضرابهما عن الطعام بشكل عاجل، لإنقاذ حياتهما، ليس لكونهما أيقونات، بل كمواطنين متعرضين لخطر الموت.
 
لكن أجدني متوجسا من كذا تركيز عليهما في الوقت الذي يقبع الكثير منا في ظلام القهر والجوع والغبن الحقوقي، ولا ننعم برصيد مؤازرة لأننا فضلنا عدم الانتماء.
 
لهذا السبب كان الجهد مستميتا لعزل السياسي والإيديولوجي عن الحقوقي، حتى يحظى الجميع بالمناصرة ويحظى برد الاعتبار ضد أي جهة متعسفة كيفما كانت.
 
سعيد ناشيد مفكر لا يقل أهمية إبستيمية عن معطي منجب، بل أظنه مفكرا مناضلا عضويا لأنه وهب نصف حياته للبحث والكتابة في مجالات مرتبطة بالتنوير وحرية العقيدة والديمقراطية من وجهة تصويب تاريخي وفلسفي.
 
عانى، كما يعاني الكثر، من بطش إكليروس العدالة والتنمية الذي تركته الدولة يغرس مساميره المتسلطة في الإدارات العمومية، وتركت له مجال التحكم العميق في أرزاق ومصائر الكثير من المواطنين، وشن العداء والانتقام بشطط إداري صارخ من المتنورين "العزل غير المنتمين"، وكبح كل فرص إقلاعهم الشخصي والمهني والعلمي..
 
حالة سعيد ناشيد هي الوجه الآخر من عملة الشطط والانتقام. هي ذلك الوجه المظلم للقمر. فإذا كان الريسوني يمثل، حسب روايات مناصريه، الوجه الظاهر من بطش الدولة من مفكري وإعلاميي الإخوان.. فإن حالة ناشيد تمثل بطش الإخوان من مفكري وإعلاميي التنوير والحداثة والعلمانية.
 
وحزب العدالة والتنمية لما أراد تثبيت وتحصين قلاعه وجيوشه بمؤسسات الدولة، لم يكن يؤسس أبدا لممارسات ديمقراطية وحقوقية، بل كان يداهم المناصب ويفرغ مقرات إدارات ومؤسسات الدولة من كل أولئك الذين لهم قدرة تشكيل خطر على توازنات مواقعه.
شكرا للبرلمانية آمنة ماء العينين ومن معها من إخوانيين ويساريين، لكل جهود حشد الدعم النيابي حول قضية أخيها سليمان الريسوني، لكن، لن تنطلي علينا هذه المناورات لتنسينا ضحايا حزبها في حق موظفين وجمعويين وأساتذة وأكاديميين وفنانين كان قدرهم فقط أن وجدوا أنفسهم أمام "دكاكة" توسعية.
 
ننتظر دوما استرداد حسابات الإسلام السياسي، المالية العمومية وأيضا حساباته الحقوقية.
 
باحث مغربي