الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

جنرالات الجزائر يخرجون الرئيس للتباهي والكذب وتهديد حراك الشعب

 
محمد نجيب كومينة
 
كان الجنرالات في حاجة إلى ظهور الرئيس عبد المجيد تبون ليتحدث للجزائريين ولتمرير خطابات محددة تنطوي على تهديد مبطن للحراك في جولته الثانية، التي انطلقت في 22 فبراير الماضي، عبر المقارنة بين حراك 2019، الذي اعتبره أصيلا وبلغ أهدافه بحسبه، وحراك 2021 الذي يشكك فيه وفي المشاركين فيه ويعتبره، إذا ما استحضر السياق، مؤامرة مغربية بمشاركة لوبيات جزائرية تنشط في فرنسا.
 
الحوار، الذي أجراه تبون قبل ثلاثة أيام مع صحافيين خضع في ما يظهر للكثير من القص، وبشكل يمكن أن يكتشفه حتى من لا معرفة له بتقنيات التركيب-المونتاج، وذلك للتحكم في الخطاب في حدود ما يريده الجنرالات، الذين يبدو أنهم لا يرغبون في تكرار رحلات وخطب الجنرال گايد صالح في ظل الأزمة التي انتهت بانقلاب هذا الأخير على بوتفليقة وجماعته للحيلولة دون وضعهم رأسه في حبل المشنقة، خصوصا وأن شنقريحة ليس له نفس الموقع، الذي كان لگايد صالح، وتجنبهم التكرار هو في الواقع تجنب للفضيحة في ظرفية أسوأ من تلك التي تم فيها الانقلاب على بوتفليقة، المعروف بأنه سعى إلى خلق توازن بين الرئاسة والجنرالات وفشل في النهاية.
 
في خطاب تبون أمام الصحافيين، حتى وإن كنا لا نعرف ما حذفته الرقابة منه، كان اللاوعي أكثر حضورا من الوعي، حيث تعددت فلتات اللسان التي تكشف عن حالة ارتباك حقيقي في التفكير لدى الرئيس ولدى من يفكرون له بالنيابة عنه ويملون عليه ما يقول وكيف يقال، مع امتلاكهم حق الرقابة وحتى إنزال العقاب، مما جعل التناقض أكثر من صارخ بين جواب وجواب وداخل الجواب الواحد كذلك، وجعل النفي يفيد الإثبات والعكس صحيح في ما يتعلق بعدد من القضايا، التي أثيرت في حوار تم التحضير له وتم سحب جزء منه كما سلف، وربما كان ما سحب مفيدا لتبيان حجم التناقض وأيضا حجم الكذب على مواطنين جزائريين يعرفون واقعهم ويعانون يوميا من تطوراته، ومنها العودة إلى ندرة عرض الكثير من المواد الاستهلاكية الأساسية، نظرا لتراجع احتياطي العملة الصعبة الذي قال تبون إنه بلغ 43 مليار دولار، أي ما يغطي أقل من سنة من الاستيراد، وتشير بعض المصادر إلى أنه اليوم في سقف 23 مليار فقط، أي في حدود 4 أشهر من الاستيراد في أقصى الحالات في بلد يستورد كل شيء ويحتاج جنرالاته النافذون إلى مزيد من صفقات السلاح، وفاسدوه إلى مزيد من الأموال لتهريبها إلى الخارج.
 
وقد كان مثيرا جدا أن أجوبة تبون بشان الانتخابات ونسبة المشاركة فيها والاستفتاء على الدستور قد مثلت مبادرة بئيسة للاستهانة بالمشاركة الشعبية، وأيضا بالمواطنين المسيسين في إطار محاولة يائسة للدفاع عن شرعيته هو نفسه في مواجهة شعار الحراك في مرحلته الجديدة: "تبون مزور جابوه العسكر"، وعن الدستور الذي صوت عليه عمليا 16% من الجزائريين فقط، ولاستباق الانتخابات التي أعلن عنها، بعد حل المجلس الشعبي، حيث وصل إلى حد القول إن مشاركة ضعيفة لا تغير من الأمر شيئا ولا تعني بالنسبة له شيئا مادام أن كل شيء مقرر سلفا بين الجنرالات خارج الاقتراع والإرادة الشعبية.
 
إلحاح تبون المتكرر على كون الجزائر قوة عظمى إقليمية وإفريقية وعلى كونها تحظى باعتبار عالمي وكونها تمتلك أقوى جيش في إفريقيا وكونها حاضرة في حل العديد من المشاكل في إفريقيا... إلخ، كان كاشفا بشكل لافت لإحساس تنضح به قسماته بأن الجزائر توجد اليوم في حالة ضعف حقيقية، وتواجه المستقبل بكثير من الغموض، بعدما بددت أموال طائلة من طرف جنرالاتها ومن يرتبط بهم من الفاسدين وانشغلت عن التنمية وتنويع الاقتصاد بالصرف على المشروع الانفصالي الفاشل ومعاكسة حق المغرب في استكمال وتعزيز وحدته الترابية، فدورة ارتفاع أسعار البترول ومن ورائه الغاز الطبيعي لن تتكرر أبدا بعد المستويات العالية للعرض، واتجاه العالم نحو تحوّل طاقي يقلص من المصادر الأحفورية، والجزائر نفسها تقلصت قدرتها التصديرية وازدادت حاجياتها الداخلية من المواد البترولية، التي تستوردها مصفاة ومصنعة. فالعبرة ليست بمساحة بلد، على أهميتها، وإنما بإنتاج البلد وتقدمه، فاليابان وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وسويسرا أقل مساحة من الجزائر بكثير، لكن الناتج الداخلي للجزائر، بالبترول والغاز اللذين لا يتوفر عليهما أي بلد من تلك البلدان، أشبه بنقطة ماء مقارنة مع بحر، والسودان كانت أكبر مساحة من الجزائر، قبل التقسيم، لكنها، وبما لها من ثروات وإمكانيات مائية وغيرها، كانت في مؤخرة الكوكبة البشرية من حيث مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية، وتعاني من الندرة في كل شيء ومن فقر مذقع بسبب حكم الجنرالات المتواصل لعقود، منذ حكم الجنرال عبود في ستينيات القرن الماضي.
 
ومن المثير جدا أن تبون عندما تكلم عن حجم وتأثير ونفوذ النظام الجزائري إفريقيا، ركز على بعض بلدان الجنوب، مركزا على جنوب إفريقيا في ما يشبه نداء استغاثة، ومُهينا لأنجولا وزيمبابوي اللذين تحدث عنهما وكأنهما تابعين له، والبين أنه كان، خلال حديثه عن هذه البلدان، يستحضر أكثر مساندتها لانفصاليي بوليساريو ولمواقف جنرالات الجزائر المعاكسة لحقوق المغرب أكثر من استحضاره لمصالح الجزائر كبلد وشعب، ولم يفته خلال ذلك أن يسقط في تناقض مكشوف حين اعترف أن الجزائر خسرت كثيرا في إفريقيا خلال العشر سنوات الأخيرة، في إشارة ضمنية إلى التموقع المغربي، الذي يتقوى باستمرار.
 
التناقض نفسه سقط فيه تبون حين نفى تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية للبلدان الإفريقية أو ارتباطها بالاسترتيجية الفرنسية، ليعود ويؤكد أنه كان لها تدخل سافر في مجريات الانتخابات الرئاسية في جارتها النيجر، ولتفلت منه كلمات مبهمة حول الجار الجنوبي الثاني مالي، أما عن دور النظام الجزائري في ليبيا، فالأيام القادمة ستبين طبيعة وحجم ذلك الدور وحقيقته، خصوصا بعدما تبين أن الفرقاء الليبيين كانوا أكثر ثقة بالدور المغربي الإيجابي والنزيه والحريص على عودة استقرار ليبيا وبناء مؤسساتها السيادية.
 
وكان التناقض أيضا مكشوفا، مع تسجيل تملق للرئيس ماكرون، لدى الحديث عن العلاقة بين الجزائر وفرنسا.
 
هذه مجرد ملاحظات سريعة في حدود ما يلائم الفضاء الأزرق (تدوينة)، لأن الحوار تضمن أيضا أمورا أخرى تتعلق بتناقضات النظام الداخلية، والأهم أن تبون حاول توجيه خطاب ملتبس، ينطوي على اتهام بالاندراج في أجندة خارجية وعلى تهديد للحراك الذي عاد ولا يعرف المدى الذي سيصل إليه والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه.
 
كاتب وإعلامي واقتصادي