الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

السيناريست عبد الإله الحمدوشي.. تجربة إبداعية خلّاقة من تتويج إلى تكريم

 
جلال مدني
 
حظي الكاتب والسيناريست المغربي المتميز عبد الإله الحمدوشي بتكريم جديد في مهرجان السعيدية السينمائي، لينضاف إلى سلسلة من التكريمات، إضافة إلى الجوائز الأولى لعدد من المهرجانات السينمائية المغربية والعالمية...
 
جوائز وتكريمات مهرجان السعيدية السينمائي
 
خلال اختتام فعاليات الدورة التاسعة من مهرجان السعيدية السينمائي "سينما بلا حدود"، يوم السبت 31 غشت 2024، أعلنت لجنة تحكيم دورة المهرجان، عن فوز فيلم "أنا القبطان" للمخرج ماتيو كارون (إيطاليا)، بالجائزة الكبرى "الجوهرة الزرقاء"، عن فئة الفيلم الروائي الطويل.
وحصلت الممثلة خادي ماني على جائزة أحسن دور نسائي، عن دورها في فيلم "بانيل وأداما" للمخرجة راماتا تولي ساي (السنغال).
أما جائزة أحسن دور رجالي، فحصل عليه مناصفة كلا من الممثل عادل أبا تراب في فيلم "كأس المحبة"، لنوفل البراوي (المغرب)، وسيدو سار عن فيلم "أنا القبطان"، بينما حصل فيلم "صيف في بجعد"، للمخرج المغربي عمر مول الدويرة، على جائزة لجنة التحكيم.
وكما كان منتظرا، تُوّج السيناريست المغربي عبد الإله الحمدوشي بجائزة أحسن سيناريو، عن فيلم "مطلقات الدارالبيضاء"، وحصل مخرج الفيلم محمد عهد بنسودة على جائزة أحسن إخراج، فيما حصل الممثل الشاب ياسر كزوز على تنويه خاص عن فيلم "صيف في بجعد".
وبالنسبة لفئة الفيلم الروائي القصير، كانت جائزة البرتقال الكبرى من نصيب فيلم "ذاكرة النسيان"، للمخرج المغربي الشاب المبدع الهواري غوباري، فيما حصل هيثم سليمان على جائزة أحسن سيناريو في فيلم "ديانة الماء" (سلطنة عمان). أما جائزة أحسن إخراج فعادت لمازينكا باريس عن فيلم "صمت" (السينغال).
يشار إلى أن لجنة تحكيم هذه الدورة ترأسها المخرج والمنتج المغربي سعد الشرايبي، إلى جانب المخرج المصري سعد هنداوي، والإعلامي السينمائي المغربي علي حسن، والكاتبة المغربية المبدعة لطيفة باقا.
 
آخر احتفالية كانت في مدينة السعيدية، من خلال فعاليات الدورة التاسعة لمهرجانها السينمائي "سينما بلا حدود"، الذي نظمته جمعية الأمل للتعايش والتنمية من 28 إلى 31 غشت 2024، والذي عرف مشاركة 17 فيلما (6 أفلام روائية و11 فيلما قصيرا)، تمثل المغرب وغيرها من الدول العربية والأفريقية والأوروبية، حيث جرى تكريم الكاتب والسيناريست عبد الإله الحمدوشي، الذي أجمعت لجنة تحكيم هذه الدورة، التي ترأسها المخرج سعد الشرايبي، على تتويج سيناريو فيلمه "مطلقات الدارالبيضاء" بجائزة أحسن سيناريو...
 
ويعتقد كثير من المتابعين لحال وأحوال السينما المغربية أن كتابة السيناريو مازالت لم تحظَ بما تستحقّه من عناية، والأمر نفسه بالنسبة لكُتاب السيناريو، وكذا بالنسبة للسيناريست عبد الإله الحمدوشي بالذات، الذي بصم على تجربة رائدة ومؤسِّسة في جنس الرواية البوليسية في المغرب، التي أبدع فيها الحمدوشي، مثلما أبدع أيضا في الرواية الاجتماعية، حتى أصبحت إبداعاته البوليسية والأدبية تستقطب القراء من كل الآفاق، علما أن ناشره، من جهة، وهو "دار التوحيدي"، التي يدير نشرها الكاتب أحمد المرادي، اضطر، تحت ضغط الطلب المتزايد، إلى إصدار طبعات أخرى من رواياته، ومن جهة ثانية، توالي الترجمات لأعماله الإبداعية إلى حوالي عشر لغات...
 
عبد الإله الحمدوشي، الذي قدّمه أحمد المرادي باعتباره صاحب أول رواية عربية بوليسية تُترجم إلى اللغة الإنجليزية، من مواليد مدينة مكناس، اشتغل بالتدريس لفترة، لكنه، في حركاته وسكناته، ظل مهووسا لحد الحلم بالكتابة، بالحكي، بصياغة العُقد ومراودة التشويق بأسلوب جميل وممتع يسرّ "القارئين" وبعدهم "الناظرين"، لم يختر الحمدوشي الكتابة، وإنما الإبداع الروائي هو الذي اختار عبد الإله الحمدوشي، ألقى عليه القبض، وقرأ عليه ما تيسّر من سور الحكي، فجاءت باكورة حلمه رواية صغيرة اسمها "الحالم"، أصدرها سنة 1986... كانت الكلمة، سنواتئذ، لجهابذة روائيي وقصاصي اليسار، في زمن الجذوة الأخيرة لبداية انكسار اليسار في الساحة الطلابية بالخصوص، وفي باقي الساحات، وعلى رأسها الإعلام، كانت صحف اليسار تكاد تكون حكرا على المنتمين والمريدين، وكذلك المجلات "المستقلة" التي كادت تكون لكتاب اليسار السبعيني، كان الجهابذة إياهم قصاصين وروائيين وشعراء كبارا، لكن أكبرهم لا يكاد يبيع بين 500 نسخة وفي الأقصى 1000 نسخة، إلى أن جاء هذا الحمدوشي، كان فتى حالما، له رؤيته الحالمة للأوضاع وللعالم، كان يعرف أن الناشرين لا ينشرون إلا للكبار، فاقتحم النشر على نفقته الخاصّة، وعندما سأله المطبعي عن عدد النسخ، قال له الحمدوشي، والعين في العين دون أن يرف له جفن: 2000 نسخة! لعل المطبعي قعد يحملق في الحمدوشي للتأكّد مما سمع، لكن الفتى الكاتب كان مصمّما، عيناه ترفّان بعزم مكين، وفي الداخل عناد يانع في المضي قدما نحو الحلم... وكان النشر، وكانت المفاجأة: النسخ الألفان بيعت بالكامل...
 
وسيكون ذلك هو الحال في أعماله الروائية اللاحقة، الروائي الذي بدأ بألفي نسخة، صار ينشر بعشرات آلاف النسخ، والكاتب الذي كان يراود الحلم والحب، صار مؤسسا لتجربة إبداعية مغربية لها قيمتها وفرادتها، التي جعلتها تُترجم إلى لغات عالمية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، كما جعلتها تُدرّس في عدة جامعات أمريكية...
 
إذا كانت "الحالم" هي أولى رواياته، فإن أول أفلامه كان بعنوان "بيت الريح"، أخرجته إيمان المصباحي، لتتوالى كتابة السيناريو وينغمر الحمدوشي في عالم الفن السابع، عالم الكاميرا والوجوه والملامح والأحداث والأضواء والخلفيات المعتمة، عالم الصورة، الذي كان يحضر بقوة في ذهن السيناريست وهو يبصم على سيناريو فيلم ما، ولعلّ هذا واحدا من عوامل نجاح الحمدوشي في إغناء السينما المغربية بأعمال متميّزة...
 
وأنا أكتب عن الحمدوشي تبادر إلى ذهني على التوّ أن هذا المبدع المغربي هو قامة شامخة في الإبداع الأدبي وفي كتابة السيناريو لم تلقَ، بعد، ما تستحقّه من عرفان، لا نكاد نجده في ظرفية باتت موسومة بالعديد من مظاهر الفساد، الذي يرخي بسدوله على قطاعات الثقافة والفن والنشر، حتى بات يتصدّر القرارات فيها أشباه مثقفين وطفيليين و"تجّار" كتب... وسواء حصلت عودة الوعي لدى من يهمهم الأمر، أم لم تحصل، يبقى الكاتب والسيناريست عبد الإله الحمدوشي مبدعا شامخا، يواصل ويراكم الإنتاج الإبداعي، بروايات تُترجم إلى العديد من اللغات، وتكتب عنها وعنه الصحافة الإنجليزية والأمريكية، لقد أصبح عبد الإله الحمدوشي يمثّل تجربة إبداعية لها خصوصيتها المغربية وأبعادها العالمية، ولها طابعها الجمالي العميق في ملامسة آلام وآمال الناس، مما جعل الناس يُقبلون على الحمدوشي، بكثير من الحب والتقدير، لأنهم يجدون فيه أنفسهم، ويجدون أن إبداعاته تشبههم...