الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أحمد المرادي: "أوراق" من "دفتر" يُتم الكتاب في المغرب.. الورقة الأولى: يُتم الكتاب الورقي

 
أحمد المرادي
 
الكاتب والناشر أحمد المرادي
في حديث لقناة إماراتية بمعرض الكتاب الدولي بالشارقة
 
استهلال
 
تواتر مؤخرا حديث عن زيادةٍ في ثمن المتر المربع بالمعرض الدولي الـ29 للنشر والكتاب، تفوق 400% من الثمن السابق. والحقيقة أن هذه "المعلومة" ليست صحيحة بتاتا... وتوضيحي هذا ينبني على قناعتي بأن تغيير السياسات بالكذب يؤدي إلى سياسات أكثر سوءا وإساءة للوطن ولأبناء الوطن
 
قبل الدخول في الموضوع، أو بالأحرى تأطير الموضوع، الذي سيكون عبارة عن حلقات تطرح عدة قضايا ذات صلة بالنشر والكتاب وصناعته، أود الإشارة إلى أنني توصلت من صديق عزيز بمقال من جريدة جهوية، عن زيادةٍ في ثمن المتر المربع بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، في دورته التاسعة والعشرين، التي ستنعقد من 9 الى 19 ماي 2024، في مركز السويسي بالرباط، وادّعت فيه الجريدة أن الزيادة في الثمن فاقت 400 في المائة من الثمن السابق.
 
والحقيقة، بناء على الوثائق المتوفرة لدي وبعد تحرياتي في الموضوع، أن هذه "المعلومة" ليست صحيحة بتاتا، والمقال إياه موغل في الافتراء على وزارة الثقافة وعلى الوزير... ولأنني، شخصيا، أكره الافتراء ولو على أعدائي وخصومي، فإن هذا التوضيح، من جانبنا، يدخل في إطار قناعتنا بأن تغيير السياسات بالكذب يؤدي إلى سياسات أكثر سوءا وإساءة للوطن ولأبناء الوطن.
 
ففي مثل قضايا الوطن، ينبغي على كل مقاربة مسؤولة أن تتجاوز مسألة تصفية الحسابات الشخصية والحزبية والنفعية، التي يحاول البعض تحقيقها بالابتزاز، والجلوس إلى الطاولة.
 
حينما يلتقي الناشر والكاتب برواق دار التوحيدي
أحمد المرادي مع الروائي والسيناريست الكبير عبد الإله الحمدوشي
 
عن يُتم الكتاب سأتحدث اليوم
 
لا نعني بالكتاب بالضرورة الورقي، ففي قرننا، نحن الذين نعيشه، والموسوم بالتحولات الكبرى والمتسارعة، صار الكتاب ورقيا أقل فأقل، صار مسموعا، صار رقميا تحت كل أشكاله.
 
الكتاب الورقي يتيم، لأن تكلفة طباعته عالية جدا في وطني، لأن مستوردي الورق وبائعي الورق لا يتعاملون مع ثمن الورق الموجّه لصناعة الكتاب والورق الموجه للتجارة المربحة... ولأن شركات التوزيع تتعامل مع الكتاب كسلعة بائرة
 
لكن ما الداعي للكتابة عن اليُتم، في حالة الكتاب، الذي تتدخل فيه الكثير من الأيادي ليصبح مولودا، حيا، فاعلا، بل ويمكن أن يعود للحياة بعد ممات، كما يقع لكتب التراث؟
 
يُتْم الكتاب في وطن ما، وفي سياق تاريخي ما، نعني به سلوك الذين من المفروض أن يعطونه الحياة والوجود والكينونة.
 
منذ البداية، يأخذ الكتاب ملامحه الأولى على يد وبفعل الكاتب، ثم يكتسب حياته على طول السلسلة المكونة لصناعة الكتاب.
 
وخلال هذه الرحلة يستمر يُتْم الكتاب في مجتمعنا، ليضعنا أمام مشهد سوريالي غير قابل للترويض كيف ما كان موقعك، وكيف ما كانت نيتك، وكيف ما كانت سريرتك.
 
الكتاب يتيم لأنه في كثير من الأحيان وسيلة للترقية الوظيفية، وشخصيا لست ضد هذا الأمر، لكن أن تكتب فقط من أجل الترقية الوظيفية، فأنت تساهم في يُتْمه.
 
والكتاب الورقي يتيم، لأن تكلفة طباعته عالية جدا في وطني، لأن مستوردي الورق وبائعي الورق لا يتعاملون، بحكم القوانين المنظمة للتجارة، والتي يتم التحايل عليها، إلا نادرا، مع ثمن الورق الموجّه لصناعة الكتاب والورق الموجه للتجارة المربحة...
 
الكتاب الورقي يتيم، لأن تجاره -إلا فيما ندر- لا يضعون نصب أعينهم إلا الربح، وإعادة إنتاج "كتب" تجاوزها التاريخ والواقع.. ولأن المشروع الثقافي يتيم، رغم الإرادات الجماعية والفردية، التي تواجهها شبكات فاسدة وسكيزوفرينية واحتكارية
 
والكتاب الورقي يتيم، لأن شركات التوزيع، إن وجدت أصلا، تتعامل مع الكتاب كسلعة بائرة، ويمكن أن تكون على "حق"، وكل التجارب التي حاولت تجاوز هذا اليُتْم اصطدمت بالحائط، وتكبّدت الخسائر الكبيرة.
 
والكتاب الورقي يتيم، ورغم خصوصيته، فإن تجاره -إلا فيما ندر- لا يضعون نصب أعينهم إلا الربح، ومراكمة الثروة، وإعادة إنتاج "كتب" تجاوزها التاريخ والواقع ومتطلبات المساهمة في خلق أجيال تنتمي إلى عصرها، وفي ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة جائزة.
 
والكتاب يتيم، لأن المشروع الثقافي يتيم، رغم الإرادات الجماعية والفردية، التي تواجهها شبكات فاسدة وسكيزوفرينية واحتكارية، لا تتوانى من الاستفادة من نقص في مناعة مجتمع، يلزمه الكثير من اللقاحات ليصير جزءا من عصره.
 
والكتاب يتيم، في غياب قارئ مفترض، تتلاطمه كل موجات العيش والحياة والأفق...
 
فضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط