أحمد حبشي: مسرحية "كلام الليل".. نبش في ذاكرة العسف والحرمان
الكاتب :
"الغد 24"
أحمد حبشي
قدمت فرقة فضاء القرية للإبداع عرضها الأخير لمسرحيتها "كلام الليل"، في إطار برنامج الدعم المسنود من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وهي بذلك تواصل عطاءها المتميز باختيار متونها وأسلوب أدائها وجمالية عروضها.
"كلام الليل" مسرحية شخوصها تحيل على عوالم وأجواء من حياة شخص قابلته أهوال. يتأمل أياما حاصرته قسوتها وأفقدته أقرب الناس إلى قلبه. في عز وحدته، يستعيد بعضا من أجواء عزته.
في لحظة استرخاء، يستعيد عباس شظايا ذكرياته، يقوده تأمله العميق إلى أقسى فترات أيامه، منذ اهتدى إلى حقيقة وجوده وما يلزم للعيش بكرامة كإنسان وكفاعل في محيط مجتمعي، ومستوى تفاعله مع واقعه المعاش بما يلزمه من واجبات وما يحرمه منه كحقوق. اختار صاحب المسرحية الأستاذ المبدع إسماعيل بوقاسم، أن يدخلنا الى عوالم عباس من زاوية اهتماماته الفنية. يطلعنا على بعض من هواجسه من خلال انصهاره الكلي في عوالم مخلوقاته. في مرسمه فضاؤه الخاص، حيث يخلو إلى عوالمه ويغوص في استقراء تفاصيل حياته، يخاطب لوحاته، ويبثها كل لواعجه، يصله صوتها وتأخذه إلى مدارج أهواله، وحدها تحسن مجالسته، تدنيه أكثر من مباهج أيامه وما ساقته إليه ظروف تكالبت عليه أهوالها، وأتعبه وقع تحديد مجرى تأثيرها في حياته. مخلوقاته وحدها تعينه على استعادة ما اكتوى بلظاه. عباس لا يقوى على مواصلة مساره دون الكشف عن حقيقة ما جرى، كيف انتهى إلى ما انتهى إليه، يعيش وحدة قاسية منذ خلت حياته من صخب الرفقة ودفء العائلة. صار هاجسه أن يستعيد بعضا مِمّا يحد به قسوة وحدته وانسداد أفق انعتاقه. في سبيل ذلك، يواصل النبش في ذاكرته ليحلي دواعي اللحظات القاسية والأشد قسوة.
ساهمت السينوغرافيا في بسط مختلف جوانب القضايا وتداعياتها، ومكّنت من إبراز الأداء المتميز للممثلات والممثلين في بسط مختلف الإشكالات في تلاوينها المتعددة وما يقتضيه الكشف عن العلاقة بين الواقع العام والمشاكل المرتبطة بها، لتقريب إدراك الجمهور من حجم المعاناة وشروط إعادة إنتاجها.
ما يثير الانتباه خلال بسط مختلف مشاهد العرض هو اعتماد ازدواجية اللغة، باعتماد الفصحى إلى جانب اللسان الدارج، في حوارات متداخلة، حيث اعتمدت اللغة الدارجة كفواصل، وهو ما يفيد أن هناك لحظتين في محاولات استيعاب مرامي النص المسرحي، من خلال الحكي وزمانه، حتى لا ينساق المتلقي مع الزمن المفترض لمجرى الحكاية ووقائعها، أو السعي لخلق مسافة فاصلة بين المروي والمعاش، أو تأكيد الإحالة على واقع عرفت حقبة من تاريخه ممارسات ماسة بالكرامة وسيادة العسف في تدبير الشأن العام.